العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عام من الإبادة وألف قصة وقصة!

{‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الوحشية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وانتقال‭ ‬وحشيتها‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بأنظمته‭ ‬وشعوبه‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً،‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الاعتياد،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬المشاهد‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ويتم‭ ‬نقلها‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬إما‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬عاجلة،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أرقام‭ ‬للضحايا‭ ‬وصور‭ ‬للدمار،‭ ‬واستعراض‭ ‬للأشلاء‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬فيما‭ ‬الدم‭ ‬الإنساني‭ ‬المراق‭ ‬الذي‭ ‬حرك‭ ‬شوارع‭ ‬العالم‭ ‬والغرب‭ ‬منه،‭ ‬أصيب‭ ‬باليأس‭ ‬من‭ ‬تحركه،‭ ‬مع‭ ‬سقوط‭ ‬وانكشاف‭ ‬العجز‭ ‬الدولي‭ ‬والعربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬أبشع‭ ‬حرب‭ ‬للإبادة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬يوميا،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيعون‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬إزاءها‭ !‬وقد‭ ‬اخذلهم‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الزائف‭ ‬،‭ ‬وخذلتهم‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬والأهلية‭ ‬والمدنية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬بأحزابها‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بما‭ ‬يستحق‭ ‬الحدث‭ ‬القيام‭ ‬به،‭ ‬ولكأن‭ ‬الجميع‭ ‬دولاً‭ ‬وشعوباً‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬استثناءات‭ ‬نادرة،‭ ‬قد‭ ‬سلمت‭ ‬روحها‭ ‬لروتين‭ ‬الاعتياد،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬جلل‭ ‬ويمس‭ ‬الإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬وليس‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬وحدهم،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬للمشهد،‭ ‬وإن‭ ‬بالتدريج،‭ ‬في‭ ‬لبنان‭!‬

{‭ ‬مجرمو‭ ‬الحرب‭ ‬يلعبون‭ ‬على‭ ‬غسل‭ ‬الأعصاب‭ ‬في‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭! ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬اللعب‭ ‬عليها،‭ ‬يجعل‭ ‬المشاهد‭ ‬البشعة‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ضدّ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وكأنها‭ ‬بفعل‭ ‬التكرار‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العجز‭ ‬الدولي‭ ‬وتسلط‭ ‬الغرب‭ ‬الشريك‭ ‬فيه،‭ ‬أمر‭ ‬روتيني‭! ‬لكأنهم‭ ‬وهم‭ ‬المدركون‭ ‬لخفايا‭ ‬القدرات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬يجعلون‭ ‬الشعوب‭ ‬العاجزة‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬داخلة‭ ‬في‭ (‬حالة‭ ‬سيكولوجية‭ ‬ارتدادية‭) ‬تتخدّر‭ ‬معها‭ ‬الأعصاب‭ ‬بفعل‭ ‬تراكم‭ ‬المشاهد‭ ‬المروعة‭ ‬يومياً‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬وقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمدنيين،‭ ‬وممارسة‭ ‬أبشع‭ ‬طرق‭ ‬التعذيب‭ ‬والإهانة‭ ‬وسحق‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬المعتقلات‭ ‬وسجون‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وبما‭ ‬يفوق‭ ‬الوصف‭! ‬وكأن‭ ‬قائمة‭ ‬الشعوب‭ ‬المتفرجة‭ ‬يتم‭ ‬وضعها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انسحاق‭ ‬لإنسانيتها‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تعتاد‭ ‬أو‭ ‬تموت‭ ‬قهراً‭! ‬أو‭ ‬تقوم‭ ‬بردة‭ ‬فعل‭ ‬جماعية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬لاسترداد‭ ‬إنسانيتها‭ ‬وإنسانية‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬ترابه‭! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬سقوط‭ ‬كل‭ ‬هياكل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬والأممي‭ ‬حولها‭!‬

{‭ ‬عام‭ ‬وأكثر‭ ‬على‭ ‬جنون‭ ‬الإبادة،‭ ‬وألف‭ ‬قصة‭ ‬وقصة‭ ‬تدخل‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الخيال،‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬بشاعة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬لبشر‭ ‬يتساقطون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬كأوراق‭ ‬الخريف‭ ‬دون‭ ‬عدّ‭ ‬وحساب‭!‬،‭ ‬فماكينة‭ ‬القتل‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الفتاكة‭ ‬وحتى‭ ‬المحرمة‭ ‬دولياً،‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬كخراطيم‭ ‬المياه‭ ‬بفعل‭ ‬يومي‭ ‬واعتيادي‭! ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬7%‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬غزة‭ ‬استشهد،‭ ‬وأضعاف‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬أصيب‭ ‬بالتشوه‭ ‬أو‭ ‬الإعاقة‭ ‬أو‭ ‬البتر‭ ‬أو‭ ‬الأمراض‭! ‬لتثبت‭ ‬قصص‭ ‬الضحايا‭ ‬المتناسلة‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬أن‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬هو‭ (‬فشل‭ ‬نوعي‭ ‬وتاريخي‭) ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوحشية‭ ‬المتراكمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭!‬

{‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يسقطون‭ ‬يومياً‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬والمستشفيات‭ ‬وفي‭ ‬بيوتهم‭ ‬المهدمة،‭ ‬هم‭ ‬أرواح‭ ‬إنسانية‭ ‬لها‭ ‬أحلام‭ ‬وتطلعات‭ ‬وقدرات‭ ‬ذاتية‭ ‬كبيرة‭ ‬للتعلم‭ ‬والارتقاء،‭ ‬ولها‭ ‬حياة‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬روابط‭ ‬أسرية‭ ‬وعلاقات‭ ‬إنسانية،‭ ‬فاذا‭ ‬بالموت‭ ‬يترصدهم‭ ‬كل‭ ‬حين،‭ ‬فيما‭ ‬العالم‭ ‬اعتاد‭ ‬الفُرجة‭!‬،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬صراخ‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬وساسة‭ ‬ومفكرين‭ ‬ومثقفين،‭ ‬يرفضون‭ ‬الاعتياد‭ ‬على‭ ‬الهمجية‭ ‬والإبادة‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬رفض‭ ‬الرضوخ‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬وأكثر،‭ ‬ليدرك‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬معنى‭ ‬الصمود‭ ‬والإرادة‭ ‬والتشبث‭ ‬بالأرض‭ ‬وقيمة‭ ‬الوطن‭ ‬ومعنى‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله،‭ ‬ولتدرك‭ ‬الشعوب‭ ‬أيضاً‭ ‬أثمان‭ ‬الحرية‭ ‬الباهظة،‭ ‬حين‭ ‬يقرر‭ ‬شعب‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬سجل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬حجم‭ ‬وحشيته‭ ‬ولا‭ ‬إنسانيته‭ ‬وعنصريته‭ ‬وعدم‭ ‬تحضره‭! ‬ومقابل‭ ‬ألف‭ ‬قصة‭ ‬وقصة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حي‭ ‬وشارع‭ ‬تحكي‭ ‬عذابات‭ ‬الضحايا،‭ ‬هناك‭ ‬ألف‭ ‬قصة‭ ‬وقصة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬تحكى‭ ‬عنجهية‭ ‬المحتل‭ ‬وعقلية‭ ‬قادة‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعفن‭ ‬الأفكار‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬هؤلاء‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬إحساس‭ ‬وبهمجية‭ ‬مطلقة،‭ ‬وهو‭ ‬يتلذذ‭ ‬بمرأى‭ ‬أشلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمدنيين،‭ ‬الذين‭ ‬يرتكب‭ ‬ضدهم‭ ‬مالم‭ ‬يتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬ارتكابه‭ ‬حتى‭ ‬ضد‭ ‬الكائنات‭ ‬ووحوش‭ ‬البرية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭! ‬

{‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬مضى‭ ‬والكيان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الانتصار،‭ ‬فيما‭ ‬الهزيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تسكن‭ ‬كل‭ ‬ذرّاته،‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬عوامل‭ ‬القهر‭ ‬والإبادة‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يقاوم‭! ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬والهمجية‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬لتعبث‭ ‬إمكانيات‭ ‬الشرّ‭ ‬بالسلاح‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬أرواح‭ ‬البشر،‭ ‬وتخلف‭ ‬وراءها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أكثر‭ ‬المشاهد‭ ‬المروعة‭ ‬بشاعة،‭ ‬فيما‭ ‬السردية‭ ‬القابلة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬تقلب‭ ‬كل‭ ‬الحقائق‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬تمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬بوقاحة‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬لتدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭! ‬وهل‭ ‬من‭ ‬إرهاب‭ ‬دولة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يراه‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬هذا‭ ‬الكيان؟‭! ‬

{‭ ‬قصص‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬مضى‭ ‬موثقة‭ ‬على‭ ‬تلفزيونات‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وبما‭ ‬يشيب‭ ‬له‭ ‬رأس‭ ‬الولدان‭! ‬قصص‭ ‬وحكايات‭ ‬ومآس‭ ‬وبطولات‭ ‬جعلت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يهتز‭ ‬ومطلوب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لنفسه‭ ‬ولنظامه،‭ ‬وأن‭ ‬تعيد‭ ‬الشعوب‭ ‬معنى‭ ‬الإنسانية‭ ‬لنفسها،‭ ‬والغضب‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬والهمجية‭ ‬والعنصرية،‭ ‬وأن‭ ‬تحرر‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬التسلط‭ ‬الصهيوني‭ ‬العالمي،‭ ‬وأن‭ ‬تقرأ‭ ‬سيرة‭ ‬البشرية‭ ‬مجدّداً،‭ ‬لتحكي‭ ‬سردية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬8‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬وسيحدث‭ ‬لاحقاً،‭ ‬لأن‭ ‬مجانين‭ ‬وإرهابين‭ ‬يقودون‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ويقودون‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬لطخ‭ ‬سواده‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا