العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

تغيير الهوية المصاب الأخطر!

{‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تتعدد‭ ‬وتتنوع‭ ‬فيه‭ ‬الهويات‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬وكل‭ ‬شعب‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الأقليات،‭ ‬تفخر‭ ‬بخصوصية‭ ‬هويتها،‭ ‬وتستعرض‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬ثقافتها‭ ‬وعاداتها‭ ‬وتقاليدها،‭ ‬وكأنها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬بصمتها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬بصمات‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭ ‬والأمم‭ ‬المختلفة‭!‬

حتى‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬الأكثر‭ ‬انفتاحا‭ ‬على‭ ‬التطورات‭ ‬والتغيرات،‭ ‬وتعتنق‭ ‬الليبرالية‭ ‬والنيوليبرالية‭ ‬والعلمانية‭ ‬والرؤية‭ ‬المادية‭ ‬كالغرب‭ ‬تفخر‭ ‬وتعتز‭ ‬بتقاليدها‭ ‬وعاداتها‭ ‬القديمة‭! ‬وتعدها‭ ‬امتدادًا‭ ‬لوجودها‭ ‬وسلالتها‭ ‬ونمطها‭ ‬الثقافي‭ ‬القديم‭! ‬لذلك‭ ‬جاء‭ ‬تعبير‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬‮«‬ريشي‭ ‬سوناك‮»‬‭ ‬تعليقاً‭ ‬على‭ ‬احتفال‭ ‬التتويج‭ ‬الملكي‭ ‬للملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬وطقوس‭ ‬التتويج‭ ‬قائلا‭: (‬إنه‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الفخر‭ ‬بتاريخنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وتقاليدنا،‭ ‬ودليل‭ ‬حي‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬الحديث‭ ‬لبلدنا،‭ ‬وطقوس‭ ‬نعتز‭ ‬بها‭ ‬تولد‭ ‬من‭ ‬رحمها‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭)! ‬بالطبع‭ ‬هو‭ ‬هنا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا‭ ‬كبريطاني‭ ‬وليس‭ ‬هنديا‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬هندية،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬بدوره‭ ‬أبدى‭ ‬اعتزازاً‭ ‬وفخراً‭ ‬بتقاليد‭ ‬وعادات‭ ‬تلك‭ ‬الأصول‭ ‬الهندية‭ ‬حين‭ ‬تسلم‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬أثناء‭ ‬احتفاله‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬بيته‭! ‬

{ إن‭ ‬اعتزاز‭ ‬الأمم‭ ‬بهويتها‭ ‬وعاداتها‭ ‬وتقاليدها،‭ ‬مهما‭ ‬شاب‭ ‬تلك‭ ‬التقاليد‭ ‬من‭ ‬شوائب،‭ ‬تثير‭ ‬مفارقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬وتحديداً‭ (‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬وهي‭ ‬ترسخ‭ ‬هويتها‭ ‬عالميا،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬وطوال‭ ‬فترة‭ ‬احتلالها‭ ‬لدول‭ ‬وأمم‭ ‬وشعوب‭ ‬أخرى،‭ ‬تختلف‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬هويتها‭ ‬وثقافتها،‭ ‬حاولت‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الهويات‭ ‬وطمسها‭ ‬وطمس‭ ‬أهم‭ ‬معلم‭ ‬لتلك‭ ‬الهويات‭ ‬وهي‭ ‬اللغة‭! ‬وما‭ ‬بين‭ (‬تغريب‭ ‬الشعوب‭) ‬عن‭ ‬تاريخها‭ ‬وسرقة‭ ‬آثارها،‭ ‬وتدمير‭ ‬معالمها‭ ‬الأثرية‭ ‬والحضارية،‭ ‬وفرض‭ ‬لغتها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬فرنسا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬‮«‬فرنسة‮»‬‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬غزتها،‭ ‬ومنها‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فهي‭ ‬إنما‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬ومثلها‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري،‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬هويتها‭ ‬وقيمها‭ ‬لإدراكهم‭ ‬ما‭ ‬لتشبث‭ ‬الشعوب‭ ‬بهوياتها‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهويته‭! ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الشعارات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬وبأن‭ ‬سبب‭ ‬مجيئها‭ ‬هو‭ ‬التنوير‭ ‬والتثقيف‭ ‬والدمقرطة‭ ‬لاحقا‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬براقة‭ ‬تخفي‭ ‬خلفها‭ ‬أهدافاً‭ ‬أخرى‭ ‬لتغيير‭ ‬الهويات‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تغزوها‭!‬

{‭ ‬المفارقة‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬تحديدا‭ ‬وقد‭ ‬وقعوا‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التقليد‭ ‬والتبعية‭ ‬للمستعمر‭ ‬باتوا‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬هويتهم‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬الثقافة‭ ‬واللغة‭ ‬والدين‭ ‬والقيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الحميدة‭!‬

1-‭ ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬بلغة‭ ‬هي‭ ‬أم‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأقدمها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تعاني‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬تهميش‭ ‬وتغريب‭ ‬وإهمال‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭!‬

2-‭ ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬بدين‭ ‬هو‭ ‬خاتم‭ ‬الأديان‭ ‬وأكملها‭ ‬كرسالة‭ ‬للبشرية‭ ‬كلها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يعمل‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬مدعي‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والتطور‭ ‬على‭ ‬تهميش‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭! ‬بل‭ ‬دخل‭ ‬كثيرون،‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬في‭ ‬طقوس‭ ‬عبادات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬الباطنية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ (‬الطقوس‭ ‬البوذية‭ ‬الشركية‭) ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬طقوس‭ ‬عبادة‭ ‬الشيطان‭ ‬واحتفالاته‭ ‬كتقليد‭ ‬لأسوأ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭! ‬

3-‭  ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬كعرب‭ ‬بحضارات‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬كل‭ ‬الحضارات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأكثرها‭ ‬تأثيراً‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬البشرية،‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يتصرفون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وكأنهم‭ ‬نكرة،‭ ‬أمام‭ ‬حضارة‭ ‬غربية‭ (‬مستجدة‭) ‬وبها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التشوهات‭ ‬القيمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والفكرية‭! ‬وكأنهم‭ ‬لو‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬الفرصة‭ ‬لاستبدلوا‭ ‬جلودهم‭ ‬بجلود‭ ‬أخرى،‭ ‬بسبب‭ ‬الإحساس‭ ‬بالدونية‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬الحملات‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬تؤصل‭ ‬فيهم‭ ‬ذلك‭ ‬الإحساس‭!‬

4‭ - ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬عبر‭ ‬الأزمان‭ ‬والعصور‭ ‬بمفكرين‭ ‬عرب‭ ‬ومسلمين‭ ‬أخذ‭ ‬عنهم‭ ‬الغرب‭ ‬ليبني‭ ‬مسيرة‭ ‬تطوره‭ ‬العلمي‭ ‬والفكري‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحفظ‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬أسماء‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والرياضة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬مفكريهم‭ ‬ولا‭ ‬رموزهم‭ ‬التاريخية،‭ ‬ولا‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬كتبهم،‭ ‬ولا‭ ‬الدلالات‭ ‬التاريخية‭ ‬لمسار‭ ‬أمتهم‭! ‬

5-‭ ‬حباهم‭ ‬الله‭ ‬بالقيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬التي‭ ‬امتدحها‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬بعثت‭ ‬لأتمم‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق‮»‬‭! ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ها‭ ‬هم‭ ‬ينجرفون‭ ‬وراء‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬والفوضى‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬يكرسها‭ ‬الاستبداد‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النخبة‭ ‬الماسونية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يواجهوا‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬للتغيير‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقيمية،‭ ‬بما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬وتكاتف‭ ‬عربي‭! ‬والشيء‭ ‬ذاته‭ ‬حدث‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بها‭ ‬اليوم‭ ‬فلكلوريا‭ ‬فقط‭!‬

{‭ ‬لن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬حبا‭ ‬الله‭ ‬العرب‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬وثروات‭ ‬مادية‭ ‬هم‭ ‬محسودون‭ ‬عليها‭ ‬وسبب‭ ‬تكالب‭ ‬الدول‭ ‬عليهم‭!‬،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬استغلالها‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬فحديثنا‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إضاعتها،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتفاخر‭ ‬فيه‭ ‬أمم‭ ‬بهويتها‭ ‬بل‭ ‬وبوثنيتها‭ ‬بل‭ ‬وبفوضاها‭ ‬الأخلاقية‭! ‬بل‭ ‬وبعنصريتها‭ ‬كما‭ ‬الغرب،‭ ‬ليبدو‭ ‬العرب‭ ‬مع‭ ‬فقدان‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالهوية‭ (‬لغة‭ ‬ودينا‭ ‬وقيماً‭ ‬وأخلاقاً‭ ‬وتاريخاً‭ ‬وحضارات‭) ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬دونية‭ ‬هم‭ ‬أكسبوها‭ ‬لأنفسهم‭ ‬وبيدهم‭ ‬اليوم‭ ‬ومسؤولون‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬ضيعوه‭! ‬فقدان‭ ‬الهوية‭ ‬أو‭ ‬تغييرها‭ ‬هي‭ ‬بالفعل‭ ‬المصاب‭ ‬الأخطر‭ ‬الذي‭ ‬إن‭ ‬أصاب‭ ‬أمة‭ ‬وهنا‭ (‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭) ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬بالضعف‭ ‬والضياع‭ ‬والتشتت،‭ ‬لأنها‭ ‬بفقدان‭ ‬هويتها‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬نفسها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا