«العرب والسياسة أين الخلل؟» صادر عن دار الساقي للطباعة والنشر في عام 1998م نقرأ في الكتاب «إن أية «يوتوبيا» أو «أيديولوجيا» أو مثاليات سياسية يقفز إلى الأفق البعيد المتعالي، وترفض النظر فيما هو تحت أقدامها من واقع ملموس-قبل صياغة منطلقاتها النظرية الهادية والمرشدة-لن يكون مصيرها غير الإخفاق والفشل والشعور المرير بالخيبة كما يشهد به التاريخ السياسي للعرب والمسلمين. وكما تنطق به شهادات قديمة متجددة لكبار المفكرين وغيرهم من الكتاب المعاصرين. وإلى يومنا هذا تبدو الأمة العربية، بملايينها البشرية والمادية، وبامتدادها القاري وبكل طاقاتها الهائلة المعطلة، جسماً عملاقاً برأس سياسي ضئيل في منتهى الصغر... وإذا كانت التدخلات الدولية المعاصرة، تبرز للبعض نسبة معظم المصائب السياسية العربية إليها، فإن التأزم السياسي المزمن في التاريخ العربي لا يمكن رده ببساطة إلى هذا العامل عندما كانت الدولة العربية الإسلامية تفتح القارات وتمثل أقوى دول العالم وأكثرها تأثيراً على غيرها من الدول والشعوب، بينما تلك الإعاقة السياسية تهدد طاقتها من الداخل... فهي-إذن-ظاهرة مزمنة ومقيمة. التعزم والتأزم السياسي لجسم عملاق! ويقول المؤلف إنه ما من مخرج إلا بتشخيص هذه الظاهرة علمياً ومعرفياً وتفكيك عناصرها، قبل الانسياق وراء أية «أدلجات» أخرى للسياسة العربية بين سلطة ومعارضة. حيث لن يؤدي مثل هذا الانسياق الأيديولوجي إلا إلى مزيد من مطبات الهرب إلى الأمام. إذ المطلوب «اختراق معرفي» للسياسة قبل إعادة امتلاكها... وهذا ما سعى إليه المؤلف في كتابه هذا الذي ضمنه معالجات سعى من خلالها إلى توصيف الواقع السياسي في جذوره ومكوناته الموضوعية التي طالما تم إغفالها، أو «إدانتها» باعتبارها «رواسب» في عصور الانحطاط لا تستحق التوقف، بينما هي في واقع الأمر تعيد إنتاج الكوارث السياسية العربية واحدة بعد الأخرى.
وللإحاطة بجميع جوانب الموضوع ضمن المؤلف كتابه طرحاً لتجليات وأعراض الإشكالية السياسية عند العرب (وذلك في بابه الأول) بين ماضٍ وحاضر في مقاربات تمهيدية. ثم عمد إلى معالجة أسبابها الموضوعية في بابه الثاني الموسوم «في الفصام السياسي العربي» وذلك خلال ثلاثة أبعاد لهذا الفصام: 1-بعد الفجوة الشائعة بين التصور والواقع في ثقافة العرب السياسية. 2-بعد المفارقة بين التوحد والتعدد في الشخصية الجمعية العربية. 3-بعد التجاذب القائم بين الاستبداد والمشاركة في تجاربهم السياسية. وبعد هذه المعالجات والمقاربات الفكرية النظرية لأهم ملامح الكائن السياسي العربي المتأزم. يركز الباب الثالث والأخير في الكتاب على جوانب تطبيقية بحثية تمثل نماذج لما يهدف إليه هذا المشروع البحتي من مقاربة لخصوصيات التكوين السوسيولوجي السياسي العربي، بما يسهم، ولو بشكل متواضع، في بلورة علم اجتماع سياسي عربي لا بد من تطويره وإغنائه بتكاتف المهتمين العرب بالشأن السياسي الذي طال تأزمه في الحياة العربية، وصار لا بد من انعطاف معرفي وفكري لإخراجه من دوامة هذا التأزم المتطاول.
على الرغم من التألق الروحي والعقلي للحضارة العربية الإسلامية فإن تاريخها السياسي يمثل أضعف عناصرها إطلاقاً.
فهي ظلت تُعاني من «فقر دم» سياسي في التطبيق والنظم، منذ التأزم المبكر للخلافة الراشدة إلى الإجهاض السياسي لمشروعات «النهوض» العربي في عصرنا.
لقد ظلت «المثاليات» المؤدلجة تبشر المؤمنين بغد أفضل، غير أن الواقع المقيم بقي أقوى نقض لها – كما لم يحدث ربما في تاريخ أية أمة أخرى-مما عمَّق حالة الفصام بين اليوتوبيا والواقع المعاش للأمة.
وكلما اتسع الانفصام بين خَدَر الوعي وبؤس الواقع أمعنت اليوتوبيات في ادعاء المثالية المستحيلة دون أن يمتد جسر للعبور بين الوعد والإنجاز، وبين النظرية والواقع.
وإلى يومنا تبدو الأمة العربية، بكل طاقاتها الهائلة، جسماً عملاقاً برأس سياسي في منتهى الصغر.
إنها ظاهرة التقزُّم السياسي المزمن لجسم عملاق! ولا بد من الاعتراف بأن الحالة بدأت قبل ظهور «الإمبريالية» و«الصهيونية» بقرون، ولم تقتصر على أنظمة بعينها.
ولكي يستعيد العرب «قدرهم السياسي» بيدهم لا بد من «اختراق معرفي» لهذا الحاجز السياسي، وذلك ما يهدف إليه هذا الكتاب عبر معالجاته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك