العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

سـرديـات:السَّرديات الصغرى!

بقلم: د. ضياء عبدالله الكعبي

السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

جوديث‭ ‬بتلر‭ ((‬Judith‭ ‬Bulter‭ ‬هي‭ ‬أستاذة‭ ‬البلاغة‭ ‬والدراسات‭ ‬المقارنة‭ ‬بجامعة‭ ‬كاليفورنيا‭/ ‬بيركلي؛‭ ‬وهي‭ ‬معنية‭ ‬بتلك‭ ‬التقاطعات‭ ‬التي‭ ‬تتمُّ‭ ‬بين‭ ‬الدراسات‭ ‬البلاغيّة‭ ‬والأدبيّة‭ ‬المقارنة،‭ ‬والتاريخانيّة‭ ‬الجديدة،‭ ‬والتحليل‭ ‬النفسي،‭ ‬والتأويل،‭ ‬والدراسات‭ ‬الفلسفيّة‭ (‬عند‭ ‬نيتشه،‭ ‬وهيغل،‭ ‬وفوكو،‭ ‬وأدورنو،‭ ‬وليفيناس‭). ‬إنَّ‭ ‬أطروحة‭ ‬كتابها‭ (‬الذات‭ ‬تصف‭ ‬نفسها‭) ((‬Giving‭ ‬an‭ ‬Account‭ ‬of‭ ‬Oneself‭ ‬هي‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬تأمُّل‭ ‬تجاربنا‭ ‬الذاتية‭ ‬لا‭ ‬بوصفها‭ ‬حدثَا‭ ‬شخصيًا‭ ‬بل‭ ‬بوصفها‭ ‬واقعة‭ ‬مشتبكة‭ ‬اشتباك‭ ‬تأثُّر‭ ‬وتأثير،‭ ‬وتشكُّل‭ ‬وتشكيل‭ ‬مع‭ ‬التجربة‭ ‬الأخلاقيّة‭ ‬والتاريخيّة‭ ‬المحتدمة‭ ‬التي‭ ‬نُعدُ‭ ‬جميعًا‭ ‬شهودًا‭ ‬عليها‭. ‬ولا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬أسئلة‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬وإشكالياتها‭ ‬والتباساتها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬عميقة‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬المقاربات‭ ‬النقدية‭ ‬المعمَّقة‭ (‬أذكر‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الاستشهاد‭ ‬منجزي‭ ‬الناقدين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬جورج‭ ‬ماي‭ ‬وفيليب‭ ‬لوغون‭).‬

أرادت‭ ‬بتلر‭ ‬تفكيك‭ ‬الذات‭ ‬عندما‭ ‬تسرد‭ ‬نفسها،‭ ‬ولذلك‭ ‬قسّمت‭ ‬منجزها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام؛‭ ‬ففي‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬تناولت‭ ‬وصف‭ ‬الذات‭ ‬وأثارت‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الهيجيلية‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬‮«‬من‭ ‬أنت؟‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬تناولت‭ ‬حدود‭ ‬العنف‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لـ«أنا‮»‬‭ ‬و«الأنت‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬القسم‭ ‬الثالث‭ ‬تناولت‭ ‬المسؤولية‭ ‬بين‭ ‬لابلانش‭ ‬وليفينياس‭ ‬وأدورنو‭ ‬وميشيل‭ ‬فوكو‭. ‬لم‭ ‬تفصل‭ ‬بتلر‭ ‬الذات‭ ‬عن‭ ‬بيئتها‭ ‬المعيارية‭ ‬والتاريخيّة‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬تكوُّن‭ ‬الذات،‭ ‬وعلاقة‭ ‬هذا‭ ‬التكوُّن‭ ‬بالأخلاق‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬فلسفة‭ ‬الأخلاق‭ ‬ومفهوم‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬الركائز‭ ‬التأسيسيّة‭ ‬التي‭ ‬صدر‭ ‬عنها‭ ‬الفيلسوف‭ ‬هيغل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬فينومينولوجيا‭ ‬الروح‭) ‬النص‭ ‬المؤسِّس‭ ‬الذي‭ ‬انطلقت‭ ‬منه‭ ‬بتلر‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الأسئلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الهيغيلية‭ ‬في‭ ‬صيرورة‭ ‬عملية‭ ‬اعتراف‭ ‬الذات‭. ‬كما‭ ‬شكَّل‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والمفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو‭ ‬عنصر‭ ‬الإلهام‭ ‬لبتلر؛‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬فوكو‭ ‬فهم‭ ‬نيتشه‭ ‬لتشكّل‭ ‬الذات‭ ‬بوصفها‭ ‬نتاج‭ ‬عقاب‭ ‬فحسب،‭ ‬ليركز‭ ‬على‭ ‬الإبداعية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تنخرط‭ ‬فيها‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وعلى‭ ‬الشفرات‭ ‬الخلقية‭ ‬بوصفها‭ ‬شفرات‭ ‬سلوك‭ ‬لا‭ ‬شفرات‭ ‬عقاب‭. ‬إنَّ‭ ‬الذات،‭ ‬وفقًا‭ ‬لفوكو،‭ ‬منكشفة‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬انكشافًا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬عتمتها‭ ‬التي‭ ‬تهدّد‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬وصف‭ ‬لنفسها‭. ‬وختامًا‭ ‬أقول‭ ‬إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬مقاربات‭ ‬مغايرة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬وصف‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬عندما‭ ‬تسرد‭ ‬نفسها،‭ ‬وذلك‭ ‬بصدوره‭ ‬عن‭ ‬مداخل‭ ‬فلسفيّة‭ ‬ونفسيّة‭. ‬وعندما‭ ‬نقول‭ ‬إنَّ‭ ‬الذات‭ ‬تسرد‭ ‬نفسها‭ ‬يندغم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬سرد‭ ‬الأفراد‭ ‬وسرد‭ ‬الجماعات‭ ‬الإنسانيّة‭ (‬التواريخ‭ ‬الفردية‭ ‬الصغيرة‭ ‬والسَّرديات‭ ‬الصغرى‭ ‬Macro‭ ‬Narratives‭ ‬والتواريخ‭ ‬الجماعيّة‭ ‬والسَّرديات‭ ‬الكبرىGrand‭ ‬Narratives‭. ‬أنجز‭ ‬الترجمة‭ ‬العربيّة‭ ‬للكتاب‭ ‬الأكاديميّ‭ ‬العراقيّ‭ ‬فلاح‭ ‬رحيم،‭ ‬دار‭ ‬التنوير‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر،‭ ‬إصدارات‭ ‬جامعة‭ ‬الكوفة‭.‬

{ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬

الحديث‭ ‬المشارك‭ ‬كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا