العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الأوطان مرآة شعوبها!

{ الأوطان‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬عكسها‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬فيها،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬شعوبها،‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أفعالا‭ ‬منعكسة‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬الوطن،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬إنجازات‭ ‬وطموحات‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬خسائر‭ ‬واندحارات‭! ‬فهي‭ ‬الأوطان‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬رقي‭ ‬وحضارة‭ ‬وثقافة‭ ‬وقيم‭ ‬أو‭ ‬تخلف‭ ‬وتأخر‭ ‬وجهل‭! ‬ولفهم‭ ‬ماهية‭ ‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬أحوال‭ ‬الوطن‭ ‬وسياقاته‭ ‬ومساراته،‭ ‬وما‭ ‬بذلته‭ ‬القيادات‭ ‬فيها‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وما‭ ‬بذلته‭ ‬أيضاً‭ ‬المؤسسات‭ ‬الشعبية‭ ‬والأهلية‭ ‬والمدنية،‭ ‬وما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬مختلفة‭ ‬أهمها‭ ‬أمنها‭ ‬الوطني‭ ‬واستقرارها،‭ ‬وحماية‭ ‬هويتها‭ ‬الوطنية‭ ‬وقيمها،‭ ‬وكيفية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬وحضارتها‭ ‬وأصالتها‭! ‬وكيف‭ ‬تبني‭ ‬أجيالها‭ ‬وتعليمها‭ ‬وتستثمر‭ ‬في‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وكيف‭ ‬تواجه‭ ‬التحديات‭ ‬وتقبض‭ ‬بيديها‭ ‬على‭ ‬الفرص‭ ‬لتحقق‭ ‬رفاهية‭ ‬شعبها‭.‬

{‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬المسلمّات،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬مقياس‭ ‬التطبيق‭ ‬تتحوّل‭ ‬أكثرها‭ ‬إلى‭ ‬تحديات،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ترعرع‭ ‬الفساد‭ ‬والأنانيات‭ ‬في‭ ‬بيئتها،‭ ‬وانعدمت‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لدى‭ ‬قياداتها‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬الشعبية،‭ ‬ليصبح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلب‭ ‬بديهي‭ ‬وطبيعي‭ ‬صعب‭ ‬تحقيقه،‭ ‬وقد‭ ‬تغلبت‭ ‬الرؤى‭ ‬الضيقة‭ ‬والمصالح‭ ‬الأنانية‭ ‬للبعض‭ ‬الى‭ ‬فساد‭ ‬خاص،‭ ‬لمن‭ ‬يرسم‭ ‬صورة‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬مرآته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬المرآة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مرآة‭ ‬الوطن‭ ‬التي‭ ‬يتجلّى‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬جيداً‭ ‬أو‭ ‬رديئاً‭!‬

{‭ ‬بالتفاتة‭ ‬بسيطة‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وما‭ ‬يهمنا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬أوطاناً‭ ‬عربية‭ ‬تمتلك‭ ‬كل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬وتمتلك‭ ‬ثروات‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكنها‭ ‬وبيد‭ ‬أبنائها‭ ‬تمزقت‭ ‬وتخلفت‭ ‬واضطربت،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استجابت‭ ‬بفئات‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬مسارات‭ ‬الفوضى‭ ‬المرسومة‭ ‬لها،‭ ‬والمخططات‭ ‬التي‭ ‬تعبث‭ ‬بمصائرها،‭ ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬نجاح‭ ‬لأي‭ ‬مخطط‭ ‬خارجي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عوامل‭ ‬ذاتية‭ ‬منها‭ ‬العمالة‭ ‬للخارج،‭ ‬أو‭ ‬المصالح‭ ‬الفردية‭ ‬والفئوية‭ ‬الضيقة،‭ ‬التي‭ ‬تهمل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬أنانيتها‭ ‬أو‭ ‬فوضاها‭ ‬الفكرية‭ ‬والإيديولوجية،‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬على‭ ‬مرآة‭ ‬أوطانها‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬وتمزّق‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬استهدافها‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الداخل‭!‬

{ هناك‭ ‬شعوب‭ ‬بالفطرة‭ ‬تغلب‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬سلوكياتها‭ ‬الرؤية‭ ‬الوطنية،‭ ‬فتفدي‭ ‬أوطانها‭ ‬بالغالي‭ ‬وبكل‭ ‬شيء،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتدحرج‭ ‬الوطن‭ ‬الى‭ ‬الفوضى‭! ‬بينما‭ ‬أوطان‭ ‬عربية‭ ‬سلمت‭ ‬نفسها‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬بعض‭ ‬أبنائها‭ ‬إلى‭ ‬الخراب‭ ‬والدمار،‭ ‬ولم‭ ‬تفهم‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الوطن‭ ‬إلا‭ ‬مصالحها‭ ‬الأنانية،‭ ‬بل‭ ‬دمرت‭ ‬شعوبها،‭ ‬ومارست‭ ‬القتل‭ ‬فيهم‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اختلافات‭ ‬مذهبية‭ ‬أو‭ ‬إيديولوجية،‭ ‬فالوطن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مزرعة‭ ‬خاصة‭ ‬للنهب‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير،‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬رابط‭ ‬يربطها‭ ‬بتراب‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬هوائه،‭ ‬أو‭ ‬تاريخه‭ ‬أو‭ ‬هويته‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬وجوده‭! ‬

{‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬محاولة‭ ‬تذويبها‭ ‬بأيادي‭ ‬العولمة‭ ‬الشرسة‭ ‬ومعايير‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬والليبرالية‭ ‬الجديدة‭ ‬لبعض‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬تذويب‭ ‬الأوطان‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أسواق‭ ‬استهلاكية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬روح‭ ‬أو‭ ‬هويّة‭ ‬أو‭ ‬خصوصية‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية‭ ‬وحضارية‭! ‬هذه‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬وإعلاء‭ ‬قيمة‭ ‬الانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬وعلى‭ ‬أمنه‭ ‬واستقراره،‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬المعيار‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشبث‭ ‬به‭ ‬يتم‭ ‬حفظ‭ ‬الوطن،‭ ‬ويتم‭ ‬إعلاؤه‭ ‬كقيمة‭ ‬أساسية‭ ‬وضرورية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عداه‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬إيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬طائفية‭ ‬أو‭ ‬ليبرالية‭ ‬جديدة‭ ‬تنسف‭ ‬الهويات‭ ‬وتنسف‭ ‬الشعوب‭ ‬لمجرد‭ ‬تحقيق‭ ‬غايات‭ ‬كالسيطرة‭ ‬والهيمنة‭ ‬والتفوق‭ ‬والارتزاق‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬الشعوب‭ ‬المقهورة‭! ‬

{‭ ‬رأينا‭ ‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬من‭ ‬مرايا‭ ‬كثيرة‭ ‬يعكس‭ ‬بعضها‭ ‬الأطماع‭ ‬وبعضها‭ ‬الفساد‭ ‬العالمي‭ ‬ونظامه‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭ ‬يعكس‭ ‬توق‭ ‬الشعوب‭ ‬إلى‭ ‬نيل‭ ‬حريتها‭ ‬وإرادتها‭ ‬وحلمها‭ ‬الوطني،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬كيف‭ ‬يتحول‭ ‬الوطن‭ ‬إلى‭ ‬غابة‭ ‬تتصارع‭ ‬فيه‭ ‬الانتماءات‭ ‬والولاءات‭ ‬والتطلعات‭ ‬للسلطة‭ ‬فتدمر‭ ‬أوطانها‭ ‬وكأنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬العيون‭ ‬المتربصة‭ ‬بتلك‭ ‬الأوطان‭! ‬ورأينا‭ ‬كيف‭ ‬يتحول‭ ‬الحلم‭ ‬إلى‭ ‬كابوس،‭ ‬والنظام‭ ‬إلى‭ ‬فوضى،‭ ‬وكيف‭ ‬تتشرّد‭ ‬الشعوب،‭ ‬وكيف‭ ‬تتدمر‭ ‬الأوطان،‭ ‬وكيف‭ ‬يعيث‭ ‬الخراب‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬المتصارعة،‭ ‬وكيف‭ ‬تبيع‭ ‬أنظمة‭ ‬دول‭ ‬أبناءها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقائها،‭ ‬وكيف‭ ‬تمارس‭ ‬أبشع‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وكيف‭ ‬وكيف،‭ ‬والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬معنى‭ ‬الوطن،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬معنى‭ ‬الإخلاص‭ ‬للوطن‭ ‬ولشعبه،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬الوطن‭ ‬ومرآة‭ ‬التاريخ‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا