العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

ركن المكتبة: إصدارات ثقافية..
«العرب والسياسة أين الخلل؟» للدكتور محمد جابر الأنصاري

إعداد: يحيى الستراوي. Y4HY4ALSTRAWI@GMAIL.COM

السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬العرب‭ ‬والسياسة‭ ‬أين‭ ‬الخلل؟‮»‬‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الساقي‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998م‭ ‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أية‭ ‬‮«‬يوتوبيا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أيديولوجيا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬مثاليات‭ ‬سياسية‭ ‬يقفز‭ ‬إلى‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد‭ ‬المتعالي،‭ ‬وترفض‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬تحت‭ ‬أقدامها‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬ملموس‭-‬قبل‭ ‬صياغة‭ ‬منطلقاتها‭ ‬النظرية‭ ‬الهادية‭ ‬والمرشدة‭-‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مصيرها‭ ‬غير‭ ‬الإخفاق‭ ‬والفشل‭ ‬والشعور‭ ‬المرير‭ ‬بالخيبة‭ ‬كما‭ ‬يشهد‭ ‬به‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬للعرب‭ ‬والمسلمين‭. ‬وكما‭ ‬تنطق‭ ‬به‭ ‬شهادات‭ ‬قديمة‭ ‬متجددة‭ ‬لكبار‭ ‬المفكرين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المعاصرين‭. ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬تبدو‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬بملايينها‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية،‭ ‬وبامتدادها‭ ‬القاري‭ ‬وبكل‭ ‬طاقاتها‭ ‬الهائلة‭ ‬المعطلة،‭ ‬جسماً‭ ‬عملاقاً‭ ‬برأس‭ ‬سياسي‭ ‬ضئيل‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الصغر‭... ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬التدخلات‭ ‬الدولية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تبرز‭ ‬للبعض‭ ‬نسبة‭ ‬معظم‭ ‬المصائب‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬إليها،‭ ‬فإن‭ ‬التأزم‭ ‬السياسي‭ ‬المزمن‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬رده‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬تفتح‭ ‬القارات‭ ‬وتمثل‭ ‬أقوى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وأكثرها‭ ‬تأثيراً‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬بينما‭ ‬تلك‭ ‬الإعاقة‭ ‬السياسية‭ ‬تهدد‭ ‬طاقتها‭ ‬من‭ ‬الداخل‭... ‬فهي‭-‬إذن‭-‬ظاهرة‭ ‬مزمنة‭ ‬ومقيمة‭. ‬التعزم‭ ‬والتأزم‭ ‬السياسي‭ ‬لجسم‭ ‬عملاق‭! ‬ويقول‭ ‬المؤلف‭ ‬إنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مخرج‭ ‬إلا‭ ‬بتشخيص‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬علمياً‭ ‬ومعرفياً‭ ‬وتفكيك‭ ‬عناصرها،‭ ‬قبل‭ ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬أية‭ ‬‮«‬أدلجات‮»‬‭ ‬أخرى‭ ‬للسياسة‭ ‬العربية‭ ‬بين‭ ‬سلطة‭ ‬ومعارضة‭. ‬حيث‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الانسياق‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬مطبات‭ ‬الهرب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭. ‬إذ‭ ‬المطلوب‭ ‬‮«‬اختراق‭ ‬معرفي‮»‬‭ ‬للسياسة‭ ‬قبل‭ ‬إعادة‭ ‬امتلاكها‭... ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سعى‭ ‬إليه‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬ضمنه‭ ‬معالجات‭ ‬سعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬توصيف‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬جذوره‭ ‬ومكوناته‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬تم‭ ‬إغفالها،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬إدانتها‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬رواسب‮»‬‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬الانحطاط‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬التوقف،‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬تعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الكوارث‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬واحدة‭ ‬بعد‭ ‬الأخرى‭.‬

وللإحاطة‭ ‬بجميع‭ ‬جوانب‭ ‬الموضوع‭ ‬ضمن‭ ‬المؤلف‭ ‬كتابه‭ ‬طرحاً‭ ‬لتجليات‭ ‬وأعراض‭ ‬الإشكالية‭ ‬السياسية‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ (‬وذلك‭ ‬في‭ ‬بابه‭ ‬الأول‭) ‬بين‭ ‬ماضٍ‭ ‬وحاضر‭ ‬في‭ ‬مقاربات‭ ‬تمهيدية‭. ‬ثم‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬أسبابها‭ ‬الموضوعية‭ ‬في‭ ‬بابه‭ ‬الثاني‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬في‭ ‬الفصام‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبعاد‭ ‬لهذا‭ ‬الفصام‭: ‬1‭-‬بعد‭ ‬الفجوة‭ ‬الشائعة‭ ‬بين‭ ‬التصور‭ ‬والواقع‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬العرب‭ ‬السياسية‭. ‬2‭-‬بعد‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬التوحد‭ ‬والتعدد‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬الجمعية‭ ‬العربية‭. ‬3‭-‬بعد‭ ‬التجاذب‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬الاستبداد‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬تجاربهم‭ ‬السياسية‭. ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬المعالجات‭ ‬والمقاربات‭ ‬الفكرية‭ ‬النظرية‭ ‬لأهم‭ ‬ملامح‭ ‬الكائن‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬المتأزم‭. ‬يركز‭ ‬الباب‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬تطبيقية‭ ‬بحثية‭ ‬تمثل‭ ‬نماذج‭ ‬لما‭ ‬يهدف‭ ‬إليه‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬البحتي‭ ‬من‭ ‬مقاربة‭ ‬لخصوصيات‭ ‬التكوين‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬السياسي‭ ‬العربي،‭ ‬بما‭ ‬يسهم،‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬متواضع،‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬علم‭ ‬اجتماع‭ ‬سياسي‭ ‬عربي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تطويره‭ ‬وإغنائه‭ ‬بتكاتف‭ ‬المهتمين‭ ‬العرب‭ ‬بالشأن‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬تأزمه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العربية،‭ ‬وصار‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬انعطاف‭ ‬معرفي‭ ‬وفكري‭ ‬لإخراجه‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬هذا‭ ‬التأزم‭ ‬المتطاول‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التألق‭ ‬الروحي‭ ‬والعقلي‭ ‬للحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬فإن‭ ‬تاريخها‭ ‬السياسي‭ ‬يمثل‭ ‬أضعف‭ ‬عناصرها‭ ‬إطلاقاً‭.‬

فهي‭ ‬ظلت‭ ‬تُعاني‭ ‬من‭ ‬‮«‬فقر‭ ‬دم‮»‬‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬والنظم،‭ ‬منذ‭ ‬التأزم‭ ‬المبكر‭ ‬للخلافة‭ ‬الراشدة‭ ‬إلى‭ ‬الإجهاض‭ ‬السياسي‭ ‬لمشروعات‭ ‬‮«‬النهوض‮»‬‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭.‬

لقد‭ ‬ظلت‭ ‬‮«‬المثاليات‮»‬‭ ‬المؤدلجة‭ ‬تبشر‭ ‬المؤمنين‭ ‬بغد‭ ‬أفضل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬المقيم‭ ‬بقي‭ ‬أقوى‭ ‬نقض‭ ‬لها‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أية‭ ‬أمة‭ ‬أخرى‭-‬مما‭ ‬عمَّق‭ ‬حالة‭ ‬الفصام‭ ‬بين‭ ‬اليوتوبيا‭ ‬والواقع‭ ‬المعاش‭ ‬للأمة‭.‬

وكلما‭ ‬اتسع‭ ‬الانفصام‭ ‬بين‭ ‬خَدَر‭ ‬الوعي‭ ‬وبؤس‭ ‬الواقع‭ ‬أمعنت‭ ‬اليوتوبيات‭ ‬في‭ ‬ادعاء‭ ‬المثالية‭ ‬المستحيلة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬جسر‭ ‬للعبور‭ ‬بين‭ ‬الوعد‭ ‬والإنجاز،‭ ‬وبين‭ ‬النظرية‭ ‬والواقع‭.‬

وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬تبدو‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬بكل‭ ‬طاقاتها‭ ‬الهائلة،‭ ‬جسماً‭ ‬عملاقاً‭ ‬برأس‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الصغر‭.‬

إنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬التقزُّم‭ ‬السياسي‭ ‬المزمن‭ ‬لجسم‭ ‬عملاق‭! ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬الحالة‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬الإمبريالية‮»‬‭ ‬و«الصهيونية‮»‬‭ ‬بقرون،‭ ‬ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬بعينها‭.‬

ولكي‭ ‬يستعيد‭ ‬العرب‭ ‬‮«‬قدرهم‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬بيدهم‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬‮«‬اختراق‭ ‬معرفي‮»‬‭ ‬لهذا‭ ‬الحاجز‭ ‬السياسي،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يهدف‭ ‬إليه‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عبر‭ ‬معالجاته‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا