يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
سوريا.. دواع للقلق وتساؤلات مشروعة
تحدثت في مقال أمس عن شروط وضوابط يجب ان تضعها الدول العربية لتحديد موقفها من الحكم الجديد في سوريا وتقديم الدعم العربي. وقلت إن السبب في ذلك ان هناك مخاوف كثيرة ودواعي للقلق حول مواقف الحكم الجديد ومستقبل سوريا.
حتى الآن تبدو التصريحات الصادرة عن الجولاني الحاكم الفعلي الجديد لسوريا مطمئنة بشكل عام على الأقل في عدد من القضايا الأساسية.. نعني مواقفه من قضايا مثل ضرورة توحيد السوريين بعيدا عن انتماءاتهم الطائفية والعرقية، وعن الدعوة إلى حوار وطني حول الدستور الجديد وشكل الحكم، وحول ضرورة ان تكون سوريا دولة لكل موطنيها بلا تمييز.... الخ
ومع هذا.. هناك في تقديرنا مخاوف كثيرة حول مستقبل سوريا وطبيعة نظام الحكم الجديد. هناك تساؤلات مشروعة لا بد ان نطرحها.
بمقدورنا أن نلخص هذه المخاوف والتساؤلات المشروعة على النحو التالي:
بداية، يحق أن نتساءل: ماذا عن انتماء سوريا العروبي، والتزامها بالتالي بالمصالح العربية العليا والأمن القومي العربي؟
من الملاحظ انه منذ سقوط نظام بشار الأسد كان الجولاني حريصا على ان يوجه تصريحات مطمئنة لأمريكا والغرب وإسرائيل، وأن يشيد بدور دول مثل تركيا، لكنه لم يتحدث بأي شكل من الوضوح حول عروبة سوريا وحول علاقاتها ومواقفها العربية.
فقط عندما أبدت صحيفة «الشرق الأوسط» هذه الملاحظة له في الحوار الذي أجرته معه، تحدث عن القضاء على نفوذ إيران في سوريا، وتجارب دول الخليج التنموية، وان سوريا في العهد الجديد لن تمثل أي خطر أو تهديد لأي دولة عربية، ولكنه لم يتحدث بأي قدر من الحماس عن انتماء سوريا العروبي أو عن المصالح العربية المشتركة والالتزام بها.
الخشية هنا هو ان يكون الانتماء الإسلامي المعروف للجولاني وجماعته «حركة تحرير الشام» وأيديولوجيتهم الإسلامية المتطرفة التي يقولون إنهم تخلوا عنها.. ان يكون هذا الانتماء سببا يجعلهم لا يؤمنون حقا بالعروبة والانتماء القومي العربي عموما، وبالتالي فيما يتعلق بسوريا، كما هو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين مثلا.
ومن أكبر التساؤلات المثارة: هل يمكن لنا ان نثق حقا بأن الجولاني وجماعته قد غيروا بالفعل فكرهم جذريا وتخلوا نهائيا عن أيديولوجيتهم الإسلامية المتطرفة تماما هكذا بين يوم وليلة كما يقولون؟
معروف أن الجولاني، وأفراد جماعته، تربوا تربية صارمة مع داعش ثم مع تنظيم القاعدة لسنين طويلة. ولم تكن قناعات الجولاني أو معتقداته الداعشية والقاعدية مجرد قناعات نظرية فقط، وإنما ممارسة عملية اذ انخرط في أنشطة التنظيمين الإرهابيين لسنين طويلة بكل ما يعنيه ذلك على نحو ما نعرف.
الآن هو يقول إن انتماءه هو وجماعته لداعش والقاعدة أصبح من الماضي.
وليس خافيا ان الإعلام الغربي، والأمريكي خصوصا، لعب دورا كبيرا في الترويج لهذا التحول، وفي تقديم الجولاني وجماعته في صورة جديدة تبدو معتدلة ومقبولة للسوريين والعالم. هذا في حد ذاته أمر يثير الريبة.
المفهوم هنا أن أحاديث الجولاني عن تحولاته الفكرية والايديولوجية وإصراره على تصوير نفسه في صورة معتدلة بعيدا عن التطرف في مختلف المجالات فرضته اعتبارات الضرورة السياسية. بمعنى ضرورة ان يكون مقبولا لدى السوريين والعالم وأهلا لحكم سوريا.
لكن السؤال المنطقي هنا: هل هذا التحول حقيقي فعلا؟.. هل من المنطقي أن يحدث مثل هذا التحول جذريا هكذا بالنسبة له او أي أحد آخر؟
الذي يثير القلق هنا هو أن يكون الالحاح على حدوث هذا التحول، وتعمد تأكيد الصورة المعتدلة والحديث عن تجاوز الطائفية والدعوة إلى التوحيد الوطني والايمان بالتعدد وما شابه ذلك من تصريحات مجرد اعتبارات فرضتها الضرورة الآنية فقط.
بمعنى أدق.. الخشية هي أن يكون هذا مجرد ضرورة حتى يتمكن الجولاني وجماعته من حكم سوريا وفرض سيطرتهم، ثم بعد ذلك يكشفون عن عودتهم لقناعاتهم القديمة.. قناعات داعش والقاعدة. إذا حدث هذا فستصبح سوريا بداهة قاعدة جديدة للتطرف والعنف وتهديد الدول العربية.
كما نرى.. هذه بعض دواعي القلق وتساؤلات مشروعة يجب طرحها.
هناك دواع أخرى للقلق أخطر من هذا سنناقشها في المقال القادم بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك