العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات.. الناقد والسَّرديات الثقافيّة

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ٠٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

كتاب‭ (‬الفكر‭ ‬الأدبيّ‭ ‬العربيّ‭: ‬البنيات‭ ‬والأنساق‭) ‬هو‭ ‬مقاربة‭ ‬نقدية‭ ‬للأكاديمي‭ ‬والناقد‭ ‬المغربي‭ ‬سعيد‭ ‬يقطين‭. ‬إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬النقدية‭ ‬تحمل‭ ‬رؤية‭ ‬يقطين‭ ‬بعد‭ ‬اشتغاله‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬على‭ ‬السَّرديات‭ ‬العربيّة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالفكر‭ ‬النقدي‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬تنظيراته‭ ‬وتطبيقاته‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬ليقطين‭ ‬أن‭ ‬أصدر‭ ‬دراسة‭ ‬سابقة‭ ‬له‭ ‬تحمل‭ ‬الرؤية‭ ‬العربيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬للسرد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬السَّرديات‭ ‬والتحليل‭ ‬السردي،‭ ‬الشكل‭ ‬والدلالة‭). ‬وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬لتتناول‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬المحدثين‭ ‬مع‭ ‬الأدب‭ ‬والدراسة‭ ‬الأدبية‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭. ‬ويقطين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬ينادي‭ ‬بدور‭ ‬جديد‭ ‬للأكاديمي‭ ‬الناقد‭ ‬عالم‭ ‬الأدب؛‭ ‬وهي‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬ناقد‭ ‬عربي‭ ‬أدبي‭ ‬ثقافي‭ ‬يتأسّس‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي،‭ ‬وينفتح‭ ‬على‭ ‬الاختصاصات‭ ‬العلمية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والطبيعية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬الأخرى‭ ‬والتفاعل‭ ‬معها‭ ‬بقوة‭ ‬واقتدار‭ ‬يؤهلانه‭ ‬لإنتاج‭ ‬‮«‬المعرفة‭ ‬الأدبية‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬تشكّل‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬متخذًا‭ ‬صورة‭ ‬الجامعي‭-‬الأكاديمي‭ (‬جرجي‭ ‬زيدان‭) ‬والجامعي‭-‬الأديب‭ (‬مصطفى‭ ‬صادق‭ ‬الرافعي‭) ‬ثم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الأديب‭ (‬طه‭ ‬حسين‭). ‬ويرى‭ ‬يقطين‭ ‬أنَّ‭ ‬اشتغال‭ ‬الناقد‭ ‬العربي‭ (‬المثقف‭) ‬بتاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬تفاعل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬النقد‭ ‬الغربي‭ ‬الحديث‭. ‬وكان‭ ‬عمله‭ ‬يرتكز‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬الثيمات‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬البنيوية‭ ‬ظلت‭ ‬الثيمات‭ ‬موضوعه‭ ‬الأساس‭. ‬ولهذا‭ ‬فإنَّ‭ ‬أطروحة‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬النقدية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬إشكالية‭ ‬أساسية‭ ‬هي‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬تصورنا‭ ‬للأدب‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬الغربية‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬لتكوين‭ ‬رؤية‭ ‬تاريخية‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬الأفكار‭ ‬الخاصة‭ ‬بالفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭.‬

إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬النقدية‭ ‬مهمة‭ ‬جدًا‭ ‬لأنها‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬نقدية‭ ‬مقترحة‭ ‬للمشهد‭ ‬النقدي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفكيكه‭ ‬وإعادة‭ ‬تركيبه؛‭ ‬فالأدوار‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الناقد‭ ‬العربيّ‭ ‬الحديث‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تختلف‭ ‬لو‭ ‬أردنا‭ ‬إنتاج‭ ‬معرفة‭ ‬نقدية‭ ‬عربية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬التلقي‭ ‬السلبي‭ ‬لأطروحات‭ ‬النظرية‭ ‬النقدية‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬فهم‭ ‬ثقافي‭ ‬حقيقي‭ ‬للتفاعل‭ ‬بين‭ ‬الآداب‭ ‬الغربية‭ ‬والآداب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الانفتاح‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬المتعددة‭ ‬الاختصاصات‭.‬

تتكون‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬النقدية‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبواب؛‭ ‬الباب‭ ‬الأول‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬فصول‭ ‬ويبحث‭ ‬إشكالية‭ ‬أزمة‭ ‬الدراسات‭ ‬الأدبية‭ ‬الحديثة‭ ‬كانت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬لرصد‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لتكوين‭ ‬فكرة‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬وجاء‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬استكمالاً‭ ‬للفصل‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توقفه‭ ‬عند‭ ‬ثلاث‭ ‬حقب‭ ‬كبرى‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬‮»‬الثيمات‮»‬‭ ‬Themes‭ ‬إلى‭ ‬البنياتStructures‭  ‬إلى‭ ‬الأنساق‭ ‬systemes‭. ‬وفي‭ ‬الباب‭ ‬الثاني‭ ‬وقف‭ ‬الناقد‭ ‬عند‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬الأدبية‮»‬‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتصالها‭ ‬بالنقد‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وتفاعلها‭ ‬مع‭ ‬التراث‭ ‬النقدي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬للوقوف‭ ‬عند‭ ‬معنى‭ ‬الأدب‭ ‬وتاريخه‭ ‬وأجناسه‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬مع‭ ‬زيدان‭ ‬والرافعي‭. ‬أمّا‭ ‬الباب‭ ‬الثالث‭ ‬فقد‭ ‬جعله‭ ‬الناقد‭ ‬خالصًا‭ ‬للتطبيق‭ ‬والممارسة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬اشتغالها‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬العربي‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬أطروحة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

‭- ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الرؤية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نؤسس‭ ‬فكرنا‭ ‬الأدبي‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬علمية‭ ‬وفلسفية‭ ‬وتقنية‭.‬

‭- ‬ربط‭ ‬الفكر‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭- ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مكانة‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

‭- ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬للمعلومات‭ ‬والتواصل‭.‬

كتاب‭ ‬‮«‬الفكر‭ ‬الأدبيّ‭ ‬العربيّ‮»‬‭ ‬لسعيد‭ ‬يقطين‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نقد‭ ‬التلقي‭ ‬العربيّ‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬للنظريات‭ ‬النقدية‭ ‬الغربية‭ ‬باختلاف‭ ‬مرجعياتها‭ ‬الفلسفية‭ ‬واللغوية‭ ‬والفكرية‭. ‬والناقد‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬‮«‬النقد‭ ‬الأدبي‮»‬‭ ‬قاصًرا‭ ‬عن‭ ‬الإلمام‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتفكير‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ (‬باعتباره‭ ‬إبداعًا‭) ‬وبالاشتغال‭ ‬به‭. ‬و«الفكر‭ ‬الأدبي‮»‬‭ ‬عنده‭ ‬متسع‭ ‬لممارسات‭ ‬النظريات‭ ‬الأدبية‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والعلم‭ ‬الأدبي‭ ‬وفلسفة‭ ‬الأدب،‭ ‬وبإمكان‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬المؤسس‭ ‬على‭ ‬خلفيات‭ ‬معرفية‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وإنشاء‭ ‬علائق‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والمجتمع‭. ‬وقد‭ ‬وقف‭ ‬الباحث‭ ‬عند‭ ‬النقد‭ ‬التطبيقي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البنيوية‭ ‬مع‭ ‬تحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬الشعري‭ ‬وتحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي،‭ ‬كما‭ ‬وقف‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬البنيوية‭ ‬مثل‭ ‬محمد‭ ‬مفتاح‭ ‬وعبدالله‭ ‬الغذَّامي‭.‬

يؤسّس‭ ‬سعيد‭ ‬يقطين‭ ‬لمفهوم‭ ‬جديد‭ ‬لوظيفة‭ ‬الناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬مفاهيم‭ ‬الدراسات‭ ‬التطبيقية‭ ‬البحتة‭ ‬التي‭ ‬تقطع‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬عن‭ ‬علائقه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬يؤسّس‭ ‬مفهومًا‭ ‬جديًدا‭ ‬للناقد‭ ‬الثقافي‭ ‬كما‭ ‬يفهمه‭ ‬هو‭. ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إليها‭ ‬الآن‭ ‬كثيرًا‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬اقتصار‭ ‬النقد‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬تلقي‭ ‬النظريات‭ ‬النقدية‭ ‬الغربية‭ ‬الحديثة‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬إضافات‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬باستثناء‭ ‬مساهمة‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬الاستشراقية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النظريات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالية‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنَّ‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬سيبقى‭ ‬عصيًّا‭ ‬على‭ ‬التصنيف‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بهويته‭ ‬المتعددة‭ ‬ثقافيًّا‭.‬

 

{  أستاذة‭ ‬السَّرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث

‭ ‬المشارك،‭ ‬كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا