العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

كيف تقرأ الدّمى الروايات؟

بقلم: جعفر يعقوب

السبت ٠٨ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

ليس‭ ‬هناك‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬رواية‭! ‬فالمتن‭ ‬الروائي‭ ‬تدريب‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬والحواجز‭ ‬وتحدي‭ ‬رؤية‭ ‬العالم‭ ‬المفروضة‭ ‬علينا‭. ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬فهمنا‭ ‬لعبة‭ ‬القراءة،‭ ‬وتسلحنا‭ ‬بأدواتها‭ ‬بوعي‭ ‬برغم‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬قرأنا،‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نقرأ‭ ‬شيئا‭.. ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬ألبرتو‭ ‬مانغويل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬فن‭ ‬القراءة‮»‬‭ ‬ليعلمنا‭ ‬كيف‭ ‬نقرأ‭! ‬فنكتشف‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬جادة‭ ‬مسار‭ ‬آخر،‭ ‬وعيوننا‭ ‬تحدق‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬النص‭! ‬وتغازل‭ ‬الكلمات،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المتعة‭. ‬حينئذ‭ ‬نحتاج‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬نقرأ‭!‬

لقد‭ ‬تعلمنا‭ ‬الأبجدية‭ ‬ثم‭ ‬تعلمنا‭ ‬قراءة‭ ‬سطح‭ ‬النص،‭ ‬وحين‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬تعلّم‭ ‬القراءة‭ ‬المعمّقة‭ - ‬توقفنا‭. ‬صار‭ ‬هدفنا‭ ‬نقرأ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬السطح،‭ ‬ونردد‭ ‬النظريات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والكلمات‭ ‬بطريقة‭ ‬آلية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نبذل‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬لفض‭ ‬بكارة‭ ‬السطح‭ ‬واكتشاف‭ ‬الكنوز‭ ‬المخبوءة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المغارة‭.‬

يصدمنا‭ ‬السؤال‭ ‬لمراجعة‭ ‬صريحة،‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬اكتشافات‭ ‬أخرى‭ ‬مازالت‭ ‬طي‭ ‬الكتمان‭ ‬مثل‭ ‬أسرار‭ ‬مستودعة،‭ ‬وعلينا‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تخوم‭ ‬الكتب‭ ‬ومجاهيل‭ ‬المكتبات؟‭ ‬لا‭ ‬ريب‭.‬

أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬بينوكيو‭ ‬لكلودّي‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬قرأت‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬ما‭ ‬نغويل‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تعلم‭ ‬بينوكيو‭ ‬القراءة؟‮»‬‭ ‬أدركت‭ ‬أنني‭ ‬مازلت‭ ‬أقرأ‭ ‬سطح‭ ‬النص،‭ ‬ولم‭ ‬أتجاوزه،‭ ‬وأن‭ ‬عليّ‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬من‭ ‬جديد؛‭ ‬لأكتشف‭ ‬الجواهر‭ ‬المدفونة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬تلك‭ ‬الكتب

ليس‭ ‬هذا‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬يستوجب‭ ‬علينا‭ ‬التأمل‭ ‬فيما‭ ‬نكتب‭ ‬ونقدمه‭ ‬وجبة‭ ‬ثقافية‭ ‬للقراء،‭ ‬هل‭ ‬نخفي‭ ‬تحت‭ ‬السطح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جدير‭ ‬بالتأمل،‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬ثرثرة‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أحداثا‭ ‬فضّاء‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬لنفهم‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونفهم‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬محيطنا‭.‬

هل‭ ‬يتجاسر‭ ‬النقد‭ ‬علينا‭ ‬حتى‭ ‬يصنفنا‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الطابور؟‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يولي‭ ‬الآخرون‭ ‬كتاباتنا‭ ‬بجدية،‭ ‬ولا‭ ‬يتعاطون‭ ‬معها‭ (‬كروايات‭ ‬جادة‭)‬؟

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬ليست‭ ‬نتاج‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وحسب،‭ ‬فما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عنه‭ ‬جادين‭ ‬هو‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تغيّر‭ ‬طريقة‭ ‬تعاطينا‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬والأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬وتحرك‭ ‬عقولنا‭ ‬نحو‭ ‬تقليب‭ ‬المعرفة‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬السطح‭! ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الهرولة‭ ‬وراء‭ ‬الأسماء‭ ‬والعناوين‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬بأمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬الكيف‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬تفكيرنا‭ ‬وفهم‭ ‬أنفسنا‭ ‬وما‭ ‬حولنا‭ ‬بوعي‭.‬

والخلاصة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ألبرتو‭ ‬مانغويل‭ ‬‮«‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعلم‭ ‬القراءة‭ ‬بطرق‭ ‬أخرى‭ ‬مغايرة؛‭ ‬للذهاب‭ ‬أبعد‭ ‬وأعمق،‭ ‬والتحلي‭ ‬بالشجاعة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مخاوفنا‭ ‬وشكوكنا‭ ‬وأسرارنا‭ ‬الدفينة،‭ ‬وطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬طرق‭ ‬عمل‭ ‬المجتمع‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أنفسنا‭ ‬وإلى‭ ‬العالم؛‭ ‬لكي‭ ‬نتعلم‭ ‬التفكير‭. ‬قد‭ ‬يصير‭ ‬بينوكيو‭ ‬صبيا‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬مغامراته،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يفكر‭ ‬مثل‭ ‬دمية‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا