العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

الروائية والفنانة فتحية ناصر لـ«أخبار الخليج» الثقافي:
الكتابة ليست عملا رومانسيا ولا عالما ورديا نختلقه لنستأنس به عن وحشة العالم

السبت ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

حاورها‭: ‬علي‭ ‬الستراوي‭ ‬

 

أن‭ ‬تكون‭ ‬أمام‭ ‬امرأة،‭ ‬خبرت‭ ‬الطفولة‭ ‬بما‭ ‬حوتها‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬وهواجس،‭ ‬شاغلت‭ ‬روحها‭ ‬وفكره،‭ ‬فقدمتها‭ ‬لنا‭ ‬روائية‭ ‬بأعمال‭ ‬رائدة‭ ‬انشغلت‭ ‬فيها‭ ‬كامرأة‭ ‬ولدت‭ ‬بداخلها‭ ‬حروب‭ ‬صامتة‭ ‬ومنشغلة‭ ‬آناً‭.‬

مع‭ ‬الروائية‭ ‬والفنانة‭ ‬فتحية‭ ‬ناصر،‭ ‬التي‭ ‬كعادتها‭ ‬مبتسمة‭ ‬دائماً‭ ‬رحبة‭ ‬الصدر،‭ ‬منشغلة‭ ‬بهمها‭ ‬الصغير‭ ‬نحو‭ ‬هموم‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحول‭ ‬هذا‭ ‬الانشغال‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭:‬

*‭ ‬بين‭ ‬الطفولة‭ ‬والصبا‭ ‬كيف‭ ‬وظفت‭ ‬فتحية‭ ‬سردياتها؟

‭- ‬الطفولة‭ ‬حاضرة‭ ‬بكل‭ ‬سحرها‭ ‬وإحساسها‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬أعمالي،‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نصبح‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬بفضل،‭ ‬أو‭ ‬بسبب،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬طفولتنا،‭ ‬فقد‭ ‬تظل‭ ‬مخاوف‭ ‬الطفولة‭ ‬تتحكم‭ ‬بنا‭ ‬أحيانا‭ ‬حتى‭ ‬عمر‭ ‬متقدم،‭ ‬وربما،‭ ‬لآخر‭ ‬أعمارنا‭. ‬

في‭ ‬ثلاثيتي،‭ ‬طرحت‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التفصيل،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬لكل‭ ‬حادث،‭ ‬ولكل‭ ‬قول‭ ‬أحيانا‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصية‭ ‬البطلة،‭ ‬وتشكيل‭ ‬أفكارها‭ ‬وتحريضها‭ ‬على‭ ‬التطلع‭ ‬الى‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬وفي‭ (‬سيرة‭ ‬عاطفية‭) ‬أيضا،‭ ‬كانت‭ ‬السيرة‭ ‬تسترجع‭ ‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬بأكملها،‭ ‬وتكتفي‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬مراحل‭ ‬الحياة‭.‬

*‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬سردياتك‭ ‬الروائية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬أفصحتِ‭ ‬عنها‭ ‬بحب‭ ‬وبشفافية،‭ ‬قادتك‭ ‬الى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الفيض،‭ ‬ما‭ ‬الهاجس‭ ‬الذي‭ ‬دعاك‭ ‬الى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجمع‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬المفقود؟‭ ‬

‭- ‬كل‭ ‬تجربة‭ ‬صاحبها‭ ‬هاجس‭ ‬مختلف‭. ‬في‭ (‬الرجل‭ ‬السؤال‭) ‬كان‭ ‬الهاجس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الشائكة،‭ ‬وسؤالها‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ (‬الرجل‭-‬الصديق‭). ‬في‭ ‬ثلاثية‭ (‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭) ‬كان‭ ‬الهاجس‭ ‬هو‭ ‬دراسة‭ ‬الشخصية‭ ‬وتفكيكها‭ ‬إلى‭ ‬مكوناتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬وتحليل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬ترك‭ ‬أثر‭ ‬عليها،‭ ‬حتى‭ ‬تتراكم‭ ‬الآثار‭ ‬وتحدث‭ ‬التغييرات‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يمهد‭ ‬ذلك‭ ‬السبيل‭ ‬أمام‭ ‬المتلقي‭ ‬ليسقط‭ ‬التفاصيل‭ ‬على‭ ‬ذاته،‭ ‬ويتساءل،‭ ‬بنفس‭ ‬المنوال،‭ ‬كيف‭ ‬ولماذا،‭ ‬ومتى‭ ‬تغيرت‭ ‬شخصيته‭. ‬

في‭ (‬سيرة‭ ‬عاطفية‭) ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬هاجس‭ ‬شخصي‭ ‬وهو‭ ‬التنفيس‭ ‬عن‭ ‬كروب‭ ‬الطفولة‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬توضيح‭ ‬مدى‭ ‬قسوة‭ ‬الطلاق‭ ‬واليتم‭ ‬والتشتت‭ ‬الأسري،‭ ‬وآثارهم‭ ‬الممتدة‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬ومظالمها‭. ‬

أما‭ ‬ما‭ ‬أتمنى‭ ‬توظيفه‭ ‬في‭ ‬تجربتي‭ ‬فمازال‭ ‬كثيرا،‭ ‬لكنني‭ ‬أفضل‭ ‬عدم‭ ‬الإفصاح‭ ‬عنه‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تمهلني‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬أنتهي‭ ‬من‭ ‬إنجازه‭. ‬

*‭ ‬هل‭ ‬يكتفي‭ ‬القاص‭ ‬أو‭ ‬الروائي‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬حالما‭ ‬حتى‭ ‬يبدع؟

‭- ‬كلا‭ ‬بالطبع‭. ‬نحن‭ ‬نريد،‭ ‬ونحاول‭ ‬بكتابتنا‭ ‬أن‭ ‬نغير‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نلامسه‭ ‬ليشعر‭ ‬القراء‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬نكتبه‭ ‬يشبههم‭. ‬لهذا،‭ ‬فالأحلام‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تجدي‭ ‬نفعا‭. ‬

الكتابة‭ ‬ليست‭ ‬عملا‭ ‬رومانسيا،‭ ‬ولا‭ ‬عالما‭ ‬ورديا‭ ‬نختلقه‭ ‬لنستأنس‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬وحشة‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬حالاتها‭ ‬حين‭ ‬تلامس‭ ‬الواقع‭ ‬وتحكي‭ ‬عنه‭. ‬نعم،‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حالمين‭ ‬قليلا‭ ‬حتى‭ ‬يتملكنا‭ ‬الشغف‭ ‬فنشرع‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬وننجز‭ ‬مشاريعنا‭ ‬الأدبية‭. ‬وأيضا،‭ ‬ليوهمنا‭ ‬الحلم‭ ‬بأن‭ ‬كتابنا‭ ‬القادم‭ ‬سيحقق‭ ‬النجاح‭ ‬ويلفت‭ ‬الأنظار،‭ ‬فنتجرأ‭ ‬على‭ ‬إصداره‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬القاتلة‭ ‬للإبداع‭. ‬ولكن‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك،‭ ‬فالحلم‭ ‬سيظل‭ ‬حلما‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقم‭ ‬بخطوات‭ ‬عملية‭ ‬لتنفيذه‭.‬

*‭ ‬جمال‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية‭ ‬وأبعادها‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬نستقيها؟

‭- ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬نأتي‭ ‬بالفكرة‭ ‬أولا،‭ ‬أما‭ ‬جمالية‭ ‬الكتابة‭ ‬فنستقيها‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع،‭ ‬وتحريض‭ ‬أذهاننا‭ ‬لابتكار‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬نوظف‭ ‬بها‭ ‬أدواتنا،‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬وحبكة‭ ‬وبناء‭ ‬تقني‭ ‬للقصة‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬حث‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬الشجاعة‭ ‬لطرق‭ ‬سبل‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬يسلكها‭ ‬من‭ ‬قبلنا‭ ‬أحد‭. ‬

*‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬الروائية‭ ‬الانسانية‭ ‬لدى‭ ‬الروائيين‭ ‬الكبار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭ ‬أين‭ ‬موقعك‭ ‬ضمن‭ ‬هذا؟

‭- ‬لا‭ ‬يروق‭ ‬لي‭ ‬تصنيف‭ ‬الأدب‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭. ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬نحاول‭ ‬التجرد،‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬من‭ ‬نوعنا‭ ‬الإنساني‭ ‬ونحن‭ ‬نكتب،‭ ‬لأننا‭ ‬سنكتب‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬رجل،‭ ‬ومرة‭ ‬عن‭ ‬امرأة،‭ ‬ومرة‭ ‬عن‭ ‬طفل،‭ ‬ومرة‭ ‬عن‭ ‬شيخ‭.. ‬وعلينا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬نتقمص‭ ‬إحساس‭ ‬كل‭ ‬منهم‭. ‬

نحن‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬كتابة‭ ‬المرأة‭ ‬ستكون‭ ‬عاطفية،‭ ‬وأكثر‭ ‬اهتماما‭ ‬بالتفاصيل،‭ ‬وكتابة‭ ‬الرجل‭ ‬عملية‭ ‬أكثر‭ ‬وموجزة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬عضو‭ ‬لجنة‭ ‬تحكيم‭ ‬لمسابقات‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬وكنا‭ ‬نحكّم‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أسماء؛‭ ‬فظننا،‭ ‬مرات،‭ ‬أن‭ ‬نصا‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬امرأة،‭ ‬واتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬رجل‭. ‬وتكرر‭ ‬معنا‭ ‬حدوث‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭.‬

*‭ ‬نرجع‭ ‬للطفولة‭ ‬في‭ ‬تجربتك‭ ‬الروائية‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يميزها‭ ‬بحسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظركِ‭ ‬عن‭ ‬تجربتك‭ ‬الحالية‭ ‬وأنت‭ ‬امرأة‭ ‬راشدة؟

‭- ‬الطفولة‭ ‬مليئة‭ ‬بالأحاسيس‭ ‬الرقيقة،‭ ‬والضعف‭ ‬والهشاشة‭ ‬النابعين‭ ‬من‭ ‬جهلنا‭ ‬بالعالم‭. ‬وقلة‭ ‬حيلتنا‭ ‬كصغار،‭ ‬وحاجتنا‭ ‬الى‭ ‬الحماية‭. ‬حين‭ ‬نكون‭ ‬أطفالا‭ ‬نكون‭ ‬مسلوبي‭ ‬الإرادة،‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬تقع‭ ‬علينا‭ ‬وتحدث‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬معاركنا،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬للكتابة‭ ‬فنذود‭ ‬بأقلامنا‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا؛‭ ‬ونبررها‭ ‬لمن‭ ‬حولنا‭ ‬ظنا‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬ينتظر‭ ‬منا‭ ‬هذا‭ ‬التبرير،‭ ‬ثم‭ ‬نكبر‭ ‬ونكتشف‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بنا‭ ‬وأن‭ ‬فيه‭ ‬قضايا‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬قضايانا‭. ‬وحكايا‭ ‬أهم‭. ‬وهكذا،‭ ‬فأنت‭ ‬حين‭ ‬تكبر‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬بضع‭ ‬سنين،‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬مقبلا‭ ‬عليها‭ ‬باندفاعية‭ ‬المنفعل،‭ ‬وحزن‭ ‬المحتاج‭ ‬للبوح،‭ ‬بل‭ ‬برؤية‭ ‬المفكر،‭ ‬ورويّة‭ ‬المتأني‭. ‬تصبح‭ ‬مختارا‭ ‬لمواضيعك‭ ‬بكامل‭ ‬إرادتك،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تختارك‭ ‬لما‭ ‬تركته‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬تأثير،‭ ‬أكانت‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬عليك‭ ‬بشخصك؛‭ ‬أم‭ ‬شهدتها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬طفولتك‭ ‬المحدود‭.‬

*‭ ‬من‭ ‬يتقدم‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬تجربتك‭ ‬السردية،‭ ‬وهل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإبداع‭ ‬وليد‭ ‬الفطرة‭ ‬والموهبة‭ ‬أم‭ ‬أنت‭ ‬ترين‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬زمني‭ ‬يبدأ‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة؟

‭ - ‬بالتأكيد‭ ‬الموهبة‭ ‬وليدة‭ ‬الفطرة،‭ ‬ولهذا‭ ‬نسعى‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الموهوبين‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭. ‬فإذا‭ ‬حظي‭ ‬الموهوب‭ ‬بالرعاية‭ ‬والاهتمام‭ ‬منذ‭ ‬طفولته،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬أدواته‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬ونمت‭ ‬موهبته‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭. ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬بجعل‭ ‬الناس‭ ‬يصدقون‭ ‬بأن‭ ‬الموهبة‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬اكتسابه‭!‬

يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬اكتساب‭ (‬المهارة‭) ‬مع‭ ‬المران‭ ‬والتجريب،‭ ‬المهارة‭ ‬أمر‭ ‬مختلف‭. ‬ولكن‭ ‬الموهبة‭ ‬هي‭ ‬شيء‭ ‬فطري‭ ‬بالضرورة‭ (‬من‭ ‬اسمها‭ ‬فهي‭ ‬‮«‬هبة‮»‬‭) ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أعتقده‭ ‬أنا‭.‬

*‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثيتك‭ ‬الروائية،‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬عندك‭ ‬ولم‭ ‬نر‭ ‬جديدا‭ ‬يوازي‭ ‬ما‭ ‬أصدرته‭ ‬فتحية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬عدت‭ ‬إبداعية‭ ‬وغنية،‭ ‬ما‭ ‬السبب؟

‭- ‬أسباب‭ ‬متداخلة‭. ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعلق‭ ‬بظروف‭ ‬العمل،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعلق‭ ‬بظروف‭ ‬النشر،‭ ‬وهو‭ ‬الأهم‭. ‬هناك‭ ‬عقبات‭ ‬كثيرة‭ ‬يواجهها‭ ‬الكتّاب‭ ‬في‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬صرت‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬هم‭ ‬الكتابة‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬الرقابة‭ ‬وهم‭ ‬توزيع‭ ‬الكتاب‭ ‬والتسويق‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلت‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭. ‬

هذا‭ ‬الواقع‭ ‬يفرض‭ ‬عليك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬فتضطر‭ ‬الى‭ ‬التحايل‭ ‬عليها‭ ‬أحيانا،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تضطر‭ ‬الى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬برمته‭ ‬تفاديا‭ ‬للاصطدام‭ ‬بها‭. ‬

*‭ ‬لو‭ ‬تركت‭ ‬لك‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬واقعنا‭ ‬الثقافي‭ ‬بماذا‭ ‬تتحدثين؟

ماذا‭ ‬أقول؟‭!‬

‭- ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬تهافت‭ ‬غريب‭ ‬على‭ (‬الجوائز‭)‬،‭ ‬فبات‭ ‬كل‭ ‬كاتب‭ ‬لا‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬يُنظر‭ ‬له‭ ‬ككاتب‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬ويُسأل‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬اتهام‭. ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬عندنا‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يكتبون‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الجوائز‭! ‬فيختارون‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يعلمون‭ ‬أنها‭ ‬ستساعد‭ ‬في‭ ‬ترشيحهم‭ ‬لجائزة‭ ‬ما،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬التوجهات‭ ‬العالمية‭ ‬الداعمة‭ ‬لفئة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬البشر‭.‬

دور‭ ‬النشر‭ ‬الرصينة‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬الكاتب‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬فلا‭ ‬توزع‭ ‬كتابه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المكتبات،‭ ‬ولا‭ ‬تسوّق‭ ‬له‭ ‬ولو‭ ‬بمنشور‭ ‬متواضع‭ ‬على‭ ‬الانستجرام‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬نشره‭ ‬جهدا‭ ‬ولا‭ ‬وقتا‭. ‬بينما‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬التجارية‭ ‬تراها‭ ‬تروج‭ ‬باستماتة‭ ‬لكتب‭ ‬الرعب‭ ‬والإثارة‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬وتستهدف‭ ‬بها‭ ‬القراء‭ ‬الصغار‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأهلية؛‭ ‬ثم‭ ‬أصبحنا‭ ‬جماعات‭ ‬متفرقة‭ ‬تتكون‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬آن‭ ‬لآخر‭ ‬والآن‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعمل‭ ‬فرادى‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأقلام‭ ‬الواعدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضربها‭ ‬اليأس‭. ‬

*‭-‬النقد‭ ‬هل‭ ‬خدم‭ ‬الكاتب‭ ‬وماذا‭ ‬تقولين‭ ‬للناقد؟

‭- ‬قلّما‭ ‬يخدم‭ ‬النقد‭ ‬كاتبا‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحالي‭.‬

نقادنا‭ ‬متخاذلون‭. ‬متقاعسون‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬عنا،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬هم‭ ‬مستاؤون‭ ‬منا‭ ‬مهما‭ ‬فعلنا‭: ‬إن‭ ‬أهديناهم‭ ‬كتبنا‭ ‬زعموا‭ ‬أننا‭ ‬نحرجهم‭ ‬ونريد‭ ‬إجبارهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكتبوا‭ ‬عنا‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نهد‭ ‬كتبنا‭ ‬اليهم‭ ‬فنحن‭ ‬متعالون‭ ‬عليهم‭ ‬وغير‭ ‬مهتمين‭ ‬بآرائهم‭!. ‬إن‭ ‬حاولنا‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬ملاحظاتهم‭ ‬بخصوص‭ ‬نصوصنا‭ ‬فنحن‭ (‬لا‭ ‬نقبل‭ ‬النقد‭)‬،‭ ‬وإن‭ ‬سكتنا‭ ‬فنحن‭ (‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬نرد‭!). ‬إن‭ ‬كتب‭ ‬عنا‭ ‬قارئ‭ ‬عادي‭ ‬فقراءته‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭. ‬وإن‭ ‬كتب‭ ‬عنا‭ (‬قارئ‭ - ‬كاتب‭) ‬فقراءته‭ ‬انطباعية‭ ‬غير‭ ‬أكاديمية‭. ‬فأين‭ ‬الناقد‭ ‬الأكاديمي‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يكتب؟‭ ‬

لديهم‭ ‬أعذار‭ ‬جاهزة‭ ‬يرددونها‭ ‬أغلب‭ ‬الوقت‭: ‬يخشون‭ ‬غضبة‭ ‬الكاتب،‭ ‬هنالك‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬الإصدارات‭ ‬ولا‭ ‬يسعهم‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليها‭ ‬كلها‭ !.. ‬كلها‭ ‬حجج‭ ‬واهية‭. ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬الوقت‭ ‬لكتابة‭ ‬القراءات‭ ‬وإجراء‭ ‬الدراسات‭ ‬حول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬غير‭ ‬البحرينية‭. ‬وللأسف،‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬ظاهرة‭ ‬استكتاب‭ ‬النقاد‭ (‬وبعض‭ ‬الكتّاب‭ ‬أحيانا‭)‬،‭ ‬فتجدهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬يتسابقون‭ ‬للكتابة‭ ‬عن‭ ‬المؤلف‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬وراءه‭ ‬مؤسسة‭ ‬تقدم‭ ‬له‭ ‬الدعم‭. ‬أما‭ ‬العصامي‭ ‬منا،‭ ‬فلا‭ ‬يحظى‭ ‬بالالتفات‭. ‬

أقول‭ ‬للنقاد‭: ‬من‭ ‬حقكم‭ ‬أن‭ ‬تمتنعوا‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬عمن‭ ‬لا‭ ‬تريدون،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬تكتبوا‭ ‬عنه‭ ‬عنوة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬كفوا‭ ‬عن‭ ‬لوم‭ ‬الكتّاب‭ ‬واتهامهم‭ ‬بالتقصير‭. ‬فنحن‭ ‬مستمرون‭ ‬بالكتابة‭ ‬بنقدكم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دونه،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نعمل‭ ‬ما‭ ‬بوسعنا‭. ‬فلا‭ ‬تلقوا‭ ‬بتقصيركم‭ ‬وتخاذلكم‭ ‬علينا‭. ‬

*‭ ‬المعاصرة‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬فيما‭ ‬يقدمه‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬امتداد‭ ‬لتاريخ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ (‬حي‭ ‬بن‭ ‬يقظان‭) ‬لابن‭ ‬الطفيل‭ ‬التي‭ ‬عدت‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬سردا‭ ‬حداثيا‭ ‬معاصرا‭ ‬ومغايرا؟‭ ‬

‭- ‬كل‭ ‬معاصر‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬أنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬عصره،‭ ‬لكنه‭ ‬ينهل‭ ‬أيضا‭ ‬مما‭ ‬سبقه‭ ‬ويبني‭ ‬عليه‭ ‬فيكون‭ ‬امتدادا‭ ‬له،‭ ‬وحين‭ ‬نرحل‭ ‬نحن‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬وتمر‭ ‬السنوات‭ ‬وتتغير‭ ‬الدنيا،‭ ‬سيصبح‭ ‬أدبنا‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬ويحل‭ ‬محله‭ ‬أدب‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ (‬المعاصر‭) ‬وهكذا‭. ‬

نحن‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬أدبا‭ ‬طويل‭ ‬العمر،‭ ‬لا‭ ‬يفقد‭ ‬قيمته‭ ‬إذا‭ ‬جد‭ ‬جديد،‭ ‬ويظل‭ ‬يعتبر‭ (‬معاصرا‭) ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬به‭ ‬الأمد،‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬كبشر،‭ ‬ذوو‭ ‬رؤية‭ ‬محدودة‭. ‬ولن‭ ‬نزيد‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬لغيرنا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬غيرنا‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬قبل‭: ‬امتدادا‭ ‬لحقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬معاصر‭ ‬لاحق‭.‬

*‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬القديمة‭ ‬للإنسان‭ ‬أم‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثابت‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتغير؟

‭- ‬سنة‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬التغيير‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نسلم‭ ‬بذلك‭. ‬والحياة‭ ‬ستتغير‭ ‬سواء‭ ‬شئنا‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬أبيناه‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تغيير‭ ‬سيكون‭ ‬للأفضل‭ ‬أو‭ ‬لمصلحة‭ ‬الإنسان‭. ‬لذا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬مرجعية‭ ‬ثابتة‭ ‬نحتكم‭ ‬إليها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نقرر‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬سنقبل‭ ‬الانصياع‭ ‬للتغيير‭ ‬أو‭ ‬مقاومته‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬سيظل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يُفرض‭ ‬علينا‭ ‬بشكل‭ ‬ما؛‭ ‬وما‭ ‬يجرفنا‭ ‬معه‭ ‬مهما‭ ‬حاولنا‭ ‬المقاومة‭. ‬

*‭ ‬أصبحت‭ ‬الكتابة‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الواقفين‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬رسالة‭ ‬تدرّس‭ ‬أولاً‭ ‬ثم‭ ‬تعطى‭ ‬إجازة‭ ‬الكتابة،‭ ‬فنرى‭ ‬الورش‭ ‬الباهظة‭ ‬الثمن‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الإبداع‭ ‬لا‭ ‬يدرس،‭ ‬وإنما‭ ‬يستفاد‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬كعنصر‭ ‬ثان‭ ‬بعد‭ ‬الموهبة،‭ ‬فهل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الأول‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الثاني‭ ‬مع‭ ‬ذكر‭ ‬الأسباب؟

‭- ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ريب‭. ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬تلك‭ ‬الورش،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬انتشارها،‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬تجارية‭.‬

أنا‭ ‬أفهم‭ ‬أن‭ ‬تقام‭ ‬ورشات‭ ‬لتعليم‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو،‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة‭ ‬للشاشة‭ ‬تتطلب‭ ‬معرفتك‭ ‬بطريقة‭ ‬قيام‭ ‬فريق‭ ‬الإنتاج‭ ‬والإخراج‭ ‬بتنفيذ‭ ‬العمل،‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬عليك‭ ‬شكلا‭ ‬معينا‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الفريق‭ ‬القيام‭ ‬بمهماتهم‭. ‬أما‭ ‬ورشة‭ ‬لكتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬فلا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ذا‭ ‬جدوى‭ ‬حقيقية،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الورشات‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬باسم‭ ‬واحد‭ ‬متميز‭ ‬ومهم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭. ‬

وأعتقد،‭ ‬بكل‭ ‬صراحة،‭ ‬أن‭ ‬الأولى‭ ‬والأنفع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إعطاء‭ ‬الراغبين‭ ‬بالكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬دروسا‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬فكثير‭ ‬ممن‭ ‬يكتبون‭ ‬اليوم‭ ‬غير‭ ‬متمكنين‭ ‬من‭ ‬اللغة،‭ ‬بل‭ ‬يجاهرون‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬إتقانها‭ ‬غير‭ ‬ضروري‭ ‬ليكونوا‭ ‬كتابا‭ ‬جيدين‭. ‬وحين‭ ‬تقرأ‭ ‬أعمالهم‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬منها‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬لفرط‭ ‬ما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬الجمل‭ ‬وفي‭ ‬الإملاء‭ ‬والنحو،‭ ‬فلا‭ ‬تدري‭ ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬هذا‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يقول‭!‬

لو‭ ‬ركزنا‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬وتركنا‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬رهنا‭ ‬لفكر‭ ‬الكاتب‭ ‬وموهبته،‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬أجدى‭.‬

*‭ ‬انخرطتِ‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬التمثيل‭ ‬المسرحي‭ ‬وفي‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬استفدته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الانخراط؟

‭- ‬الكتابة‭ ‬والتمثيل‭ ‬متشابهان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تقمص‭ ‬الشخصيات‭ ‬ومعايشتها،‭ ‬وما‭ ‬يرافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬انفعالات‭ ‬عاطفية‭. ‬ولكن‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬لا‭ ‬تتيح‭ ‬للممثل‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لمعايشة‭ ‬الشخصية‭ ‬مثلما‭ ‬يفعل‭ ‬التمثيل‭ ‬المسرحي‭. ‬لذا،‭ ‬فللمسرح‭ ‬على‭ ‬التلفزيون‭ ‬درجة‭. ‬وللكتابة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬درجات‭ ‬عدة‭. ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تبتكر‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭. ‬وأنت،‭ ‬ككاتب،‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬شخصيات‭ ‬عملك،‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬كتابتك‭ ‬للعمل،‭ ‬وتدرك‭ ‬دوافعها‭ ‬تماما‭.‬

ما‭ ‬استفدته‭ ‬من‭ ‬التمثيل‭ ‬مرتبط‭ ‬أكثر‭ ‬باكتساب‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭. ‬فقد‭ ‬تسنى‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أخطو‭ ‬خطوة‭ ‬أبعد‭ ‬فأقدمت‭ ‬على‭ ‬إخراج‭ ‬فيلم‭ ‬قصير‭ ‬بعنوان‭ (‬إسعاف‭) ‬والذي‭ ‬كتبته‭ ‬وظل‭ ‬حبيس‭ ‬الأدراج‭ ‬برهة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬إذ‭ ‬حالت‭ ‬ظروف‭ ‬مختلفة‭ ‬دون‭ ‬إنتاجه‭. ‬ثم‭ ‬تحصلتُ‭ ‬بعض‭ ‬الخبرة‭ ‬وواتتني‭ ‬الفرصة‭ ‬فتمكنت‭ ‬من‭ ‬إنجازه‭ ‬بنفسي‭. ‬

*‭ ‬المكاشفة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬سندان‭ ‬مؤلم‭ ‬لدى‭ ‬المبدع‭ ‬المخلص‭ ‬لتجربته‭ ‬يقابله‭ ‬قيد‭ ‬داخلي‭ ‬بمعنى‭ (‬الرقيب‭) ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬الكاتب‭ ‬بين‭ ‬سندانين‭ ‬أقساهما‭ ‬مر،‭ ‬بماذا‭ ‬نجيب‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يقسو‭ ‬على‭ ‬الإبداع؟

‭ - ‬نحن‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬القارئ‭ ‬يميل‭ ‬لاعتبار‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬الكاتب‭ ‬هو،‭ ‬لا‭ ‬بد،‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬عاشها‭. ‬وهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تلجم‭ ‬الكاتب‭ ‬وتردعه‭ ‬عن‭ ‬المكاشفة‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الظاهرة‭ ‬تراجعت‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرقيب‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيا‭ ‬بداخل‭ ‬الكاتب‭. ‬

ولأكون‭ ‬صادقة،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬الرقيب‭ ‬أمرا‭ ‬سيئا‭ ‬في‭ ‬المطلق‭. ‬فها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حل‭ ‬بالعالم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضعفت‭ ‬النفوس،‭ ‬وضعفت‭ ‬الرقابة‭ ‬وأصبحت،‭ ‬في‭ ‬مواضع،‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭. ‬إنما‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬الأمرين،‭ ‬وتحديد‭ ‬الجرعة‭ ‬المناسبة‭ ‬من‭ ‬المكاشفة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عمل،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬تحتمله‭ ‬فكرة‭ ‬العمل،‭ ‬وأيضا‭ ‬بحسب‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يخاطبه‭ ‬العمل‭. ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المكاشفة‭ ‬لا‭ ‬هدف‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬إثارة‭ ‬الضجة‭ ‬ولفت‭ ‬الانتباه‭.‬

*‭ ‬ما‭ ‬المشروع‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يلاحقك‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬التجربة‭ ‬ولايزال‭ ‬رهين‭ ‬المحبسين‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليك؟

‭- ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬أولاً‭ ‬بأول‭. ‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬فكرة‭ ‬محددة‭ ‬راودتني‭ ‬وتأكدت‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬طرحها،‭ ‬إلا‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬فرصة‭. ‬

*‭ ‬العمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المبدع‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬قيد‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬تجربة‭ ‬أخرى‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬غناء‭ ‬التجربة‭ ‬الجديدة؟

العمل‭ ‬تجربة‭ ‬مهمة‭ ‬بالتأكيد‭. ‬فالاحتكاك‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يعني‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬شخصيات‭ ‬أكثر‭ ‬قد‭ ‬يتمكن‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬استثمارها‭ ‬في‭ ‬كتابته،‭ ‬حتى‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تواجهنا‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬قد‭ ‬يقدّر‭ ‬لها‭ ‬ألا‭ ‬تنجو‭ ‬من‭ ‬قلم‭ ‬الكاتب‭ ‬فتتحول‭ ‬لقصة‭ ‬مهمة‭. ‬نعم،‭ ‬هو‭ ‬يقيدنا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭. ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تضع‭ ‬قيد‭ ‬الوظيفة‭ ‬في‭ ‬كفة‭ ‬وإثراءها‭ ‬لمخيلتك‭ ‬في‭ ‬الأخرى،‭ ‬ترجح‭ ‬الكفة‭ ‬الثانية،‭ ‬وهي‭ ‬الأدعى‭ ‬لبقاء‭ ‬الكاتب‭. ‬

*‭ ‬جديدك‭ ‬القادم‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬كنز‭ ‬أخفيته‭ ‬لسنوات‭ ‬وأنت‭ ‬اليوم‭ ‬عازمة‭ ‬على‭ ‬كشفه،‭ ‬وهل‭ ‬لنا‭ ‬معرفته‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬موجودا؟

‭- ‬لدي‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬قيد‭ ‬التحضير‭ ‬وقد‭ ‬يستغرق‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭. ‬أما‭ ‬كونه‭ ‬كنزا،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬كاتب‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬كتابه‭ ‬من‭ ‬الكنوز‭. ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬للقراء‭. ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يقررون‭ ‬وصف‭ ‬كتابك‭ ‬بما‭ ‬يرونه‭ ‬مناسبا‭.‬

*‭ ‬كثرت‭ ‬السرديات‭ ‬الضعيفة‭ ‬والتي‭ ‬شجع‭ ‬عليها‭ ‬واقع‭ ‬زمن‭ ‬الطفرة‭ ‬الحاسوبية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الرقمية،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬استفادت‭ ‬منه‭ ‬فتحية‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬المؤلم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الانشغال؟

‭- ‬لا‭ ‬أظنني‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة‭ ‬كما‭ ‬تسنى‭ ‬لغيري‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭. ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬أضرتني‭ ‬لأني‭ ‬لا‭ ‬أشارك‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬محدود؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬كتابا‭ ‬واحدا‭ ‬صار‭ ‬يملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬ضجيجا‭ ‬لا‭ ‬قعود‭ ‬له،‭ ‬معتبرا‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬لقمة‭ ‬الإنجاز‭.‬

على‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬لانتشار‭ ‬السرديات‭ ‬الضعيفة،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬متعددة‭ ‬أخرى‭. ‬منها‭ ‬ورشات‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬سابقا،‭ ‬والتي‭ ‬زيّنت‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬انضمامهم‭ ‬إليها‭ ‬يعني‭ ‬منحهم‭ ‬شهادة‭ ‬رسمية‭ ‬بكونهم‭ ‬كتابا‭ ‬معتمدين‭. ‬وأيضا‭ ‬غياب‭ ‬النقد‭ ‬الجاد‭ ‬والرصين‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬لعب‭ ‬دورا؛‭ ‬إذ‭ ‬صار‭ ‬الجميع‭ ‬يظن‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬أمر‭ ‬سهل،‭ ‬طالما‭ ‬لديهم‭ ‬لوحة‭ ‬مفاتيح‭. ‬

*‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الضعف‭ ‬والخوف‭ ‬عليها‭ ‬ماذا‭ ‬تجيبين‭ ‬أو‭ ‬تقولين‭ ‬لمن‭ ‬يخشى‭ ‬عليها؟

‭ - ‬أشاركهم‭ ‬ذات‭ ‬المخاوف‭. ‬فنحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬جيل‭ ‬يربي‭ ‬أبناءه‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ويتحدث‭ ‬معهم‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬بيته‭. ‬ومن‭ ‬هؤلاء،‭ ‬يؤسفني‭ ‬أن‭ ‬أقول،‭ ‬كتّاب‭ ‬أيضا‭ ‬وشعراء،‭ ‬أي‭ ‬قامات‭ ‬يفترض‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬لغتنا‭ ‬الأم‭. ‬

وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المشكلة‭ ‬الوحيدة‭. ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬اليوم‭ ‬يعزز‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬والتهاون‭ ‬والاستخفاف‭ ‬بها‭ ‬ويساهم‭ ‬في‭ ‬إضعافها‭. ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬زرع‭ ‬الاعتقاد‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الصغار‭ ‬بأن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬صعبة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬وبأننا‭ ‬غير‭ ‬محتاجين‭ ‬لتعلم‭ ‬النحو‭ ‬والقواعد‭. ‬مرورا‭ ‬ببرامج‭ ‬التلفزيون‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلزم‭ ‬مذيعيها‭ ‬بالعربية‭ ‬الفصحى‭ ‬فتسمع‭ ‬التقارير‭ ‬بالعامية‭ (‬أو‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى‭) ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭. ‬كذلك‭ ‬فحلقات‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬التي‭ ‬يتابعها‭ ‬الصغار‭ ‬صارت‭ ‬تعتمد‭ ‬اللهجة‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬خليطا‭ ‬من‭ ‬اللهجات،‭ ‬وغابت‭ ‬المسلسلات‭ ‬التاريخية‭ ‬عن‭ ‬الشاشة‭ ‬لسنوات‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬تتكلم،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬بالعامية‭! ‬وامتدت‭ ‬العدوى‭ ‬أيضا‭ ‬للصحافة،‭ ‬فتجد‭ ‬حسابات‭ ‬الصحفيين‭ ‬في‭ ‬الانستجرام‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬عناوينها‭ ‬المفردات‭ ‬الدارجة‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬المرادفات‭ ‬الفصيحة‭ ‬وسهولة‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭! ‬وأضف‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬البرامج‭ ‬التعليمية‭ ‬المعنية‭ ‬باللغة‭ (‬كالمناهل‭ ‬ومدينة‭ ‬القواعد‭) ‬قد‭ ‬اندثرت‭ ‬تماما،‭ ‬فلا‭ ‬جديد‭ ‬يُنتج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار،‭ ‬ولا‭ ‬القديم‭ ‬يعاد‭ ‬عرضه‭. ‬

فكيف‭ ‬نطمئن‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬لغتنا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا