العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

والعالم يدور حول بؤرة فلسطين وغزّة!

{‭ ‬صاحب‭ ‬القلم‭ ‬وهو‭ ‬يرصد‭ ‬مجريات‭ ‬الحياة‭ ‬والأحداث،‭ ‬فإن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬هو‭ ‬الكلمة‭ ‬والفكر‭ ‬والموقف‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬ولأن‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬هي‭ ‬بؤرة‭ ‬اهتمام‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬دولاً‭ ‬وشعوبًا،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬بما‭ ‬أثارته‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬تمسّ‭ ‬صميم‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬القائم،‭ ‬وتمسّ‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬الحضارات،‭ ‬وجعلتها‭ ‬منبعًا‭ ‬ومصبًّا‭ ‬لها‭ ‬مثل‭ ‬العدالة‭ ‬والقوانين‭ ‬والقيم‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأخلاق،‭ ‬وللأسف‭ ‬كلها‭ ‬معًا‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬انكشاف‭ ‬مريع‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬العشرة‭ ‬الماضية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأداء‭ ‬غير‭ ‬الإنساني‭ ‬وغير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬وغير‭ ‬القانوني‭ ‬لدولة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬وتشنها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭!‬

فإن‭ ‬لا‭ ‬وجع‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬وجع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ولا‭ ‬ألم‭ ‬يُبرح‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬كالألم‭ ‬الناتج‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬هناك،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬حديث‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬الوجع‭ ‬والألم‭ ‬الدائرين‭ ‬في‭ ‬أقطاب‭ ‬الأرض‭ ‬كالذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لأن‭ ‬الأحداث‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ميزان‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬مؤسسات‭ ‬ومراكز‭ ‬الفكر‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انكشف‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬وتكتسب‭ ‬مصداقيتها‭ ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬شعاراته‭ ‬وادعاءاته‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬السراب‭ ‬بعينه‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬بؤرة‭ ‬غزة‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬الوعي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬أوسع‭ ‬أبوابه،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬الضائعة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تشرعن‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الضمير‭ ‬والحس‭ ‬الإنساني‭ ‬والقيم‭ ‬وأخلاقية‭ ‬الحروب‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمدنيين‭! ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يشجب‭ ‬ويندد،‭ ‬ومن‭ ‬يقوم‭ ‬بجولات‭ ‬مكوكية‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬كبرى،‭ ‬ولكنها‭ ‬جولات‭ ‬فارة،‭ ‬يتحدث‭ ‬أصحابها‭ ‬عن‭ ‬السلام،‭ ‬وهم‭ ‬يمدّون‭ ‬الكيان‭ ‬بكل‭ ‬آليات‭ ‬الحرب‭ ‬الفتاكة‭ ‬والقنابل‭ ‬المحرمة‭ ‬وبالدعم‭ ‬المادي‭ ‬واللوجستي‭ ‬والإعلامي‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬الوجودي‭ ‬أمام‭ ‬بشاعة‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬يتعرّض‭ ‬له‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الديني‭ ‬المساند‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬إسلامية‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يتفرج‭ ‬على‭ ‬الإبادة‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬نفسه‭ ‬الذليلة‭ ‬والخانعة‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬غزة‭!‬

{‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يصرخ‭ ‬ومن‭ ‬يتظاهر‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬وقفة‭ ‬دعم‭ ‬خيرية‭ ‬أو‭ ‬كلامية‭ ‬ليريح‭ ‬ضميره‭! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يشعر‭ ‬بالعجز‭ ‬المطلق‭ ‬أمام‭ ‬طغيان‭ ‬الوحشية‭ ‬والتفاهة‭ ‬في‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬التسمية‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬نظام‭ ‬عنصري‭ ‬وانتقائي‭ ‬واستعماري‭! ‬وهناك‭ ‬وهناك،‭ ‬ولكن‭ ‬فِعل‭ ‬الإبادة‭ ‬القاهرة‭ ‬مستمر،‭ ‬وعجلة‭ ‬الماكينة‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الدوران،‭ ‬لتحصد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬العشرات‭ ‬والمئات‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العدّاد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وحصد‭ ‬عشرات‭ ‬ومئات‭ ‬الآلاف‭ ‬بين‭ ‬شهداء‭ ‬ومصابين‭!‬

{‭ ‬غزة‭ ‬وضعت‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬نفسه،‭ ‬وأمام‭ ‬أكاذيب‭ ‬نظامه‭ ‬ونفاقه‭ ‬ودجله،‭ ‬وقليل‭ ‬حدّ‭ ‬الندرة‭ ‬هم‭ ‬الصادقون‭!‬

سقطت‭ ‬الإنسانية‭ ‬أمام‭ ‬أقدام‭ ‬الغربان‭ ‬وهي‭ ‬تنهش‭ ‬علم‭ ‬الكيان‭ ‬الهمجي‭! ‬وحتى‭ ‬الكلاب‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬مطاردة‭ ‬جنوده،‭ ‬بل‭ ‬وتحركت‭ ‬الفيروسات‭ ‬لتصيب‭ ‬العساكر‭ ‬الهمج‭ ‬بأمراض‭ ‬غامضة‭ ‬يتم‭ ‬التكتم‭ ‬عليها‭! ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬أصبح‭ ‬لها‭ ‬شرف‭ ‬المشاركة‭ ‬وهي‭ ‬تقاوم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الإنسان،‭ ‬علّه‭ ‬يستيقظ‭ ‬لاسترداد‭ ‬كرامته‭ ‬وضميره‭ ‬وإنسانيته‭!‬

{‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬اجتباهم‭ ‬الله‭ ‬أمام‭ ‬مرأى‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬نحسبهم‭ ‬يموتون‭ ‬وهم‭ ‬أحياء‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يُرزقون‭! ‬أرواح‭ ‬غزة‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬خالقها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الآخر،‭ ‬يوقنون‭ ‬أنهم‭ ‬ذاهبون‭ ‬إليه،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬فهم‭ ‬الموتى‭ ‬الحقيقيون‭ ‬ويحسبون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أحياء،‭ ‬ودرجة‭ ‬موتهم‭ ‬حسب‭ ‬موقفهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الامتحان‭ ‬العالمي‭ ‬الأصعب‭ ‬والكاشف‭!‬

وقد‭ ‬انفصلت‭ ‬أجسادهم‭ ‬عن‭ ‬أرواحهم،‭ ‬وضمائرهم‭ ‬عن‭ ‬قلوبهم،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬فيهم‭ ‬إلا‭ ‬بلاهة‭ ‬النظرة‭ ‬الزجاجية،‭ ‬تعكس‭ ‬الاستياء‭ ‬حولها،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬ولا‭ ‬تتفاعل‭ ‬معها‭! ‬لكأنهم‭ ‬ذهبوا‭ ‬بإرادة‭ ‬إلى‭ ‬الموات‭ ‬وقد‭ ‬فقدوا‭ ‬معنى‭ ‬وجودهم،‭ ‬ومعنى‭ ‬هويتهم‭ ‬القومية‭ ‬والدينية‭ ‬والإنسانية‭! ‬يراقبون‭ ‬ويراقبون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فِعل‭ ‬مُجدٍ‭! ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الخائر‭ ‬والمرتدّ‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬والفارغ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬محتوى‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬يزوّد‭ ‬الوحش‭ ‬بكل‭ ‬عتاد‭ ‬الوحشية،‭ ‬ويعتقد‭ ‬وهو‭ ‬خلف‭ ‬الميكروفونات‭ ‬أن‭ ‬مسرحيته‭ ‬الهزيلة‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭! ‬والخلاصة‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬أشرار‭ ‬وأخيار‭ ‬يدورون‭ ‬حول‭ ‬بؤرة‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬وقضيتها‭ ‬الكاشفة،‭ ‬وكلٌ‭ ‬يدور‭ ‬بطريقته‭!‬

غزة‭ ‬أصبحت‭ ‬معيارًا‭ ‬وميزانًا‭ ‬وأيقونة‭ ‬لبحث‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬وجوده‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا