العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ظلمات فوق ظلمات!

{‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الأخير،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬وصفه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية،‭ ‬وحيث‭ ‬الفتن‭ ‬تتراكم‭ ‬فوق‭ ‬بعضها‭ ‬وكأنها‭ ‬ظلمات‭ ‬فوق‭ ‬ظلمات؟‭! ‬وكما‭ ‬جاء‭ ‬ذات‭ ‬الوصف‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬حول‭ ‬أعماق‭ ‬البحار،‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬علومه‭ ‬المتطوّرة‭ ‬الراهنة‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أعمق‭ ‬أعماقها،‭ ‬مثلما‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬خلفيات‭ ‬وأغوار‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬فتن‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬الراهن‭! ‬ولكأن‭ ‬العالم‭ ‬يخرج‭ ‬بوجهيه‭ ‬‮«‬الظاهر‭ ‬والباطن‮»‬‭ ‬معًا‭ ‬حتى‭ ‬تحوّل‭ ‬المظهر‭ ‬الخارجي‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬ديكور‭ ‬هشّ‮»‬‭ ‬تُطل‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬حُجُبه‭ ‬‮«‬وجه‭ ‬الخفاء‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تركل‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية‭! ‬أو‭ ‬لكأنه‭ ‬الامتحان‭ ‬العسير‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬فيه‭ ‬التمحيص‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشرّ‭ ‬مفترقات‭ ‬خطيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬وقد‭ ‬لبس‭ ‬الشرّ‭ ‬لباس‭ ‬الخير‭ ‬‮«‬ظاهريا‮»‬‭ ‬ليمارس‭ ‬حقيقته‭ ‬الشرّيرة‭ ‬في‭ ‬سراديب‭ ‬الظلام‭ ‬وهو‭ ‬يتلاعب‭ ‬بالبشر‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نعايشه،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البلد‭ ‬الواحد‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬كلها،‭ ‬ندرك‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ (‬انقلابًا‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭)‬،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬تسميته‭ ‬بالانقلاب‭ ‬أو‭ ‬التغيرّ‭ ‬المناخي‭! ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬الدولية‭ ‬والعالمية‭ ‬التي‭ ‬تنبئ‭ ‬بصدمات‭ ‬كارثية‭ ‬قادمة‭! ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬حال‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬تتصاعد‭ ‬أوضاعها‭ ‬مأساويًا،‭ ‬وتتزايد‭ ‬التحديات‭ ‬والتهديدات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭! ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وقيمه‭ ‬وأخلاقياته‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬الصحة‭ ‬والأمراض‭ ‬والفيروسات،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬الترصّد‭ ‬لتعداده‭ ‬السكاني‭! ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬يحذر‭ ‬منه‭ ‬الخبراء‭ ‬والعلماء‭ ‬من‭ ‬مزاحمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته‭! ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يواجهه‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬وما‭ ‬بعده‭!‬

{‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬تختلط‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬الأوراق‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬بين‭ ‬علوم‭ ‬زائفة‭ ‬وعلوم‭ ‬حقيقية‭ ‬تم‭ ‬ازدراؤها‭ ‬وتهميشها‭!‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والجيواسترتيجي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فخارطة‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‮»‬‭ ‬تتمزق‭ ‬كل‭ ‬يوم‭! ‬لنكتشف‭ ‬حجم‭ ‬الزيف‭ ‬والخداع‭ ‬وتعدّد‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬المحكوم‭ ‬من‭ ‬‮«‬طغمة‭ ‬عالمية‭ ‬شريرة‮»‬،‭ ‬تتلذّذ‭ ‬بالانهيارات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وكأنها‭ ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬لهيمنتها‭ ‬وسطوتها‭! ‬فما‭ ‬يهمها‭ ‬هي‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬تكتنز‭ ‬بها‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬ونفط‭ ‬ومعادن‭ ‬ثمينة،‭ ‬ومن‭ ‬ثروات‭ ‬أخرى‭ ‬تتبلور‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬أحجار‭ ‬كريمة‭! ‬أما‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأما‭ ‬البشرية‭ ‬فهما‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬جدول‭ ‬اهتماماتها‭ ‬والأرخص‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭!‬،‭ ‬والدليل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب‭ ‬وكوارث‭ ‬وتلاعب‭ ‬بالبيئة‭ ‬وبالصحة‭ ‬وبالفيروسات‭ ‬وبالمناخ‭ ‬وكلها‭ ‬تُصنف‭ ‬تحت‭ ‬‮«‬التجارب‭ ‬العلمية‭ ‬المضرّة‮»‬‭!‬

{‭ ‬لعل‭ ‬البعض‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬رؤية‭ ‬سوداوية،‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البعض‭ ‬يريد‭ ‬طمأنة‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬قشور‭ ‬الحضارة‭ ‬الراهنة،‭ ‬من‭ ‬تطوّر‭ ‬علمي‭ ‬وتكنولوجي،‭ ‬واعتبار‭ ‬أن‭ (‬الفوضى‭) ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬بأطنابها‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬والإنسان‭ ‬والطبيعة،‭ ‬هي‭ ‬ضريبة‭ ‬طبيعية‭ ‬للتطوّر‭! ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬بالإمكان‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يبلغ‭ ‬الشرّ‭ ‬طغيانه‭ ‬الراهن‭! ‬ولم‭ ‬يبلغ‭ ‬‮«‬العبث‭ ‬المتعمّد‮»‬‭ ‬من‭ ‬أيادي‭ ‬الشرّ،‭ ‬الزهو‭ ‬الذي‭ ‬تعلنه،‭ ‬وهي‭ ‬تحّدث‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬والإنسان‭ (‬عمليات‭ ‬الجرف‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭) ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬واستخدام‭ ‬العلم‭ ‬والتطور‭ ‬لغايات‭ ‬الهدم‭ ‬وليس‭ ‬البناء‭! ‬وهي‭ ‬تُغيب‭ ‬الإنسان‭ ‬وتمسح‭ ‬عقله‭ ‬وروحه‭ ‬بفوضى‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬سابقة‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭! ‬فيما‭ ‬‮«‬القطيع‭ ‬البشري‮»‬‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬الصحو‭ ‬واليقظة‭ ‬من‭ ‬الكابوس،‭ ‬حتى‭ ‬تتغيرّ‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬حوله‭ ‬فيعود‭ ‬إلى‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬منامه‭ ‬وكابوس‭ ‬جديد‭!‬

{‭ ‬تحديدًا‭ ‬إن‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬هما‭ ‬الأكثر‭ ‬استهدافًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬نخبة‭ ‬الشرّ‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬لأن‭ (‬شيطانهم‭ ‬المعبود‭) ‬يرى‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬وجهه‭ ‬الحقيقي،‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬الصحيح‮»‬‭! ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬إضعافه‭ ‬وتفتيته،‭ ‬حتى‭ ‬تسود‭ ‬قوانينه‭ ‬وقيمه‭ ‬الشيطانية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬من‭ ‬لا‭ ‬يُصدق‭ ‬هذا‭ ‬فليعد‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الأدبيات‭ ‬والأجندات‭ ‬الصهيونية‭ ‬والماسونية،‭ ‬ليعرف‭ ‬كيف‭ ‬ينظر‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬كمعرقل‭ ‬حقيقي‭ ‬وأخير‭ ‬لسيادة‭ (‬قانون‭ ‬الظلام‭ ‬وقيمه‭) ‬على‭ ‬العالم‭!‬

{‭ ‬ليست‭ ‬الثروات‭ ‬والنفط‭ ‬والغاز‭ ‬والمعادن‭ ‬والموقع‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يراد‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والروح‭ ‬والدين‭ ‬والامتداد‭ ‬والإرث‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭ ‬هي‭ ‬كلها‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬السهام‭ ‬المسمومة‭ ‬والقاتلة‭! ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬حجم‭ ‬ونوع‭ ‬ما‭ ‬يهدّدها،‭ ‬وتتمتع‭ ‬برؤية‭ ‬حديدية‭ ‬لمعرفة‭ ‬حقائق‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولها‭ ‬وفيها،‭ ‬فإنها‭ ‬ستبقى‭ ‬متدحرجة‭ ‬في‭ ‬الأنفاق‭ ‬المظلمة‭! ‬ديننا‭ ‬وقرآننا‭ ‬والسنة‭ ‬النبوية‭ ‬الصحيحة،‭ ‬كلها‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬الظلمات‭ ‬وطريق‭ ‬النور،‭ ‬فمن‭ ‬أضاع‭ ‬طريقه‭ ‬المضيء‭ ‬ونسي‭ ‬عظمة‭ ‬دينه‭ ‬وحضارته‭ ‬وتاريخه‭ ‬وأسس‭ ‬هويته‭ ‬وقيمه‭ ‬وتعاليم‭ ‬خالقه،‭ ‬فدروب‭ ‬الظلام‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحاصره‭ ‬وتقوده‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليه‭ ‬وتنسيه‭ ‬هدف‭ ‬وجوده‭ ‬وحقيقة‭ ‬روحه‭! ‬هكذا‭ ‬أخبرنا‭ ‬ديننا‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬أعداؤنا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نعرفه‭ ‬نحن‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭ ‬مثلما‭ ‬يعرفون‭ ‬سرّ‭ ‬قوتنا‭ ‬أو‭ ‬ضعفنا‭! ‬فمن‭ ‬الذي‭ ‬يُكسِر‭ ‬الحلقات‭ ‬الحديدية؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا