العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

سوريا على خطى العودة!

{‭ ‬بعد‭ ‬12‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬تجميد‭ ‬عضوية‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬صدر‭ ‬قرار‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬بآلية‭ ‬‮«‬خطوة‭ ‬مقابل‭ ‬خطوة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬مسدودة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عاثت‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ (‬تركيا‭ ‬وإيران‭) ‬وتمكنت‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ (‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬وروسيا‭) ‬من‭ ‬فرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬ولكل‭ ‬مصالحه‭! ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬بعيدين‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تواصلت‭ ‬إقامتها‭ ‬لحلّ‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية‭!‬

{‭ ‬لماذا‭ ‬تمّ‭ ‬إبعاد‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬العربي؟‭ ‬ولماذا‭ ‬طال‭ ‬هذا‭ ‬الإبعاد‭ ‬ليتجاوز‭ ‬عقدًا‭ ‬من‭ ‬الزمن؟‭! ‬ولماذا‭ ‬تمّ‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إعادته؟‭! ‬هنا‭ ‬تختلف‭ ‬التحليلات‭ ‬وتتضارب‭ ‬الرؤى‭ ‬والتفسيرات‭! ‬ولكن‭ ‬النتيجة‭ ‬القاسية‭ ‬أن‭ ‬بلدًا‭ ‬عربيًا،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فيه‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وغيرها‭ ‬كمثال،‭ ‬ومع‭ ‬انكشاف‭ ‬الأجندات‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬تحديدًا،‭ ‬في‭ ‬الركوب‭ ‬على‭ ‬موجة‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬بـ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬غير‭ ‬إفشال‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬وإسقاطها،‭ ‬وتمهيدها‭ ‬للتقسيم‭! ‬وجعلها‭ ‬بؤرة‭ ‬للصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬والاحتراب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مليشيات‭ ‬دخيلة،‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬يتبع‭ ‬جهة‭ ‬غير‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬لها‭ ‬مليشيات‭ ‬أخرى‭!‬،‭ ‬فأصيب‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬مقتل‭! ‬وتمّ‭ ‬تدمير‭ ‬البلد‭ ‬وتشريد‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬السوريين،‭ ‬بين‭ ‬لاجئ‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬الموت،‭ ‬أو‭ ‬نازح‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭!‬

ولم‭ ‬يتحقق‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬مما‭ ‬أراده‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬بسبب‭ ‬تداخل‭ ‬أجندات‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭! ‬حتى‭ ‬فاق‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬إبعاد‭ ‬سوريا،‭ ‬بنظامها‭ ‬ذاته،‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭!‬

{‭ ‬بعد‭ ‬12‭ ‬عامًا،‭ ‬وبقرار‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬تمّ‭ ‬وضع‭ ‬سوريا‭ ‬مجددًا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬العربي‭! ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬القرار‭ ‬الأول‭ ‬بالإبعاد‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجيًّا؟‭! ‬هل‭ ‬استفاد‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬2011؟‭! ‬ولماذا‭ ‬استماتت‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬العودة؟‭!‬

ولماذا‭ ‬رفضت‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬تورطتّ‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬السورية‭ ‬واستماتت‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬قرار‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية؟‭!‬

ستبقى‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬رغم‭ ‬وضوح‭ ‬أسس‭ ‬الإجابة‭ ‬عنها،‭ ‬رهينة‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬وخطوة‭ ‬مقابل‭ ‬خطوة‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حلم‭ ‬فيه‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬بالتغيير‭ ‬وتحقيق‭ ‬مطالب‭ ‬شرعية‭ ‬وعادلة‭ ‬له،‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬التشرّد‭ ‬والإفقار‭ ‬واقتسام‭ ‬أراضيه‭! ‬بل‭ ‬والتغيير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬واللعب‭ ‬على‭ ‬هويته،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬لسردها‭!‬

هل‭ ‬تمكنت‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬التي‭ ‬انقسمت‭ ‬ولاءاتها‭ ‬وتمويلها‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬وتلك،‭ ‬وهذه‭ ‬القوة‭ ‬الدولية‭ ‬وتلك‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬شتاتها‭ ‬وتوحيد‭ ‬رؤيتها؟‭! ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬بعضها‭ ‬كفصائل‭ ‬وقوى‭ ‬داخلية،‭ ‬استمرأ‭ ‬بعضها‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬فنادق‭ ‬الدول‭ ‬الداعمة‭ ‬لها،‭ ‬لتضيع‭ ‬بين‭ ‬صفوفها‭ (‬المعارضة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحقيقية‭) ‬التي‭ ‬تاهت‭ ‬بدورها‭ ‬وتاهت‭ ‬بوصلتها،‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬ومعارضة‭ ‬الفنادق،‭ ‬فكانت‭ ‬الأضعف‭ ‬بين‭ ‬الصفوف‭! ‬فيما‭ ‬بقي‭ ‬النظام‭ ‬حاميًا‭ ‬لنفسه،‭ ‬بما‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬السورية،‭ ‬بقوى‭ ‬إقليمية‭ ‬‮«‬إيران‮»‬‭ ‬ودولية‭ ‬‮«‬روسيا‮»‬‭!‬،‭ ‬فيما‭ ‬تمركزت‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬النفطية‭ ‬لتواصل‭ ‬نهب‭ ‬الثروات‭ ‬وعينها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬النفط،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬الغاز‭ ‬وباقي‭ ‬الثروات‭! ‬فيما‭ ‬تركيا‭ ‬عينها‭ ‬على‭ ‬اقتطاع‭ ‬الشمال‭ ‬السوري،‭ ‬وإيران‭ ‬تبادل‭ ‬ديونها‭ ‬باقتطاع‭ ‬أراضٍ‭ ‬سورية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬وتخريب‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬للسوريين،‭ ‬بما‭ ‬أقامته‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬ومآتم‭ ‬وطقوس‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوريا‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬مثيلاً‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭!‬

{‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬السنوات‭ ‬اتضحّ‭ ‬أن‭ ‬تشتت‭ ‬المعارضة‭ ‬والارتزاق‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬بتسمية‭ ‬المعارضة،‭ ‬كانت‭ ‬سببًا‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الضباب‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أحاط‭ ‬بها‭! ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ (‬بُعد‭ ‬وطني‭ ‬جامع‭)‬،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المطالب‭ ‬المرفوعة،‭ ‬حتى‭ ‬ضاعت‭ ‬بين‭ ‬الأرجل،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬تضحيات‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬‮«‬المعارضة‭ ‬الوطنية‭ ‬الحقيقية‮»‬،‭ ‬وساعد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ابتعاد‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الحوارات‭ ‬الدائرة‭ ‬لحلّ‭ ‬الأزمة‭ ‬السورية،‭ ‬التي‭ ‬تلاعبت‭ ‬بها‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬كما‭ ‬تشاء،‭ ‬لتطول‭ ‬الأزمة‭ ‬وتتفنن‭ ‬في‭ ‬إدارتها‭ ‬كأزمة‭ ‬وليس‭ ‬حلها‭!‬

{‭ ‬المشهد‭ ‬السوري‭ ‬عانى‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬الرؤية،‭ ‬سواء‭ ‬لدى‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬المعارضة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬استباحة‭ ‬الأرض‭ ‬السورية،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬فعلاً‭ ‬مستمرًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ردّ‭!.. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬قرار‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬قد‭ ‬تأخر‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وتأخرّه‭ ‬دلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬العربية‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬ضعيفة‭! ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬بحجم‭ ‬المخططات‭ ‬التي‭ ‬هدفت‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭!‬،‭ ‬والشروط‭ ‬الموضوعة‭ ‬للعودة‭ (‬برجوع‭ ‬اللاجئين‭ ‬وضمان‭ ‬أمنهم،‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وخروج‭ ‬المليشيات‭) ‬كلها‭ ‬مرهونة‭ ‬بقدرة‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭! ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬الأوطان‭ ‬تبقى‭ ‬ومن‭ ‬أساء‭ ‬أو‭ ‬أجرم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬وطنه‭ ‬يرحل‭! ‬وما‭ ‬يريده‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬هو‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتحقيق‭ ‬مطالبه‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬العدالة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والحرية‭ ‬والحقوق‭! ‬فهل‭ ‬سيتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬قريبًا‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬سيخضع‭ ‬بدوره‭ ‬لرؤية‭ ‬خطوة‭ ‬خطوة؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا