العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

الثقافة الدِلمونيَّة والباحِث «محمود البقلاوة»

بقلم: زينب علي البحراني

السبت ٢٩ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

 

الساحةُ‭ ‬الثقافيَّة‭ ‬البحرينيَّة‭ ‬سماءٌ‭ ‬مُزدهرةٌ‭ ‬بالنجوم‭ ‬التي‭ ‬تُضيء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬البحريني،‭ ‬ويمتد‭ ‬ضوء‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬مساحاتٍ‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعًا‭ ‬ليُنير‭ ‬بصائر‭ ‬التواقين‭ ‬للارتقاء‭ ‬بزادهم‭ ‬الروحي‭ ‬والمعرِفي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مُتجاوزًا‭ ‬حدود‭ ‬الوطن‭. ‬أحيانًا‭ ‬تقودنا‭ ‬المُصادفات‭ ‬إلى‭ ‬سماعِ‭ ‬صوتٍ‭ ‬بحريني‭ ‬مُثقف‭ ‬عبر‭ ‬وسيلةٍ‭ ‬إعلاميَّة‭ ‬غير‭ ‬بحرينية،‭ ‬فتمتلئ‭ ‬نفوسنا‭ ‬بالزهو‭ ‬والفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬أمام‭ ‬اكتشاف‭ ‬العالم‭ ‬بعض‭ ‬اللآلئ‭ ‬الثمينة‭ ‬المخبوءة‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬حضارة‭ ‬دِلمون‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬شمسها،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬البحرينية‭ ‬صوت‭ ‬الباحث‭ ‬التاريخي‭ ‬والفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬البحريني‭/ ‬محمود‭ ‬البقلاوة،‭ ‬الذي‭ ‬أطلَّ‭ ‬على‭ ‬مسامِعنا‭ ‬عبر‭ ‬أثير‭ ‬إذاعة‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬من‭ ‬القاهِرة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬نقوش‭ ‬على‭ ‬جِدار‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬الإعلامية‭ ‬المصرية‭ ‬الدكتورة‭/ ‬منال‭ ‬العارِف‭.‬

كان‭ ‬الحوارُ‭ ‬راقيًا‭ ‬مؤكدًا‭ ‬مدى‭ ‬عُمق‭ ‬ثقافة‭ ‬الباحِث‭ ‬ووعيه‭ ‬بأدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يُفصحُ‭ ‬عنها،‭ ‬كل‭ ‬معلومةٍ‭ ‬كانت‭ ‬دليلاً‭ ‬مُبهِرًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أرض‭ ‬الخليج‭ ‬كانت‭ ‬موطن‭ ‬حضارةٍ‭ ‬عظيمةٍ‭ ‬سبقت‭ ‬الميلاد‭ ‬بألفين‭ ‬وخمسمائة‭ ‬عام،‭ ‬حضارةٌ‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬مُنجزاتها‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬منجزات‭ ‬حضارة‭ ‬أرض‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬ووادي‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية،‭ ‬فـ«الأختام‭ ‬الدِلمونية‮»‬‭ ‬تُبرز‭ ‬ثقافة‭ ‬سُكان‭ ‬البحرين‭ ‬القُدماء‭ ‬بما‭ ‬حملتهُ‭ ‬من‭ ‬نقوش‭ ‬ورموز‭ ‬تبوح‭ ‬بخصوصية‭ ‬بيئتهم‭ ‬وطبيعتها‭ ‬المُجتمعية‭ ‬والتجارية‭ ‬والعِبادية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ألفي‭ ‬عام‭ ‬قبل‭ ‬توقفها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬‮«‬تايلوس‮»‬،‭ ‬و«قيثارة‭ ‬دِلمون‭ ‬الوتريَّة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اكتشفت‭ ‬بقاياها‭ ‬البعثة‭ ‬الدنماركية‭ ‬في‭ ‬معبد‭ ‬مُجمَّع‭ ‬باربار‭ ‬خلال‭ ‬التنقيبات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1952م‭ - ‬1961م‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬هويَّة‭ ‬الحضارة‭ ‬الدلمونية‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قيثارات‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬وقيثارات‭ ‬الفراعنة،‭ ‬وهي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬المُجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الزمن‭ ‬بالفنون‭ ‬الإبداعيَّة‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬فن‭ ‬الموسيقى،‭ ‬ومن‭ ‬المثير‭ ‬للاهتمام‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬معلوماته‭ ‬البحثيَّة‭ ‬المُشتقَّة‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬ونقوش‭ ‬الأختام‭ ‬الدلمونية‭ ‬والكتابات‭ ‬المسمارية‭ ‬وبين‭ ‬موهبته‭ ‬ومهارته‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬ليُصمم‭ ‬رسمًا‭ ‬هندسيًا‭ ‬للقيثارة‭ ‬الدلمونية،‭ ‬ثم‭ ‬يبذل‭ ‬جُهده‭ ‬لصُنعها‭ ‬من‭ ‬موادها‭ ‬الأولية‭ ‬المُستخدمة‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬العصر،‭ ‬لتكون‭ ‬الأوتار‭ ‬من‭ ‬امعاء‭ ‬الماعِز،‭ ‬وجسم‭ ‬القيثارة‭ ‬من‭ ‬لحاء‭ ‬الشجر،‭ ‬فيتجلَّى‭ ‬شكل‭ ‬تلك‭ ‬القيثارة‭ ‬بنموذجٍ‭ ‬مُجسمٍ‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬اندثارها‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬حرِصَ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬لوحاته‭ ‬الفنية‭ ‬التشكيلية‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لما‭ ‬عرفه‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬المُجتمعية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬دِلمون‭ ‬لتعريف‭ ‬الجمهور‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬معارضِه‭ ‬الفنيَّة‭.‬

من‭ ‬المُلفِت‭ ‬للاهتمام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الثقافية‭ ‬البحرينية‭ ‬سعي‭ ‬صاحبها‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬بكل‭ ‬وسيلةٍ‭ ‬ممكنة‭ ‬مهما‭ ‬كلَّفه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وقتٍ‭ ‬وجُهدٍ‭ ‬ومال‭ ‬دون‭ ‬مردودٍ‭ ‬مادي‭ ‬متوقع‭! ‬إذ‭ ‬انتسب‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬جامعة‭ ‬بيروت‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬لينال‭ ‬درجة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬جامعة‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‮»‬‭ ‬ليكون‭ ‬نصيبه‭ ‬منها‭ ‬دبلوم‭ ‬دراساتٍ‭ ‬عُليا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬دافعُهُ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجهود‭ ‬الولع‭ ‬بعلم‭ ‬التاريخ‭ ‬والآثار‭ ‬رغم‭ ‬كون‭ ‬تخصصاته‭ ‬العلمية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مساراته‭ ‬المِهنية،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬يندر‭ ‬مُصادفتها‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يدرس‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬شيئًا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الغاية‭ ‬النهائية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نقود‭! ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المُثقفين‭ ‬الشغوفين‭ ‬بخياراتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬هم‭ ‬صَمَّام‭ ‬الأمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬للحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد،‭ ‬لأن‭ ‬دوافعهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬نابعةً‭ ‬من‭ ‬أعماقهم‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬مؤثراتٍ‭ ‬خارجية‭ ‬يتداعى‭ ‬الدافع‭ ‬ويتوقف‭ ‬العمل‭ ‬بزوالها،‭ ‬لذا‭ ‬يستحقون‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتقدير‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُقدمونه‭ ‬من‭ ‬جهودٍ‭ ‬ومُنجزاتٍ‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا