عالم يتغير
فوزية رشيد
ليالي المحرق.. روح المكان وبهجته!
{ والبحرين قيادة وشعبا يحتفلون بالعيد الوطني في أجواء ديسمبر الباردة والمضيئة بكل ألوان الزينة والفرح والألعاب النارية والفعاليات المختلفة فإن المحرق ولياليها تكتسب بهجة خاصة بها هذا العام وهي تتحول إلى مكان سياحي مفعم بالواجهات والدكاكين القديمة بحلة جديدة وبالمقاهي المنتشرة في أزقتها وطريق اللؤلؤ ومساره، وبما يعيد إلى المكان روحه المتوهجة ولتتحول ليالي المحرق إلى وجهة للمواطنين وأشقاء من الخليج، يعرفون ويتعرفون على ما للتراث القديم من عامل جذب سياحي يعيد لليالي المدينة نكهتها الخاصة حين يختلط القديم بالحديث وتزخر الأزقة القديمة بوهج الماضي ليعيد إلى الذاكرة ما حفلت به المحرق من حرف وصناعات وأماكن شهدت مراسم استخراج اللؤلؤ وصناعته حين كان اللؤلؤ البحريني ولا يزال هو الأفضل بين لآلئ العالم كله! مثلما يتعرفون على روح المكان.
{ المحرق بإرثها وتاريخها الوطني والاجتماعي والإنساني وكعاصمة قديمة للبحرين وما حفلت به من ذاكرة المكان والروح وأماكن نقشت حجارتها معالم تاريخ ما قبل الميلاد تبقى تلك الروح مليئة ومفعمة بروح أبنائها الأوائل وبيوتها القديمة وبيوت بعض حكامها الأوائل ولتشيع تلك الروح بنكهتها الخاصة بما تحمله من ذكريات يحملها الكثيرون الذين ولدوا فيها ثم نزحوا عنها إلى المدن الجديدة، لكنها المحرق بقيت راسخة في قلوبهم، وهي تحمل في طيات دفاترها ذاكرة المكان الذي يشبه في بساطته وشموخه وتفرده الأمكنة القديمة في الدول التي تتميز بها، وحيث بصمة المكان وبهجته تطل من كل الشرفات البعيدة الساكنة قرب سواحل البحرين والشواطئ الممتدة حتى أبوابها المشرعة لزوار الأوقات كلها!
{ هناك حيث الطفولة تستعيد ذاتها في ليالي المحرق البهيجة هذه الأيام والمتلألئة بزخم زوارها، وكأنهم يكتشفون ما لهذه الأماكن والأزقة من سحر خاص مترع بالحيوية والتراث وكأن ذاكرة البيوت القديمة توقظ فيهم حنين الجذور وعشق الروح الطيبة بين زقاق وآخر، وبيت تاريخي وآخر!
{ فيما وأنا أتجول مع المتجولين في الأماكن ذاتها أستعيد نشوة خاصة هي نشوة الطفولة التي كانت تعرف تلك الأزقة جيدا! ونشوة استعادة الذكريات مع أصحابها من الأهل والأقارب فهنا كان بيت جدي وهنا كان بيت ابن خالة والدي «إسماعيل المنصوري» وأبقاره ومزرعته وهنا دكان «ما شاء الله» وهنا «دختر منصور» وهنا «الخباز» وهنا «عبدالرحمن بلي» بائع الخبز والنخي والباجلة، وهنا ركضت الطفولة إلى بيت الجارة «شيخة» وهنا بيت «أبوالفتح» أولاد خالة أمي وذاكرة جدتي! وهنا كان البحارة يصنعون أقفاص الصيد، وهنا كان بيت العم إسماعيل قبالة البحر وهنا كان بيتنا القديم الملاصق للجيران الطيبين والقريب من سيف البحر! وهنا وهنا.. وحيث الذاكرة مليئة أيضا بأماكن الدراسة الأولى الابتدائية والثانوية، وبيوت كل الأهل من أقارب الأم أو الأب الموزعة والمتناثرة، حيث يحيط بها البحر من كل مكان، وهنا بيوت أخرى للأقارب والمعارف على مسار اللؤلؤ!
{ ليالي المحرق تحمل في داخلها كل الحنين وأجمل محطات الذاكرة وحيث أهل المحرق لهم إطلالة خاصة مدمجة بالمكان فالأبواب والحوش والصبان وزرقة المياه واخضرارها في آن تحمل في داخلها تلك التوليفة الأسطورية لما كان وكيف كانت حياة الناس رغم بساطتها زاخرة بالتعاضد والتعاون المجتمعي كأجمل ما يكون، فكل أهل المدينة هم أهل لبعضهم وعزوة، وكل الحكايات القديمة تحفر غرائبيتها من حكاياتهم فيها!
ونحن نتجول بصحبة أحد العارفين بألغاز تلك الحكايات وهو محمد المحميد يبهرنا بقصص غريبة مدموجة بالمواويل والأشعار وغموض الشخصيات وكأنه يطل علينا من حكايات ألف ليلة وليلة، ويأسرنا بأسرار المدينة!
{ المحرق ولياليها تستحق أن تطول بمباهجها لشهور أكثر من مجرد شهر واحد هو ديسمبر لأنها تعيد لكل أهل البحرين عمق الهوية والتاريخ والذاكرة وحياة الأولين مثلما تعيد لهم نكهة الماضي وبهجته بعد الاستغراق في الأماكن الحديثة التي مهما كانت صقيلة إلا أنها تفتقد الروح والتراث والأصالة التي عرفناها في الأمكنة المحرقية وغيرها من أماكن البحرين القديمة!
وليالي المحرق هي أيضا أجمل الاحتفاليات هذا العام والتي نشد على يد كل من أرجعنا إليها بزخم جديد ورؤية سياحية مختلفة روت عطش أهل البحرين لقديمها وتراثها وحكايات أهلها وبهجة خاصة لأماكنها! فهل تطول هذه الليالي لتبدأ قبل ديسمبر وتنتهي بعده في أجواء البحرين الربيعية والباردة؟! ذلك ما نأمله!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك