يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
إرث الدكتور محمد جابر الأنصاري
برحيل الدكتور محمد جابر الأنصاري تفقد البحرين مفكرًا بارزًا وعلمًا من أعلام الثقافة العربية.
على امتداد عقود قدَّم الدكتور الأنصاري إلى الفكر العربي والثقافة العربية إسهامات مشهودة عبر عشرات الكتب والأبحاث التي أصدرها.
من الصعب أن نختصر إسهامات الدكتور الأنصاري في مقال قصير أو حتى دراسة واحدة، فهي متعددة الأوجه ومتشعبة المجالات، وعلى درجة كبيرة من العمق.
لكن يمكن القول إن إسهامات الدكتور الأنصاري الفكرية دارت بصفة أساسية حول ثلاثة مجالات كبرى:
1 – الجوانب المتعلقة بتاريخ البحرين والتراث البحريني، وأيضا التطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد وعاصرها وتابعها نقاشًا وتحليلا.
2 – القضايا المتعلقة ببناء الدولة الوطنية في البحرين وفي الوطن العربي عمومًا.
إسهامات الدكتور الأنصاري في هذا المجال كبيرة جدا. فقد ناقش كل القضايا التي تتعلق بالنظم السياسية العربية، وبالديمقراطية والمعضلات المرتبطة بها، وببناء مؤسسات الدولة المختلفة.. وهكذا.
كان للدكتور الأنصاري في كل هذه القضايا آراء فكرية عميقة اختلف معه البعض حولها واتفق البعض. لكن في كل الأحوال أثارت أفكاره نقاشًا واسعًا خصبًا، كان لي الحظ أن شاركت في بعض مراحله في ندوات ناقشت بعمق أفكار الدكتور الأنصاري.
3- القضايا المتعلقة بأزمات السياسات العربية والعمل العربي المشترك.
هنا أيضا قدَّم الدكتور الأنصاري تحليلات عميقة للتطورات الكبرى المفصلية في التاريخ العربي، ولبعض من الأزمات السياسية الكبرى التي واجهها الوطن العربي، وقدَّم في هذا المجال رؤى وتفسيرات وأفكارا في غاية الأهمية.
الدكتور الأنصاري فيما قدمه من أفكار ورؤى حول كل هذه القضايا لم ينطلق من انتماء أيديولوجي ضيق، ولم يكتف بمجرد تقديم أفكار نظرية بحتة لا علاقة لها بالواقع كما هو حال كثير من المثقفين.
فكر الدكتور الأنصاري نموذج لارتباط الفكر بالواقع العملي.
مثل هذا النهج هو الذي يساعد على البناء وعلى التقدم بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها.
الأمر المهم الآخر أن الدكتور الأنصاري قدَّم نموذجًا للاجتهاد والعمل الجاد الدؤوب.
الذي يقرأ أبحاث الدكتور الانصاري يعرف فورا أن وراءها عمل بحثي دؤوب ومثابر. لم يكتف بالتعبير عن أفكاره فقط لكن كان همه الأول هو أن يبني هذه الأفكار على معلومات وحقائق ودراسات بحثية. ولهذا أتت أفكاره على قدر كبير من الواقعية والعملية من وجهة نظره بالطبع. وهو لهذا يقدِّم نموذجًا للباحثين الشباب في العمل الجاد وعدم الاستسهال.
عدد كبير من الباحثين والمثقفين العرب، وأنا منهم، تأثروا بفكر الدكتور الأنصاري وإسهاماته في القضايا المختلفة. أذكر أنني في بداية حياتي البحثية والفكرية تأثرت كثيرًا بالأفكار التي طرحها في كتابه «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي». وأذكر أنني قدمت تحليلا مطولا لأفكار الكتاب في أحد أبحاثي في ذلك الوقت.
لقد ترك الدكتور الأنصاري إرثًا كبيرًا من الإسهامات الفكرية. هذا الإرث يجب أن يظل حاضرًا وحيا، وأن يتم تقديمه باستمرار والتعريف به. هذا أمر مهم خاصة للأجيال الشابة من الباحثين والمثقفين العرب.
ومن حسن الحظ أن «دارة الأنصاري» التي تشرف عليها الدكتورة هالة الأنصاري تقوم بهذه المهمة.. مهمة الحفاظ على الإرث الثقافي والفكري للدكتور الأنصاري والتعريف به.
رحم الله الدكتور محمد جابر الأنصاري وأسكنه فسيح جناته لقاء ما قدمه من إسهامات ومن جهد فكري للبحرين والثقافة العربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك