العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

خلف كلِّ شاعر قصيدة.. قراءة في نصوص في استنطاق المكان للشاعر البريسم

{ بقلم: د. علي عبدالحسين حداد

السبت ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬الأزل‭ ‬وماهية‭ ‬الشعر‭ ‬والشاعر‭ ‬جدلية‭ ‬مفاهيمية‭ ‬أفضى‭ ‬فيها‭ ‬الفكر‭ ‬والنقد‭ ‬تصورات‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬الجوهر‭ ‬الذي‭ ‬ينطلقان‭ ‬منه،‭ ‬أهو‭ ‬السحر‭ ‬أم‭ ‬الشيطان‭ ‬أم‭ ‬الإنسان‭ ‬أم‭ ‬الشعور‭ ‬أم‭ ‬التوتر‭ ‬أم‭ ‬الموسيقى‭ ‬أم‭ ‬اللغة‭ ‬المنمقة‭ ‬المموسقة‭ ‬وهلم‭ ‬جرا‭ ‬في‭ ‬مزاوجة‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬الجدلية‭ ‬المذكورة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تهدأ‭ ‬إلا‭ ‬بمقترحات‭ ‬النقد‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬خارجيا‭ ‬لشكل‭ ‬الشعر‭ ‬وعده‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬كاللغة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬مكنونها‭ ‬الرئيس‭ ‬أهي‭ ‬توقيف‭ ‬أم‭ ‬مواضعة‭ ‬أم‭ ‬محاكاة‭ ‬وهلم‭ ‬جرا،‭ ‬ولكن‭ ‬الثابت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للنقد‭ ‬والناقد‭ ‬إلغاؤه‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬قد‭ ‬يختزل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الشاعر‭ ‬وقد‭ ‬تختزل‭ ‬ذاته‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬قصيدة،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬يصدق‭ ‬عليه‭ ‬وصف‭ ‬الشاعرية‭ ‬إلا‭ ‬بقصيدة‭ ‬عصماء‭ ‬تكفل‭ ‬نزواته‭ ‬وتلملمه‭ ‬كما‭ ‬تقف‭ ‬الكاعب‭ ‬الحسناء‭ ‬خلف‭ ‬كل‭ ‬فارس‭ ‬وتقيم‭ ‬أود‭ ‬نزقه‭ ‬وطفولته‭ ‬في‭ ‬فراشها‭ ...‬

وليس‭ ‬عبد‭ ‬الحسين‭ ‬بريسم‭ ‬طارئاً‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬غزل‭ ‬القصيدة‭ ‬وجماحها،‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬السومري‭ ‬المعاصر‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬مع‭ ‬خطاه‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬من‭ ‬نسمات‭ ‬الهور‭ ‬وتتثنى‭ ‬بنهودها‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الخطى‭ ‬قصبات‭ ‬البردي‭ ‬الميساني،‭ ‬شاعر‭ ‬اعتاد‭ ‬المعاناة‭ ‬وألفته‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬أيهما‭ ‬الشاعر‭ ‬أهي‭ ‬المعاناة‭ ‬أم‭ ‬البريسم‭ ‬الذي‭ ‬يكتبها‭ ‬شعراً،‭ ‬وأي‭ ‬معاناة‭ ‬تلك‭ ‬أهي‭ ‬صراعاته‭ ‬مع‭ ‬واقعه‭ ‬ومع‭ ‬ذاته‭ ‬الثائرة‭ ‬بصمت‭ ‬وحياء،‭ ‬أم‭ ‬صراعات‭ ‬الإنسان‭ ‬المجرد‭ ‬أم‭ ‬العراقي‭ ‬المعذب‭ ‬أم‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬إنسانيته‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬أرق‭ ‬من‭ ‬مناديل‭ ‬الورق‭ ‬المرطب‭ ‬بالعبير‭ ‬وبالبنفسج،‭ ‬شاعر‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬أنَّ‭ ‬لوعات‭ ‬العراقيين‭ ‬تلتف‭ ‬حول‭ ‬عنق‭ ‬قلمه‭ ‬لتمارس‭ ‬صرخاتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انقطاع،‭ ‬وأنَّه‭ ‬لو‭ ‬أمعن‭ ‬في‭ ‬بواطن‭ ‬ألفاظه‭ ‬وأبصر‭ ‬الشفاه‭ ‬اليابسة‭ ‬للملتاعين‭ ‬لولى‭ ‬فراراً‭ ‬منها‭ ‬ولمليء‭ ‬منها‭ ‬رعبا،‭ ‬شاعر‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الجمال‭ ‬وعن‭ ‬الإنسان‭ ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬أبصرهما‭ ‬فرا‭ ‬منه‭ ‬وهو‭ ‬يجري‭ ‬خلفهما‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هوادة‭ ....‬

وتأتي‭ ‬القصيدة‭ ‬الحسناء‭ ‬في‭ ‬عطائه‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينضب‭ ‬ولن‭ ‬ينفد‭ ‬بردائها‭ ‬المخملي‭ ‬الذي‭ ‬يتشظى‭ ‬أنوثة‭ ‬وغواية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشعر‭ ‬بمجموعتين‭ ‬تكاد‭ ‬أحداهما‭ ‬تقتل‭ ‬الأخرى‭ ‬غيرة‭ ‬لتليق‭ ‬بشاعريته،‭ ‬أحداهما‭ ‬تؤثث‭ ‬بنية‭ ‬المكان‭ ‬في‭ ‬القصائد‭ ‬بخضرتها‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ (‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬نصوص‭ ‬في‭ ‬استنطاق‭ ‬المكان‭) ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬للأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬والثانية‭ ‬رداؤها‭ ‬أسود‭ ‬من‭ ‬حزن‭ ‬السمك‭ ‬على‭ ‬موت‭ ‬الماء‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ (‬مقبرة‭ ‬الأسماك‭ ‬الجماعية‭ ‬نصوص‭ ‬في‭ ‬استنطاق‭ ‬المكان‭) ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الفؤاد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬أيضاً‭.‬

ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬المتواضعة‭ ‬أن‭ ‬الثانية‭ ‬منهما‭ ‬أجدر‭ ‬بوصف‭ ‬عنوان‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬لأنَّ‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬تمثل‭ ‬القصيدة‭ ‬لخطاب‭ (‬اليومي‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬حذق‭ ‬البريسم‭ ‬فيها‭ ‬بسوق‭ ‬هذه‭ ‬التمثلات‭ ‬بسردية‭ ‬غنائية‭ ‬نشطت‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬مداعبة‭ ‬المعاني‭ ‬والتوسل‭ ‬بها‭ ‬لاقتناص‭ ‬حمولاتها‭ ‬المخبوءة،‭ ‬وأن‭ ‬يرسم‭ ‬معاناة‭ ‬الإنسان‭ ‬العراقي‭ ‬عامة،‭ ‬والمعاناة‭ ‬السمراء‭ ‬لأبناء‭ ‬الجنوب‭ ‬لاسيما‭ ‬الميسانيين‭ ‬خاصة،‭ ‬فكانت‭ ‬كل‭ ‬قصيدة‭ ‬فيها‭ ‬صعبة‭ ‬المراس‭ ‬حادة‭ ‬الطباع‭ ‬ثائرة‭ ‬منكسرة‭ ‬مفارقة‭ ‬بين‭ ‬حزنها‭ ‬وفرحها،‭ ‬ومتخيلها‭ ‬وواقعها،‭ ‬و‭ ‬سوادها‭ ‬و‭ ‬بياضها،‭ ‬وذئبها‭ ‬وضحاياها،‭ ‬فهي‭ ‬قصائد‭ ‬لم‭ ‬تكتب‭ ‬للنخبة‭ ‬وإنما‭ ‬كتبت‭ ‬لغنائية‭ ‬البوح‭ ‬الشعبي،‭ ‬ولم‭ ‬تكتب‭ ‬في‭ ‬بعد‭ ‬واحد‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبعاد‭ ‬ومن‭ ‬زوايا‭ ‬مختلفة‭ ‬جعلت‭ ‬تشكيل‭ ‬القصائد‭ ‬بانورامياً‭ ‬كلوحة‭ ‬الكولاج‭ ‬فهي‭ ‬تبكي‭ ‬جدب‭ ‬الخضرة‭ ‬وجمال‭ ‬القفار‭ ‬التي‭ ‬ستحدو‭ ‬بالشاعر‭ ‬عاجلاً‭ ‬أم‭ ‬آجلاً‭ ‬ليهرب‭ ‬إليها‭ ‬كما‭ ‬هرب‭ ‬عروة‭ ‬والشنفرى‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ....‬

فشكرا‭ ‬للبريسم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أخذنا‭ ‬بهذه‭ ‬السياحة‭ ‬القراءية‭ ‬في‭ ‬معين‭ ‬إبداعه،‭ ‬وتعريفنا‭ ‬بنتاجاته‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬إلى‭ ‬سفر‭ ‬الإبداع‭ ‬الميساني‭ ‬والعراقي‭ ‬العتيد،‭ ‬ملفتين‭ ‬القارئ‭ ‬الحاذق‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬نتاجاته‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬ظاهرة‭ ‬اليومي‭ ‬والشعبي‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العراقي‭ ‬الحديث‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا