العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

«سرَّه الباتع» وممنوع تغيير الهويَّة!

{‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ (‬حادثة‭ ‬شرف‭) ‬للكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬إدريس‮»‬‭ ‬حوَّل‭ ‬المخرج‭ ‬‮«‬خالد‭ ‬يوسف‮»‬‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬سرَّه‭ ‬الباتع‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مسلسل‭ ‬تم‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬الدراما‭ ‬الجيدة،‭ ‬ليربط‭ ‬المخرج‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬سيناريو‭ ‬العمل،‭ ‬بين‭ ‬زمنين،‭ ‬زمن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬1798‭ ‬إلى‭ ‬1801،‭ ‬أي‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وزمن‭ ‬أحداث‭ ‬مصر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬2013،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والمعاصر،‭ ‬تتضّح‭ ‬الإرادة‭ ‬المصرية‭ ‬وسرّ‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬حين‭ ‬هو‭ ‬يواجه‭ ‬‮«‬الاحتلال‭ ‬الخارجي‮»‬،‭ ‬وحين‭ ‬يواجه‭ ‬‮«‬الاحتلال‭ ‬الداخلي‮»‬‭ ‬ممثلا‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭! ‬وكلاهما‭ ‬أراد‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬‮«‬الهوية‭ ‬المصرية‮»‬،‭ ‬بتشعباتها‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والدينية،‭ ‬ليكون‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬من‭ ‬نصيبهما،‭ ‬لأن‭ ‬الاستبداد‭ ‬والاحتلال‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يلعب‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الهويّة،‭ ‬فبالإمكان‭ ‬إزالته‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬وجغرافيته،‭ ‬ولكن‭ ‬إن‭ ‬لعب‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬ومحاولة‭ ‬استبدالها،‭ ‬فذلك‭ ‬هو‭ ‬الأخطر،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬الروح‭ ‬نفسه‭! ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬لمصر‭ ‬أقصر‭ ‬الاحتلالات‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬بها،‭ ‬وكان‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬أقصر‭ ‬حكم‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الحضاري‭ ‬العريق‭! ‬ومخاض‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬استغرق‭ ‬للمفارقة‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭!‬

{‭ ‬العالم‭ ‬الفرنسي‭ (‬روجيه‭ ‬كيليمان‭) ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬حملة‭ ‬‮«‬نابليون‭ ‬بونابرت‮»‬‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬كتب‭ ‬مذكراته‭ ‬واصفاً‭ ‬فيها‭ ‬لصديقه‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬روان‮»‬‭ ‬ما‭ ‬عاشه‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬معايشة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القلعة‭ ‬التي‭ ‬جعلها‭ ‬‮«‬بونابرت‮»‬‭ ‬مقراً‭ ‬لعساكره،‭ ‬خارج‭ ‬العاصمة،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬الفلاحين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬في‭ ‬الدلتا،‭ ‬ليقود‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬القائد‭ ‬الفرنسي،‭ ‬‮«‬مينو‮»‬‭ ‬مقاومة‭ ‬الفلاحين‭ ‬للاحتلال‭ ‬الفرنسي،‭ ‬بعد‭ ‬انتصار‭ ‬الغزو‭ ‬على‭ ‬المماليك‭! ‬ولتنتهي‭ ‬القصة‭ ‬بمقتل‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬نار‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قرى‭ ‬الدلتا‭ ‬وفي‭ ‬مصر،‭ ‬وحيث‭ ‬يصف‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬إدريس‮»‬‭ ‬تجربة‭ ‬العالم‭ ‬الفرنسي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬أن‭ ‬تعامل‭ ‬الفرنسيين‭ ‬بالقسوة‭ ‬وقتل‭ ‬الأهالي،‭ ‬لن‭ ‬تمرّ‭ ‬ببساطة‭ ‬على‭ ‬الفلاح‭ ‬المصري،‭ ‬الذي‭ ‬استخف‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬قادة‭ ‬الحملة‭ ‬و«نابليون‮»‬‭ ‬نفسه‭!‬،‭ ‬فهو‭ ‬الفلاح‭ ‬البسيط‭ ‬والصبور،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬‮«‬سرّه‭ ‬الباتع‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اكتسبه‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنوات،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬ترويض‭ ‬كل‭ ‬الاحتلالات،‭ ‬ولم‭ ‬يسمح‭ ‬للحملة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ (‬هويته‭) ‬بكل‭ ‬خصائصها‭ ‬المصرية،‭ ‬كما‭ ‬حاول‭ ‬‮«‬بونابرت‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭! ‬وكما‭ ‬أراد‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭!‬

{‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬روجيه‭ ‬كيليمان‮»‬‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬يوسف‭ ‬إدريس‮»‬‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬حلقة‭ ‬هو‭ ‬يتأمل‭ ‬ويتدرّج‭ ‬بوعيه‭ ‬ومشاعره‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لصديقه‭ ‬‮«‬روان‮»‬‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أحسست‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬أني‭ ‬أواجه‭ ‬القوى‭ ‬الخارقة،‭ ‬حقيقة‭ ‬أحسست‭ ‬بهذا،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كانت‭ ‬تدفعني‭ ‬لأن‭ ‬أسجد‭ ‬لها‭ ‬وأطلب‭ ‬المغفرة‭. ‬أحسست‭ ‬بالإكسير‭ ‬ينسكب‭ ‬في‭ ‬قلبي،‭ ‬والنور‭ ‬الموسيقي‭ ‬الراجف‭ ‬يملأ‭ ‬صدري‭ ‬ويمتزج‭ ‬بحناياي،‭ ‬فأحس‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬بعظمة‭ ‬الحياة،‭ ‬وروعة‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬بشراً‭ ‬وآدميين‭ ‬نمتلك‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭ ‬المعجزة،‭ ‬قدرتنا‭ ‬أن‭ ‬نتجمّع‭ ‬ليصدر‭ ‬عن‭ ‬تجمعّنا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسمى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬منا‮»‬‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬الذي‭ ‬فجرّه‭ ‬الفلاح‭ ‬المصري‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬بشجاعته‭ ‬ونكرانه‭ ‬لذاته،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬إرادة‭ ‬الجموع‭ ‬حوله‭ ‬سواء‭ ‬وهو‭ ‬يقودها‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬تحوّله‭ ‬بمقتله‭ ‬وتقطيع‭ ‬جثته‭ ‬ورمي‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مكان،‭ ‬إلى‭ ‬دفن‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدلتا‮»‬‭ ‬لتنتشر‭ ‬مقامات‭ (‬السلطان‭ ‬حامد‭) ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬أيضاً‭ ‬ويتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬أسطورة‭ ‬تشبّث‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬المصري،‭ ‬وجعلت‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬المعاصر،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سرّ‭ ‬هذا‭ ‬السلطان‭ ‬القديم،‭ ‬وهي‭ ‬التسمية‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬راجت‭ ‬حول‭ ‬حامد‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬وبدايات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وهو‭ ‬يواجه‭ ‬أي‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬مع‭ ‬المصريين‭ ‬ضراوة‭ ‬احتكار‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬الدوس‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬المصرية‭ ‬وتغييرها‭ ‬وطمس‭ ‬هويتها‭! ‬ليتلاقى‭ ‬مشهد‭ ‬دحر‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بسواعد‭ ‬التكتلات‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬دلتا‮»‬‭ ‬مع‭ ‬مشهد‭ ‬دحر‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬وشوارع‭ ‬مصر‭ ‬كلها‭ ‬ومدنها‭! ‬هنا‭ ‬اشتباك‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬والحاضر،‭ ‬وهنا‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬ضد‭ ‬الغزو‭ ‬الخارجي،‭ ‬وضد‭ ‬الغزو‭ ‬الداخلي‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬تلك‭ ‬الطبيعة‭ ‬المصرية‭ ‬الغنية‭ ‬بامتدادها‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭!‬،‭ ‬لتطّل‭ ‬الروح‭ ‬بأقوى‭ ‬صورها،‭ ‬ويتحرك‭ ‬‮«‬الوعي‭ ‬الجمعي‮»‬‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬بها‭ ‬‮«‬مصر‮»‬‭ ‬حين‭ ‬يستشعر‭ ‬المصري‭ ‬بفداحة‭ ‬الظلم،‭ ‬فيتحرك‭ ‬فيهم‭ ‬‮«‬العملاق‭ ‬الجمعي‮»‬‭ ‬ليغيّر‭ ‬الصورة‭ ‬نهائياً‭! ‬وكما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬1956‭ ‬و1973‭ ‬و2012‭!‬

المسلسل‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخيوط‭ ‬المتداخلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬لا‭ ‬يتحملّها‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬وفيه‭ ‬سرّ‭ ‬تقديس‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أو‭ ‬الغزو‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬مصرية‭ ‬انتقلت‭ ‬بها‭ ‬الروح‭ ‬المصرية‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬‮«‬سرّها‭ ‬الباتع‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬الجمعية،‭ ‬وهي‭ ‬تقاوم‭ ‬كل‭ ‬دخيل،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬ميدان‭ ‬التحرير‮»‬‭ ‬ومع‭ ‬‮«‬حامد‮»‬‭ ‬الحاضر‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا