يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حين يموت الفلسطينيون ثلاث مرات
في الفترة الماضية تراجع الاهتمام العالمي السياسي والإعلامي بحرب الإبادة في غزة والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي. حدث هذا بسبب التطورات المتلاحقة في لبنان ثم في سوريا، وأصبح الاهتمام مركزا على الوضع في البلدين وتأثيره على المنطقة عموما.
ومع هذا، فإن عديدا من المنظمات الدولية أصدرت في الفترة الماضية عددا من التقارير التي توثق جرائم الحرب والإبادة في غزة وتطرح توصياتها بضرورة وقفها فورا وتطبيق القانون الدولي وتدعو إلى وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.. وهكذا.
كما أن الصحف العالمية شهدت عددا من المقالات والتحليلات التي تذكر العالم بالجرائم في غزة وتلفت النظر إلى ضرورة عدم نسيانها والتحرك العالمي لوقفها.
في هذا السياق، نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية قبل أيام مقالا مهما للكاتبة نسرين مالك، تطرح فيه عددا من الجوانب في حرب إبادة غزة وتوجه انتقادات عنيفة إلى العالم ورد فعله وموقفه.
تشير الكاتبة بداية إلى تقارير صدرت في الفترة الماضية عن منظمات دولية، أجمعت كلها على أن إسرائيل «ارتكبت ومازالت ترتكب» جرائم حرب في غزة ترتقي إلى «الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي». وتتحدث في هذا الإطار عما جاء بتقارير منظمات مثل، منظمة العفو الدولية، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وهيومان رايتس ووتش.
تقول الكاتبة إنه بالإضافة إلى هذه التقارير، من المعروف أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو وجالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتضيف الكاتبة: إذن، فإن «كل تلك التقارير والأحكام تصنف –بشكل مؤكد- الهجوم في غزة باعتباره انتهاكا للقانون الدولي»، كما أن «البلاد ورئيسها أصبحا الآن خارجين عن القانون»، وفقاً للمحاكم ومنظمات حقوق الإنسان التي تشكل السلطات القانونية والأخلاقية في العالم.
تذكر الكاتبة هذا كي تنتقل إلى النقطة الأهم وهي أن كل الأحكام التي صدرت ضد إسرائيل وقادتها وكل التوصيات التي أكدتها تقارير المنظمات الدولية لم يتم تنفيذ أي شيء منها و«يتردد صداها في فراغ».
والأمر لا يتوقف عند صمت العالم وعدم تنفيذ أي توصيات أو أحكام لوقف الحرب، بل إن بعض الدول تمضي في دعم إسرائيل بقوة. تشير الكاتبة هنا إلى استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في تسليح إسرائيل والدفاع عنها في وجه هذا الإجماع العالمي ضدها. كما تستخدم بعض الدول لغة «الثغرات والألغاز»، حيث أكدت المملكة المتحدة امتثالها لالتزاماتها القانونية، لكنها في الوقت نفسه تصر على أنها «حليف قوي» لإسرائيل وستبقى تتعامل مع نتنياهو، وفرنسا اعتبرت ان نتنياهو يتمتع بالحصانة.
تقول الكاتبة إنه نتيجة لكل هذا لم يتغير شيء والحرب مستمرة، وعلى الرغم من «تخطي كل العتبات الإجرامية» لم يتم إيقاف المجرمين أو تقديمهم للعدالة».
في المحصلة النهائية أن الفلسطينيين يموتون مرتين كما تقول الكاتبة. يموتون مرة بطريقة مادية، ويموتون مرة أخرى بطريقة أخلاقية، حيث «يقوض الأقوياء المعايير ذاتها التي تشكل العالم كما نعرفه»، وحيث إن حلفاء إسرائيل «برفض تصنيف ما يحدث على أنه إبادة وتطهير عرقي، يفرضون التكيف مع عالم، لا يتم فيه منح الحقوق من قبل الإنسانية، بل من الأطراف التي تقرر من هو الإنسان».
كما نرى هذا المقال صرخة في وجه العالم.. العالم الذي يعجز عن وقف أبشع حرب إبادة جماعية، ويحمي المجرمين ويدعم إجرامهم.
والحقيقة أن الفلسطينيين لا يموتون مرتين كما تقول الكاتبة، بل يموتون ثلاث مرات.
يموتون مرة قتلا جماعيا.
ويموتون مرة بقتل القانون الدولي والعدالة الدولية وحماية المجرمين.
ويموتون مرة ثالثة بتراجع الاهتمام العالمي بحرب الإبادة، والتعامل مع ما يجري كما لو كان قد أصبح أمرا طبيعيا عاديا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك