العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

في Limbo أنت على حافة الجحيم

{ بقلم: سعاد عوض الله

السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

هنا‭ ‬في‭ ‬كوبر‭ ‬بيدي‭ ‬مدينة‭ ‬التعدين،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬السكان‭ ‬المحليون‭ ‬في‭ ‬مخابئ‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬وسط‭ ‬الصحراء‭ ‬الأكثر‭ ‬امتدادًا‭ ‬والأكثر‭ ‬جفافًا‭ ‬والأكثر‭ ‬اختلافًا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬استراليا،‭ ‬يقدّم‭ ‬لنا‭ ‬إيفان‭ ‬سين‭ ‬كمخرج‭ ‬وكاتب‭ ‬ومحرر‭ ‬وملحن‭ ‬ومصور‭ ‬سينمائي‭ ‬أفضل‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬

Limbo‭ ‬2023‭ ‬فيلم‭ ‬بارد‭ ‬مثير‭ ‬يتحدث‭ ‬حول‭ ‬الهوة‭ ‬الشاسعة‭ ‬بين‭ ‬كونك‭ ‬أسود‭ ‬أو‭ ‬أبيض‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬الأذى‭ ‬والألم‭ ‬والخسارة‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭.‬

إنها‭ ‬قصة‭ ‬جريمة‭ ‬مؤرقة‭ ‬حول‭ ‬العنصرية‭ ‬النظامية‭ ‬بين‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬والأستراليين‭ ‬البيض،‭ ‬بطولة‭ ‬سايمون‭ ‬بيكر‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬ترافيس‭ ‬هيرلي،‭ ‬وهو‭ ‬شرطي‭ ‬أسترالي‭ ‬يبدو‭ ‬منتهي‭ ‬الصلاحية‭ ‬ومدمن‭ ‬مخدرات‭ ‬تم‭ ‬إرساله‭ ‬إلى‭ ‬البلدة‭ ‬الصغيرة‭ (‬Limbo‭) ‬ليتبين‭ ‬إمكانية‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭  ‬قضية‭ ‬عمرها‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬تتعلق‭ ‬باختفاء‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬ولم‭ ‬تبد‭ ‬الشرطة‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬بالقضية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬فقد‭ ‬حاولوا‭ ‬وفشلوا‭ ‬بصعوبة‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المشتبه‭ ‬فيهم‭ ‬السود‭ (‬تشارلي‭) ‬وهو‭ ‬شقيق‭ ‬الفتاة‭ ‬المفقودة،‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مقطورة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬قاحلة‭ ‬مليئة‭ ‬بأكوام‭ ‬الطين،‭ ‬بينما‭ ‬سقطت‭ ‬الشكوك‭ ‬عن‭ (‬ليون‭) ‬المنَقّب‭ ‬الأبيض‭ ‬المعروف‭. ‬

ينطلق‭ ‬ترافيس‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬البلدة‭ ‬في‭ ‬حوارات‭ ‬متوترة،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬لديه‭ ‬ذكريات‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬أدير‭ ‬بها‭ ‬تحقيق‭ ‬الشرطة‭ ‬الأول،‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬ليمبو‭ ‬يعرف‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يقول‭ ‬فلا‭ ‬نسمع‭ ‬أبدًا‭ ‬القصة‭ ‬الكاملة‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شخص،‭ ‬بضع‭ ‬كلمات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬تشكل‭ ‬مجتمعةً‭ ‬نسيج‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬النائي‭ ‬بحياته‭ ‬الصعبة،‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬سين‭ ‬تاريخ‭ ‬جريمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الخطف‭ ‬أو‭ ‬القتل،‭ ‬ولا‭ ‬يجعلك‭ ‬تنتظر‭ ‬حلاً‭ ‬فليس‭ ‬هنالك‭ ‬لغز‭.‬

ما‭ ‬لا‭ ‬يفعله‭ ‬سين‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬جريمة‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬جريمة‭ ‬والتحقيق‭ ‬فيها‭ ‬واختتامها‭ ‬بالحل،‭ ‬فالجريمة‭ ‬الأصلية‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬البائسة‭ ‬كالقبور،‭ ‬هي‭ ‬ليمبو‭ ‬الغريبة‭ ‬وهي‭ ‬صوت‭ ‬مواعظ‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬المزعجة‭ ‬في‭ ‬الراديو،‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أتحدث‭ ‬إلى‭ ‬الشرطة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الشرطة‭ ‬البيضاء‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬تشارلي‭ ‬لترافيس،‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬الجريمة‭ ‬بكلّ‭ ‬ثقلها‭ ‬التاريخي‭.‬

يستخدم‭ ‬سين‭ ‬مجازات‭ ‬مألوفة‭ ‬لدراما‭ ‬الجريمة،‭ ‬لكنه‭ ‬يجردها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تحاول‭ ‬الإمساك‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما،‭ ‬هناك‭ ‬قسوة‭ ‬في‭ ‬إيقاعات‭ ‬تنقّل‭ ‬ترافيس‭ ‬بين‭ ‬المواقع،‭ ‬ومطاردة‭ ‬المشتبه‭ ‬بهم‭ ‬السابقين‭ ‬والاستماع‭ ‬إلى‭ ‬أشرطة‭ ‬المقابلات‭ ‬الأولية،‭ ‬هناك‭ ‬جاذبية‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬وكأنه‭ ‬جريمة‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭.‬

يضع‭ ‬سين‭ ‬شخصياته‭ ‬أمامك‭ ‬كشخصيات‭ ‬صغيرة‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬الصخرية‭ ‬مقابل‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬وتحت‭ ‬سماء‭ ‬أحادية‭ ‬اللون‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصوير‭ ‬الفيلم‭ ‬باللونين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬تلك‭ ‬الصحراء‭ ‬بلونها‭ ‬الأصفر‭ ‬المميز‭ ‬نراها‭ ‬ناصعة‭ ‬البياض‭ ‬وكأن‭ ‬الغبار‭ ‬الذي‭ ‬يعلوها‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬الثلوج،‭ ‬فلا‭ ‬تشعر‭ ‬بالحرارة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬الى‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬هرباً‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬برودة‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬الدائم‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬اختفاء‭ ‬شارلوت‭ ‬والمرتبط‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬بالعنصرية‭ ‬السافرة‭ ‬للشرطة‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الأسترالي‭ ‬الأوسع‭ ‬هناك‭ - ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬تشارلي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ - ‬‮«‬لو‭ ‬كانت‭ ‬شارلوت‭ ‬فتاة‭ ‬بيضاء‭ ‬لكان‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬اختفائها‭ ‬قصة‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا‮»‬‭.‬

التصوير‭ ‬السينمائي‭ ‬مذهل‭ -‬شاشة‭ ‬عريضة‭ ‬بالأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬مع‭ ‬لقطات‭ ‬جوية‭ ‬مميزة‭ ‬فوق‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬يفرز‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬البشر،‭ ‬فيجعلك‭ ‬تنغمس‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬الشخصيات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تشتيت‭ ‬الانتباه‭ ‬الملون،‭ ‬واللقطات‭ ‬كانت‭ ‬بالمجمل‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬اللقطات‭ ‬المقربة،‭ ‬فتدرك‭ ‬أن‭ ‬سين‭ ‬بذلك‭ ‬يعرف‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬ويثق‭ ‬بأثره‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لسيمون‭ ‬بيكر‭ ‬فيبدو‭ ‬أنه‭ ‬يفهم‭ ‬شخصيته‭ ‬تمامًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحركات‭ ‬المنهجية‭ ‬البطيئة‭ ‬ومشاهده‭ ‬الصامتة‭ ‬العديدة،‭ ‬تجده‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬الشاشة‭ ‬أحيانًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينطق‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة‭.‬

والنهاية‭ ‬ليست‭ ‬التي‭ ‬يتوقعها‭ ‬المشاهد،‭ ‬ولكنها‭ ‬تبدو‭ ‬حقيقية‭ ‬بشكل‭ ‬مدهش،‭ ‬إنه‭ ‬خيار‭ ‬شجاع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إيفان‭ ‬سين‭ ‬ومثير‭ ‬للجدل‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬الفيلم،‭ ‬فالجوهر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬وجود‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص،‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نلاحظها‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬نلاحظها،‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬سياسي‭ ‬بشدة‭ ‬وجميل‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السطوع‭ ‬للأبيض‭ ‬على‭ ‬طريقٍ‭ ‬صحراويٍّ‭ ‬سريع،‭ ‬واستمتع‭ ‬بالاتساع‭ ‬الهائل‭ ‬لحقل‭ ‬التعدين‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيته‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬مبتعدًا‭......  ‬كلقطة‭ ‬أخيرة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا