عالم يتغير
فوزية رشيد
الأوطان مرآة شعوبها!
{ الأوطان في فعل عكسها لما يجري فيها، تشير إلى حقيقة شعوبها، تلك الشعوب التي ترى أفعالا منعكسة في مرآة الوطن، سواء كانت إنجازات وطموحات أو كانت خسائر واندحارات! فهي الأوطان التي تعكس ما وصلت إليه شعوبها من رقي وحضارة وثقافة وقيم أو تخلف وتأخر وجهل! ولفهم ماهية الشعوب لا بد من فهم أحوال الوطن وسياقاته ومساراته، وما بذلته القيادات فيها ومؤسسات الدولة الرسمية، وما بذلته أيضاً المؤسسات الشعبية والأهلية والمدنية، وما وصلت إليه في جوانب مختلفة أهمها أمنها الوطني واستقرارها، وحماية هويتها الوطنية وقيمها، وكيفية الحفاظ على أفضل ما في تاريخها وحضارتها وأصالتها! وكيف تبني أجيالها وتعليمها وتستثمر في مواطنيها، وكيف تواجه التحديات وتقبض بيديها على الفرص لتحقق رفاهية شعبها.
{ قد تبدو تلك الأمور من المسلمّات، ولكن في مقياس التطبيق تتحوّل أكثرها إلى تحديات، خاصة إذا ترعرع الفساد والأنانيات في بيئتها، وانعدمت الرؤية الاستراتيجية لدى قياداتها الرسمية أو الشعبية، ليصبح ما هو مطلب بديهي وطبيعي صعب تحقيقه، وقد تغلبت الرؤى الضيقة والمصالح الأنانية للبعض الى فساد خاص، لمن يرسم صورة الوطن في مرآته الخاصة، وهو لا يرى المرآة الكبيرة التي هي مرآة الوطن التي يتجلّى فيها كل شيء، سواء كان جيداً أو رديئاً!
{ بالتفاتة بسيطة إلى المحيط العربي والإقليمي والدولي، وما يهمنا أننا نرى أوطاناً عربية تمتلك كل الإمكانيات وتمتلك ثروات مختلفة، لكنها وبيد أبنائها تمزقت وتخلفت واضطربت، بعد أن استجابت بفئات فيها إلى مسارات الفوضى المرسومة لها، والمخططات التي تعبث بمصائرها، وحيث لا نجاح لأي مخطط خارجي من دون عوامل ذاتية منها العمالة للخارج، أو المصالح الفردية والفئوية الضيقة، التي تهمل في طريق أنانيتها أو فوضاها الفكرية والإيديولوجية، ما تعكسه على مرآة أوطانها من صراعات وتمزّق تُسهم في إنجاح استهدافها من الخارج أو حتى من الداخل!
{ هناك شعوب بالفطرة تغلب عليها وعلى سلوكياتها الرؤية الوطنية، فتفدي أوطانها بالغالي وبكل شيء، خوفاً من أن يتدحرج الوطن الى الفوضى! بينما أوطان عربية سلمت نفسها وعلى يد بعض أبنائها إلى الخراب والدمار، ولم تفهم في لغة الوطن إلا مصالحها الأنانية، بل دمرت شعوبها، ومارست القتل فيهم بناء على اختلافات مذهبية أو إيديولوجية، فالوطن بالنسبة إليها يتحول إلى مزرعة خاصة للنهب والقتل والتدمير، وكأن لا رابط يربطها بتراب هذا الوطن أو هوائه، أو تاريخه أو هويته أو حتى وجوده!
{ الوطنية التي يتم محاولة تذويبها بأيادي العولمة الشرسة ومعايير الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الجديدة لبعض القوى الكبرى، التي تريد تذويب الأوطان لتتحول إلى مجرد أسواق استهلاكية من دون روح أو هويّة أو خصوصية تاريخية وثقافية وحضارية! هذه «الوطنية» وإعلاء قيمة الانتماء للوطن للحفاظ عليه، وعلى أمنه واستقراره، هي ذاتها المعيار الذي من خلال التشبث به يتم حفظ الوطن، ويتم إعلاؤه كقيمة أساسية وضرورية على ما عداه من منطلقات إيديولوجية أو طائفية أو ليبرالية جديدة تنسف الهويات وتنسف الشعوب لمجرد تحقيق غايات كالسيطرة والهيمنة والتفوق والارتزاق على ثروات الشعوب المقهورة!
{ رأينا ما رأينا من مرايا كثيرة يعكس بعضها الأطماع وبعضها الفساد العالمي ونظامه أو بعضها يعكس توق الشعوب إلى نيل حريتها وإرادتها وحلمها الوطني، وبعضها الآخر كيف يتحول الوطن إلى غابة تتصارع فيه الانتماءات والولاءات والتطلعات للسلطة فتدمر أوطانها وكأنها لا ترى العيون المتربصة بتلك الأوطان! ورأينا كيف يتحول الحلم إلى كابوس، والنظام إلى فوضى، وكيف تتشرّد الشعوب، وكيف تتدمر الأوطان، وكيف يعيث الخراب في النفوس المتصارعة، وكيف تبيع أنظمة دول أبناءها للحفاظ على بقائها، وكيف تمارس أبشع الجرائم في حق مواطنيها، وكيف وكيف، والخلاصة أن كل من يفعل ذلك، لا يفهم معنى الوطن، ولا قيمة الإنسان، ولا يدرك معنى الإخلاص للوطن ولشعبه، ولا يرى نفسه قط في مرآة الوطن ومرآة التاريخ!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك