العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

حين يموت الفلسطينيون ثلاث مرات

في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬بسبب‭ ‬التطورات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وأصبح‭ ‬الاهتمام‭ ‬مركزا‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬عموما‭.‬

ومع‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬أصدرت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬توثق‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وتطرح‭ ‬توصياتها‭ ‬بضرورة‭ ‬وقفها‭ ‬فورا‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬تصدير‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.. ‬وهكذا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الصحف‭ ‬العالمية‭ ‬شهدت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬والتحليلات‭ ‬التي‭ ‬تذكر‭ ‬العالم‭ ‬بالجرائم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وتلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬نسيانها‭ ‬والتحرك‭ ‬العالمي‭ ‬لوقفها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬مقالا‭ ‬مهما‭ ‬للكاتبة‭ ‬نسرين‭ ‬مالك،‭ ‬تطرح‭ ‬فيه‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭ ‬وتوجه‭ ‬انتقادات‭ ‬عنيفة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬ورد‭ ‬فعله‭ ‬وموقفه‭.‬

تشير‭ ‬الكاتبة‭ ‬بداية‭ ‬إلى‭ ‬تقارير‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬دولية،‭ ‬أجمعت‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬ارتكبت‭ ‬ومازالت‭ ‬ترتكب‮»‬‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‮»‬‭. ‬وتتحدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬عما‭ ‬جاء‭ ‬بتقارير‭ ‬منظمات‭ ‬مثل،‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬والمركز‭ ‬الأوروبي‭ ‬للحقوق‭ ‬الدستورية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهيومان‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭.‬

تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬إنه‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬التقارير،‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬أصدرت‭ ‬مذكرات‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجالانت،‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭.‬

وتضيف‭ ‬الكاتبة‭: ‬إذن،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التقارير‭ ‬والأحكام‭ ‬تصنف‭ ‬بشكل‭ ‬مؤكد‭- ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬باعتباره‭ ‬انتهاكا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬‮«‬البلاد‭ ‬ورئيسها‭ ‬أصبحا‭ ‬الآن‭ ‬خارجين‭ ‬عن‭ ‬القانون‮»‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬للمحاكم‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬السلطات‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

تذكر‭ ‬الكاتبة‭ ‬هذا‭ ‬كي‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬الأهم‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأحكام‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقادتها‭ ‬وكل‭ ‬التوصيات‭ ‬التي‭ ‬أكدتها‭ ‬تقارير‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬منها‭ ‬و‮«‬يتردد‭ ‬صداها‭ ‬في‭ ‬فراغ‮»‬‭.‬

والأمر‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬صمت‭ ‬العالم‭ ‬وعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬أي‭ ‬توصيات‭ ‬أو‭ ‬أحكام‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقوة‭. ‬تشير‭ ‬الكاتبة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تسليح‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬هذا‭ ‬الإجماع‭ ‬العالمي‭ ‬ضدها‭. ‬كما‭ ‬تستخدم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لغة‭ ‬‮«‬الثغرات‭ ‬والألغاز‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬امتثالها‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬القانونية،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬حليف‭ ‬قوي‮»‬‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وستبقى‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وفرنسا‭ ‬اعتبرت‭ ‬ان‭ ‬نتنياهو‭ ‬يتمتع‭ ‬بالحصانة‭.‬

تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬إنه‭ ‬نتيجة‭ ‬لكل‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭ ‬والحرب‭ ‬مستمرة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬‮«‬تخطي‭ ‬كل‭ ‬العتبات‭ ‬الإجرامية‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إيقاف‭ ‬المجرمين‭ ‬أو‭ ‬تقديمهم‭ ‬للعدالة‮»‬‭.‬

في‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يموتون‭ ‬مرتين‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة‭. ‬يموتون‭ ‬مرة‭ ‬بطريقة‭ ‬مادية،‭ ‬ويموتون‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بطريقة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬يقوض‭ ‬الأقوياء‭ ‬المعايير‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬نعرفه‮»‬،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬حلفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬برفض‭ ‬تصنيف‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إبادة‭ ‬وتطهير‭ ‬عرقي،‭ ‬يفرضون‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬عالم،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬منح‭ ‬الحقوق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تقرر‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‮»‬‭.‬

كما‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬صرخة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭.. ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬أبشع‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬ويحمي‭ ‬المجرمين‭ ‬ويدعم‭ ‬إجرامهم‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬يموتون‭ ‬مرتين‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة،‭ ‬بل‭ ‬يموتون‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭.‬

يموتون‭ ‬مرة‭ ‬قتلا‭ ‬جماعيا‭.‬

ويموتون‭ ‬مرة‭ ‬بقتل‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والعدالة‭ ‬الدولية‭ ‬وحماية‭ ‬المجرمين‭.‬

ويموتون‭ ‬مرة‭ ‬ثالثة‭ ‬بتراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬أمرا‭ ‬طبيعيا‭ ‬عاديا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا