العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

المشكل والجدلي: في مشهديّة الجوائز العربيّة

بقلم: أ. د. سناء الشّعلان (بنت نعيمة)

السبت ١٩ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

موضوع‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيّة‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬يمكن‭ ‬وصفُه‭ ‬بالمشكلِ‭ ‬والجدليّ‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإبداعيّ‭ ‬العربيّ‭ ‬الحديث،‭ ‬وهو‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬حديثٍ‭ ‬يطولُ،‭ ‬ويتشّعبُ،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصه‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬ومضاتٍ‭ ‬عاجلةٍ‭ ‬كلٍّ‭ ‬منها‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفةٍ‭ ‬وتأمّلٍ‭ ‬ورصد‭ ‬للآراء‭ ‬المتجاذبة‭ ‬فيه؛‭ ‬فالجوائزُ‭ ‬العربيّةُ‭ ‬تشهدُ‭ ‬لغطاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬وآراءً‭ ‬متضاربةً،‭ ‬بعضُها‭ ‬مطلقٌ‭ ‬على‭ ‬عواهنه،‭ ‬والآخرُ‭ ‬منها‭ ‬يبرّر‭ ‬وجودَه‭ ‬وطرحَه‭.‬

نحن‭ ‬هنا‭ ‬نتحدّث‭ -‬بالتّأكيد‭- ‬عن‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيّة‭ ‬في‭ ‬حقلِ‭ ‬الآداب‭ ‬والإبداع‭ ‬فيه،‭ ‬وأحياناً‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬التّربية‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬معنيٌّ‭ -‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭- ‬بالمؤلفات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬أو‭ ‬التّعليميّة‭ ‬للنّشء،‭ ‬دون‭ ‬التطّرّقِ‭ ‬بأيّ‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الجوائز‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭: ‬الحقول‭ ‬العلميّة‭ ‬والبحثيّة‭ ‬والطّبيّة‭ ‬والهندسيّة‭ ‬والرّياضيّة‭ ‬والتّطبيقيّة‭ ‬والفلكيّة‭ ‬وغيرها؛‭ ‬فهذا‭ ‬شأن‭ ‬آخر‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬صدده‭ ‬الآن‭.‬

أمّا‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيّة‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬بالتّحديد‭ ‬فقد‭ ‬توزّعتْ‭ ‬على‭ ‬قطاعاتٍ‭ ‬مختلفةٍ‭ ‬من‭ ‬حيثُ‭ ‬الموضوع‭ ‬والشّكل‭ ‬والاستمراريّة‭ ‬والمبالغ‭ ‬الماليّة‭ ‬الموقوفة‭ ‬عليها‭ ‬والامتيازاتِ‭ ‬المرافقةِ‭ ‬لها؛‭ ‬بعضُها‭ ‬استطاعَ‭ ‬أن‭ ‬يحافظَ‭ ‬على‭ ‬استمراريّته‭ ‬الدّوريّة،‭ ‬والآخرُ‭ ‬تعثّرَ‭ ‬بسببٍ‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬وبعضُها‭ ‬توقّف‭ ‬للأبد‭ ‬معلناً‭ ‬موته‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬قصيرة‭ ‬غيرِ‭ ‬مؤثّرة‭.‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجوائزَ‭ ‬قد‭ ‬لعبت‭ ‬الأدوارَ‭ ‬ذاتَها‭ ‬عبر‭ ‬اهتمامها‭ ‬بقطاعات‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبيّة‭ ‬نفِسِها،‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬الشّروط‭ ‬وأزمان‭ ‬التّقديم‭ ‬لها،‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬أنّ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬هي‭ ‬صور‭ ‬عن‭ ‬أخرى؛‭ ‬أيّ‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلّا‭ ‬تقليد‭ ‬لها‭ ‬لسببٍ‭ ‬أو‭ ‬لأخر،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬كثيراً‭ ‬منها‭ ‬يوسّع‭ ‬موضوعاتِه‭ ‬وحقولَه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سبب‭ ‬مقنع‭ ‬لذك،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬صور‭ ‬عن‭ ‬جوائز‭ ‬عالميّة‭ ‬معروفة،‭ ‬أو‭ ‬امتدادٌ‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬بالتّحالف‭ ‬معها،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬قلّة‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬تصمّمُ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكوّنَ‭ ‬لها‭ ‬بصمتَها‭ ‬الخاصّةَ،‭ ‬وأن‭ ‬تقفَ‭ ‬نفسها‭ ‬عند‭ ‬جنس‭ ‬إبداعيّ‭ ‬بعينه‭ ‬اهتماماً‭ ‬به‭ ‬وتشجيعاً‭ ‬له‭ ‬معرفة‭ ‬التّبرير‭ ‬لذلكَ‭ ‬كلِّه،‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬بأن‭ ‬تنقل‭ ‬خبط‭ ‬عشواء‭ ‬من‭ ‬طقوس‭ ‬الجوائز‭ ‬الأخرى،‭ ‬وطرائقِها،‭ ‬مثل‭ ‬تفشّي‭ ‬طقس‭ ‬إعلان‭ ‬القوائم‭ ‬الطّويلة‭ ‬والقصيرة‭ ‬للجوائز،‭ ‬وغيرِها‭ ‬من‭ ‬الطّقوس‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مبرّر‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬تقليدِ‭ ‬جائزة‭ ‬لأخرى‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدىً‭.‬

أيّاً‭ ‬كانتْ‭ ‬مصائرُ‭ ‬هذه‭ ‬الجوائزِ‭ ‬فهي‭ ‬قدّ‭ ‬ظلّتْ‭ ‬وجهةً‭ ‬مغريةً‭ ‬للمبدعين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يتنافسون‭ ‬على‭ ‬التّقديم‭ ‬لهذه‭ ‬الجوائز‭ ‬رغبةً‭ ‬في‭ ‬قيمها‭ ‬الماليّة‭ ‬والمعنويّة‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشّأن‭ ‬أكان‭ ‬المبدعون‭ ‬مكرسّين‭ ‬أم‭ ‬مبتدئين‭ ‬أم‭ ‬هواةٍ،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أرقام‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها‭ ‬تصدمنا‭ ‬بأعداد‭ ‬المبدعين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬جيوشاً‭ ‬ألفيّة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬منهم‭ ‬إلّا‭ ‬القليلَ،‭ ‬ولا‭ ‬يصمدُ‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإبداعيّ‭ ‬إلّا‭ ‬الأقلّ،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يكتنف‭ ‬الظّلُ‭ ‬الآخرين‭ ‬لسببٍ‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭.‬

ابتداءً‭: ‬من‭ ‬الإنصاف‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الجوائزَ‭ ‬العربيّةَ‭ ‬قدْ‭ ‬خلقت‭ ‬حراكاً‭ ‬إيجابيّاً‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربيّ‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬إعلانها‭ ‬وفعاليّاتها،‭ ‬كما‭ ‬وفّرتْ‭ ‬فرصاً‭ ‬للعملِ‭ ‬في‭ ‬إداراتِ‭ ‬هذه‭ ‬الجوائز،‭ ‬وفي‭ ‬القطاعات‭ ‬المساندة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والتّصميم‭ ‬والطّباعة‭ ‬والنّشر‭ ‬والتّوزيع‭ ‬والتّرويج‭ ‬الإلكترونيّ‭ ‬والورقيّ‭ ‬والمرئيّ‭ ‬والسّمعيّ،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬للمتنفّعين‭ ‬والمطبّلين‭ ‬والمزّمرين‭ ‬الذين‭ ‬يتناحرون‭ ‬على‭ ‬فتات‭ ‬موائد‭ ‬الجوائز‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬ذات‭ ‬الميزانيّاتِ‭ ‬العملاقة‭ ‬والصّرفِ‭ ‬الباذخ،‭ ‬إلى‭ ‬جانبِ‭ ‬الكثيرِ‭ ‬من‭ ‬الفعاليّاتِ‭ ‬الثّقافيّةِ‭ ‬المهمّةِ‭ ‬التي‭ ‬تُعقدُ‭ ‬على‭ ‬هامشِ‭ ‬تلكَ‭ ‬الجوائزِ‭ ‬وبتغطية‭ ‬ماليّة‭ ‬منها،‭ ‬مثل‭: ‬المؤتمرات‭ ‬والنّدوات‭ ‬والملتقيات‭ ‬وحلقات‭ ‬التّدارس‭ ‬والبحث‭ ‬ومختبرات‭ ‬التّطبيق‭ ‬ودورات‭ ‬التّكوين‭ ‬والعروض‭ ‬المسرحيّة‭ ‬وحفلات‭ ‬التّوقيع‭ ‬والمناظرات‭ ‬الأدبيّة‭ ‬والرّحلات‭ ‬التّعارفية‭ ‬والاستكشافيّة‭ ‬والمجاورات‭ ‬الأدبيّة‭ ‬والرّحلات‭ ‬والمشاريع‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬والتّغطيات‭ ‬الإعلاميّة‭ ‬المتخصّصة‭ ‬وتحويل‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبيّة‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬دراميّة‭ ‬أو‭ ‬وثائقيّة‭ ‬أو‭ ‬مسرحيّة‭ ‬أو‭ ‬كرتونيّة،‭ ‬وغيرِها‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الإبداع،‭ ‬والانتقال‭ ‬في‭ ‬متون‭ ‬الفنون‭ ‬المتجاورة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إغناء‭ ‬المكتبة‭ ‬العربيّة‭ ‬برصيد‭ ‬عملاقٍ‭ ‬وموصولٍّ‭ ‬من‭ ‬الإصداراتِ‭ ‬الإبداعيّةِ‭ ‬العربيّةِ‭ ‬التي‭ ‬تأخذُ‭ ‬الجوائزُ‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬أن‭ ‬تصدرها‭ ‬في‭ ‬طبعات‭ ‬أنيقة‭ ‬جميلة‭ ‬تُوّزع‭ ‬بالمجّان‭ -‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭- ‬لصالح‭ ‬القراءةِ‭ ‬والثّقافةِ‭ ‬والإبداعِ‭.‬

‭ ‬خلاصة‭ ‬ُالقول‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ -‬بأيّ‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭- ‬أن‭ ‬ننكرُ‭ ‬أنّ‭ ‬الجوائزَ‭ ‬العربيّةَ‭ ‬الإبداعيّةَ‭ ‬قد‭ ‬أسهمتْ‭ ‬في‭ ‬الدّعم‭ ‬الماليّ‭ ‬والمعنويّ‭ ‬للمبدعين‭ ‬الفائزين‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬شجّعت‭ ‬الكثيرون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكتبوا‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬بغيةَ‭ ‬المشاركةِ‭ ‬في‭ ‬الجوائز‭ ‬وطمعاً‭ ‬في‭ ‬المردود‭ ‬الماليّ‭ ‬والمعنويّ‭ ‬منها،‭ ‬وإنْ‭ ‬أدّى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتضخّم‭ ‬المشهد‭ ‬الإبداعيّ‭ ‬العربيّ‭ ‬عدداً‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬النّوع،‭ ‬كما‭ ‬قامتْ‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭ ‬بجريمة‭ ‬تقديم‭ ‬أقلام‭ ‬متهاوية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالموهبة‭ ‬والإبداع‭ ‬عبر‭ ‬تفويزها‭ ‬لها‭ ‬بجوائز‭ ‬أثارت‭ ‬تساؤلات‭ ‬كبرى‭ ‬حول‭ ‬كيفيّة‭ ‬انتقاء‭ ‬أصحابها‭ ‬للفوز،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬الطبيعة‭ ‬هي‭ ‬مَنْ‭ ‬تكفّلتْ‭ ‬بالتّكفير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬ضمن‭ ‬ناموسها‭ ‬الصّارم،‭ ‬وهو‭ ‬الحياة‭ ‬للأفضل‭ ‬والأصلح؛‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تختفي‭ ‬هذه‭ ‬الأقلام‭ ‬المهموزة‭ ‬في‭ ‬إبداعها،‭ ‬ويختفي‭ ‬أصحابُها‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ولا‭ ‬نسمع‭ ‬لهم‭ ‬رِكْزاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استولوا‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المالية‭ ‬للجوائز‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬تساؤلاتٍ‭ ‬ولغط‭ ‬واتهاماتٍ‭ ‬لهم‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الفوز‭ ‬العجيب‭ ‬المنبتّ‭ ‬عن‭ ‬الاستحقاق‭ ‬والجدارة،‭ ‬والمنساق‭ ‬خلف‭ ‬العلاقات‭ ‬الخاصّة‭ ‬وتبادل‭ ‬المنافع‭ ‬وتحالفات‭ ‬الشّلل‭ ‬والعصابات،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬الأمرَ‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬أنّنا‭ ‬قد‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭ ‬هم‭ ‬أصدقاء‭ ‬أو‭ ‬أقارب‭ ‬أو‭ ‬أزواج‭ ‬أو‭ ‬زوجات‭ ‬أو‭ ‬زملاء‭ ‬عمل‭ ‬لأعضاء‭ ‬لجان‭ ‬التّحكيم‭ ‬أو‭ ‬مالكي‭ ‬الجوائز‭ ‬ذاتِها‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إنْ‭ ‬كانت‭ ‬الجوائزُ‭ ‬ملكاً‭ ‬لأفرادٍ‭ ‬من‭ ‬الأغنياء‭ ‬وأصحابِ‭ ‬النّفوذ‭ ‬والمتشاعرين‭ ‬والمصممّين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أدباء‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬الجميع‭.‬

أمّا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجوائز‭ ‬ذات‭ ‬الصّبغة‭ ‬الحكوميّة‭ ‬أو‭ ‬الرّسميّة‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الجوائز‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬وزارات‭ ‬الثّقافة‭ ‬العربيّة‭ ‬أو‭ ‬مؤسّساتها‭ ‬فهي‭ ‬حقلٌ‭ ‬أكبر‭ ‬للّغط‭ ‬واللّمز‭ ‬والهمز؛‭ ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬تفرز‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬فوزاً‭ ‬للمرضي‭ ‬عنهم‭ ‬حكوميّاً‭ ‬أو‭ ‬وزارتيًّا‭ ‬أو‭ ‬إعلاميّاً‭ ‬أو‭ ‬سياسيّاً‭ ‬أو‭ ‬شلليّاً،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلتفتْ‭ -‬في‭ ‬الغالب‭- ‬إلى‭ ‬الأقلام‭ ‬المبدعة‭ ‬والأسماء‭ ‬الوازنة،‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬جعلها‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بأيّ‭ ‬اهتمام‭ ‬أو‭ ‬وزن‭ ‬جماهيريّ‭ ‬أو‭ ‬إبداعيّ‭ ‬أو‭ ‬نقديّ،‭ ‬وجعل‭ ‬الكثيرَ‭ ‬منها‭ ‬موضوعاً‭ ‬للتّهكم‭ ‬والسّخرية،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬الأمرَ‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬ببعض‭ ‬الأسماء‭ ‬المبدعة‭ ‬الوازنة‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬أن‭ ‬ترفض‭ ‬تلك‭ ‬الجوائز،‭ ‬وأن‭ ‬تردّها‭ ‬على‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬هازئةً‭ ‬بها‭ ‬وبمغازلة‭ ‬أصحابِها‭ ‬لهم‭.‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬التّهافت‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الجوائز‭ ‬تفوّز‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬لجان‭ ‬التّحكيم‭ ‬ذاتها‭ ‬أو‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الجائزة‭ ‬عينِها‭ ‬في‭ ‬إشارةٍ‭ ‬واضحةٍ‭ ‬وفاضحةٍ‭ ‬إلى‭ ‬الفساد‭ ‬والتّردي‭ ‬والتّلاعب‭ ‬بمقدّرات‭ ‬الدّولة‭ ‬وشفافيّة‭ ‬الجوائز‭ ‬فيها‭. ‬

فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬لجان‭ ‬التّحكيم‭ ‬وشروط‭ ‬الاشتراك‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ -‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭- ‬من‭ ‬نوايا‭ ‬خبيثة‭ ‬لتُفصّلَ‭ ‬الجوائزَ‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬كتّاب‭ ‬بأعينهم،‭ ‬ليفوزا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬نهايةِ‭ ‬الأمرِ‭ ‬بعد‭ ‬رحلةٍ‭ ‬من‭ ‬التّمثيل‭ ‬والتّهريج؛‭ ‬إذ‭ ‬إنّ‭ ‬شروطَها‭ ‬لا‭ ‬تنطبقُ‭ ‬إلّا‭ ‬عليهم‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬تغيّر‭ ‬محاورَها‭ ‬وموضوعاتِها‭ ‬وشروطَها‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭.‬

كذلك‭ ‬يصل‭ ‬الجهل‭ ‬بأبسط‭ ‬أعراف‭ ‬الكتابةِ‭ ‬الإبداعيّةِ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوائز‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬أنّ‭ ‬كثيراً‭ ‬منها‭ ‬يشترطُ‭ ‬عدداً‭ ‬للكلمات‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المنافس‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬وتحدّد‭ ‬موضوعها‭ ‬وفكرتها‭ ‬ومحورها؛‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تضرب‭ ‬الحائطَ‭ ‬بأبسط‭ ‬صفاتِ‭ ‬الإبداعِ‭ ‬وحدودهِ‭ ‬ومساحاتهِ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقيدَهَا‭ ‬بعددٍ‭ ‬كلمات‭ ‬أو‭ ‬موضوعٍ‭ ‬ما؛‭ ‬فهذا‭ ‬الأمرُ‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬الخياطة‭ ‬وأعراف‭ ‬قصّ‭ ‬القماش‭ ‬وتبليط‭ ‬الأرضيّات،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خصائصِ‭ ‬الإبداعِ‭ ‬القائمةِ‭ ‬على‭ ‬الحريّةِ‭ ‬والانتقائيّةِ‭ ‬والذّاتيّة‭ ‬والخصوصيّةِ،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الإغداق‭ ‬بالجوائز‭ ‬على‭ ‬المرضي‭ ‬عنهم‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬وحرمانِ‭ ‬أقلامٍ‭ ‬مبدعةٍ‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬لأنّ‭ ‬أصحابَها‭ ‬يملكون‭ ‬مواقفَ‭ ‬ورؤىً‭ ‬غيرَ‭ ‬قابلةٍ‭ ‬للمساومةِ‭ ‬والمفاوضةِ‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬أنّهم‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬التّطبيل‭ ‬والتّزمير‭ ‬والانحناء‭ ‬حدّ‭ ‬تقوّس‭ ‬الظّهر‭!‬

كذلك‭ ‬نرى‭ ‬الكثيرَ‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬استقطابِ‭ ‬الأشخاصَ‭ ‬ذاتَهم‭ ‬في‭ ‬لجان‭ ‬التّحكيم؛‭ ‬كأنّ‭ ‬اللهَ‭ ‬عز‭ ‬ّوجلّ‭ ‬قد‭ ‬خلقَ‭ ‬أولئكَ‭ ‬المحكّمين‭ ‬لهذه‭ ‬المهمّة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وخصّهم‭ ‬بمعارف‭ ‬عليا‭ ‬لأجلها،‭ ‬وضنّ‭ ‬بذلكَ‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬المبدعين‭ ‬والمتخصّصين‭ ‬والأكاديميين؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وصلَ‭ ‬بمشهديّة‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيّة‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬التّهريجِ‭ ‬والتَبكيتِ‭ ‬والابتذالِ‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬مهما‭ ‬بذلتْ‭ ‬تلك‭ ‬الجوائز‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬لترقيع‭ ‬ثقوبِ‭ ‬سمعتها‭ ‬السّيئة‭ ‬التي‭ ‬استعصتْ‭ ‬على‭ ‬الرّقع‭ ‬ببهرجةِ‭ ‬احتفالاتِ‭ ‬واستقطابِ‭ ‬إعلامٍ‭ ‬تطبيليّ‭ ‬واحتضانِ‭ ‬أقلامِ‭ ‬مادحة‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬حال‭.‬

الأمرُ‭ ‬يطول‭ ‬في‭ ‬حديثنا‭ ‬هذا،‭ ‬ولن‭ ‬أزعمَ‭ ‬أنّني‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬نقاطٍ‭ ‬أُدركها‭ ‬دون‭ ‬غيري؛‭ ‬فالموضوع‭ ‬مطروقٌ‭ ‬بحديثٍ‭ ‬طويلٍ‭ ‬ومتجدّدٍ‭ ‬منّي‭ ‬ومن‭ ‬غيري،‭ ‬وسيظّل‭ ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هناك‭ ‬فائزون‭ ‬وغير‭ ‬فائزين،‭ ‬ومتنفّعون‭ ‬وغير‭ ‬متنفّعين،‭ ‬وراضون‭ ‬وغير‭ ‬راضين،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬كلُّه‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬سحر‭ ‬الجوائز،‭ ‬ومن‭ ‬حلاوة‭ ‬تلبية‭ ‬ندائها،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬جماليّات‭ ‬الفوز‭ ‬بها،‭ ‬ولن‭ ‬يقلّل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الفوز‭ ‬لمن‭ ‬يستحقّونه،‭ ‬ولن‭ ‬يوقف‭ ‬المبدعين‭ ‬عن‭ ‬اللّحاق‭ ‬بركب‭ ‬تلك‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬وطّدتْ‭ ‬مقولةً‭ ‬خطيرةً‭ ‬للأسف،‭ ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬الفوز‭ ‬أحياناً‭ ‬هو‭ ‬محضُ‭ ‬حظٍّ‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬أقلّ،‭ ‬أو‭ ‬خبطُ‭ ‬عشواء،‭ ‬على‭ ‬الرّغم‭ ‬من‭ ‬أنّها‭ ‬قد‭ ‬فوّزتْ‭ -‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭- ‬أسماءً‭ ‬مبدعةً‭ ‬تستحقّ‭ ‬الفوز‭ ‬بجدارة،‭ ‬كما‭ ‬اكتشفتْ‭ ‬أسماءً‭ ‬موهوبةً‭ ‬بشهادةِ‭ ‬الجميع،‭ ‬وفتحت‭ ‬الأبوابَ‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الإبداعَ،‭ ‬ولعبتْ‭ ‬أدواراً‭ ‬مهمّة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مَنْ‭ ‬يستحقّ‭ ‬الدّعم‭ ‬من‭ ‬الأقلام‭ ‬الجميلة‭ ‬المبدعة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا