العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ليالي المحرق.. روح المكان وبهجته!

{‭ ‬والبحرين‭ ‬قيادة‭ ‬وشعبا‭ ‬يحتفلون‭ ‬بالعيد‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬ديسمبر‭ ‬الباردة‭ ‬والمضيئة‭ ‬بكل‭ ‬ألوان‭ ‬الزينة‭ ‬والفرح‭ ‬والألعاب‭ ‬النارية‭ ‬والفعاليات‭ ‬المختلفة‭ ‬فإن‭ ‬المحرق‭ ‬ولياليها‭ ‬تكتسب‭ ‬بهجة‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬وهي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬سياحي‭ ‬مفعم‭ ‬بالواجهات‭ ‬والدكاكين‭ ‬القديمة‭ ‬بحلة‭ ‬جديدة‭ ‬وبالمقاهي‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬أزقتها‭ ‬وطريق‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬ومساره،‭ ‬وبما‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬روحه‭ ‬المتوهجة‭ ‬ولتتحول‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬للمواطنين‭ ‬وأشقاء‭ ‬من‭ ‬الخليج،‭ ‬يعرفون‭ ‬ويتعرفون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬للتراث‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬عامل‭ ‬جذب‭ ‬سياحي‭ ‬يعيد‭ ‬لليالي‭ ‬المدينة‭ ‬نكهتها‭ ‬الخاصة‭ ‬حين‭ ‬يختلط‭ ‬القديم‭ ‬بالحديث‭ ‬وتزخر‭ ‬الأزقة‭ ‬القديمة‭ ‬بوهج‭ ‬الماضي‭ ‬ليعيد‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬ما‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬المحرق‭ ‬من‭ ‬حرف‭ ‬وصناعات‭ ‬وأماكن‭ ‬شهدت‭ ‬مراسم‭ ‬استخراج‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وصناعته‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬البحريني‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هو‭ ‬الأفضل‭ ‬بين‭ ‬لآلئ‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! ‬مثلما‭ ‬يتعرفون‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬المكان‭.‬

{‭ ‬المحرق‭ ‬بإرثها‭ ‬وتاريخها‭ ‬الوطني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والإنساني‭ ‬وكعاصمة‭ ‬قديمة‭ ‬للبحرين‭ ‬وما‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬المكان‭ ‬والروح‭ ‬وأماكن‭ ‬نقشت‭ ‬حجارتها‭ ‬معالم‭ ‬تاريخ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬تبقى‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬مليئة‭ ‬ومفعمة‭ ‬بروح‭ ‬أبنائها‭ ‬الأوائل‭ ‬وبيوتها‭ ‬القديمة‭ ‬وبيوت‭ ‬بعض‭ ‬حكامها‭ ‬الأوائل‭ ‬ولتشيع‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬بنكهتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬يحملها‭ ‬الكثيرون‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬فيها‭ ‬ثم‭ ‬نزحوا‭ ‬عنها‭ ‬إلى‭ ‬المدن‭ ‬الجديدة،‭ ‬لكنها‭ ‬المحرق‭ ‬بقيت‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬قلوبهم،‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬دفاترها‭ ‬ذاكرة‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬في‭ ‬بساطته‭ ‬وشموخه‭ ‬وتفرده‭ ‬الأمكنة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها،‭ ‬وحيث‭ ‬بصمة‭ ‬المكان‭ ‬وبهجته‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشرفات‭ ‬البعيدة‭ ‬الساكنة‭ ‬قرب‭ ‬سواحل‭ ‬البحرين‭ ‬والشواطئ‭ ‬الممتدة‭ ‬حتى‭ ‬أبوابها‭ ‬المشرعة‭ ‬لزوار‭ ‬الأوقات‭ ‬كلها‭!‬

{‭ ‬هناك‭ ‬حيث‭ ‬الطفولة‭ ‬تستعيد‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬البهيجة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬والمتلألئة‭ ‬بزخم‭ ‬زوارها،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يكتشفون‭ ‬ما‭ ‬لهذه‭ ‬الأماكن‭ ‬والأزقة‭ ‬من‭ ‬سحر‭ ‬خاص‭ ‬مترع‭ ‬بالحيوية‭ ‬والتراث‭ ‬وكأن‭ ‬ذاكرة‭ ‬البيوت‭ ‬القديمة‭ ‬توقظ‭ ‬فيهم‭ ‬حنين‭ ‬الجذور‭ ‬وعشق‭ ‬الروح‭ ‬الطيبة‭ ‬بين‭ ‬زقاق‭ ‬وآخر،‭ ‬وبيت‭ ‬تاريخي‭ ‬وآخر‭!‬

{‭ ‬فيما‭ ‬وأنا‭ ‬أتجول‭ ‬مع‭ ‬المتجولين‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬ذاتها‭ ‬أستعيد‭ ‬نشوة‭ ‬خاصة‭ ‬هي‭ ‬نشوة‭ ‬الطفولة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬تلك‭ ‬الأزقة‭ ‬جيدا‭! ‬ونشوة‭ ‬استعادة‭ ‬الذكريات‭ ‬مع‭ ‬أصحابها‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬والأقارب‭ ‬فهنا‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬جدي‭ ‬وهنا‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬ابن‭ ‬خالة‭ ‬والدي‭ ‬‮«‬إسماعيل‭ ‬المنصوري‮»‬‭ ‬وأبقاره‭ ‬ومزرعته‭ ‬وهنا‭ ‬دكان‭ ‬‮«‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وهنا‭ ‬‮«‬دختر‭ ‬منصور‮»‬‭ ‬وهنا‭ ‬‮«‬الخباز‮»‬‭ ‬وهنا‭ ‬‮«‬عبدالرحمن‭ ‬بلي‮»‬‭ ‬بائع‭ ‬الخبز‭ ‬والنخي‭ ‬والباجلة،‭ ‬وهنا‭ ‬ركضت‭ ‬الطفولة‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الجارة‭ ‬‮«‬شيخة‮»‬‭ ‬وهنا‭ ‬بيت‭ ‬‮«‬أبوالفتح‮»‬‭ ‬أولاد‭ ‬خالة‭ ‬أمي‭ ‬وذاكرة‭ ‬جدتي‭! ‬وهنا‭ ‬كان‭ ‬البحارة‭ ‬يصنعون‭ ‬أقفاص‭ ‬الصيد،‭ ‬وهنا‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬العم‭ ‬إسماعيل‭ ‬قبالة‭ ‬البحر‭ ‬وهنا‭ ‬كان‭ ‬بيتنا‭ ‬القديم‭ ‬الملاصق‭ ‬للجيران‭ ‬الطيبين‭ ‬والقريب‭ ‬من‭ ‬سيف‭ ‬البحر‭! ‬وهنا‭ ‬وهنا‭.. ‬وحيث‭ ‬الذاكرة‭ ‬مليئة‭ ‬أيضا‭ ‬بأماكن‭ ‬الدراسة‭ ‬الأولى‭ ‬الابتدائية‭ ‬والثانوية،‭ ‬وبيوت‭ ‬كل‭ ‬الأهل‭ ‬من‭ ‬أقارب‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬الموزعة‭ ‬والمتناثرة،‭ ‬حيث‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وهنا‭ ‬بيوت‭ ‬أخرى‭ ‬للأقارب‭ ‬والمعارف‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭!‬

{‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬كل‭ ‬الحنين‭ ‬وأجمل‭ ‬محطات‭ ‬الذاكرة‭ ‬وحيث‭ ‬أهل‭ ‬المحرق‭ ‬لهم‭ ‬إطلالة‭ ‬خاصة‭ ‬مدمجة‭ ‬بالمكان‭ ‬فالأبواب‭ ‬والحوش‭ ‬والصبان‭ ‬وزرقة‭ ‬المياه‭ ‬واخضرارها‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬تلك‭ ‬التوليفة‭ ‬الأسطورية‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬رغم‭ ‬بساطتها‭ ‬زاخرة‭ ‬بالتعاضد‭ ‬والتعاون‭ ‬المجتمعي‭ ‬كأجمل‭ ‬ما‭ ‬يكون،‭ ‬فكل‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬هم‭ ‬أهل‭ ‬لبعضهم‭ ‬وعزوة،‭ ‬وكل‭ ‬الحكايات‭ ‬القديمة‭ ‬تحفر‭ ‬غرائبيتها‭ ‬من‭ ‬حكاياتهم‭ ‬فيها‭!‬

ونحن‭ ‬نتجول‭ ‬بصحبة‭ ‬أحد‭ ‬العارفين‭ ‬بألغاز‭ ‬تلك‭ ‬الحكايات‭ ‬وهو‭ ‬محمد‭ ‬المحميد‭ ‬يبهرنا‭ ‬بقصص‭ ‬غريبة‭ ‬مدموجة‭ ‬بالمواويل‭ ‬والأشعار‭ ‬وغموض‭ ‬الشخصيات‭ ‬وكأنه‭ ‬يطل‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬ويأسرنا‭ ‬بأسرار‭ ‬المدينة‭!‬

{‭ ‬المحرق‭ ‬ولياليها‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تطول‭ ‬بمباهجها‭ ‬لشهور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬ديسمبر‭ ‬لأنها‭ ‬تعيد‭ ‬لكل‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬عمق‭ ‬الهوية‭ ‬والتاريخ‭ ‬والذاكرة‭ ‬وحياة‭ ‬الأولين‭ ‬مثلما‭ ‬تعيد‭ ‬لهم‭ ‬نكهة‭ ‬الماضي‭ ‬وبهجته‭ ‬بعد‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صقيلة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تفتقد‭ ‬الروح‭ ‬والتراث‭ ‬والأصالة‭ ‬التي‭ ‬عرفناها‭ ‬في‭ ‬الأمكنة‭ ‬المحرقية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬البحرين‭ ‬القديمة‭!‬

وليالي‭ ‬المحرق‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬أجمل‭ ‬الاحتفاليات‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬والتي‭ ‬نشد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أرجعنا‭ ‬إليها‭ ‬بزخم‭ ‬جديد‭ ‬ورؤية‭ ‬سياحية‭ ‬مختلفة‭ ‬روت‭ ‬عطش‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬لقديمها‭ ‬وتراثها‭ ‬وحكايات‭ ‬أهلها‭ ‬وبهجة‭ ‬خاصة‭ ‬لأماكنها‭! ‬فهل‭ ‬تطول‭ ‬هذه‭ ‬الليالي‭ ‬لتبدأ‭ ‬قبل‭ ‬ديسمبر‭ ‬وتنتهي‭ ‬بعده‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬البحرين‭ ‬الربيعية‭ ‬والباردة؟‭! ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬نأمله‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا