العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

من يطفئ حرائق السودان!

{‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬رمضان‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬إضاءات‭ ‬روحية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬الجميع،‭ ‬وسط‭ ‬الانشغال‭ ‬بروتين‭ ‬التحضيرات‭ ‬الرمضانية‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬وشرب‭ ‬ومقاهي‭ ‬سهر‭ ‬وشيشة،‭ ‬والانشغال‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬دراما‭ ‬المسلسلات‭ ‬والبرامج‭ ‬من‭ ‬غثّ‭ ‬يضيع‭ ‬بينها‭ ‬القليل‭ ‬السمين،‭ ‬كانت‭ ‬مفاجأة‭ ‬أحداث‭ ‬السودان‭!‬،‭ ‬وقد‭ ‬حسب‭ ‬المحللوّن‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية‭ ‬يتمّ‭ ‬تفكيك‭ ‬خيوطها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬سعودية،‭ ‬فبعد‭ ‬إعلان‭ ‬الاتفاق‭ ‬السعودي‭ / ‬الإيراني،‭ ‬وبدء‭ ‬فكّ‭ ‬عقدة‭ ‬اليمن،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬مقعد‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية،‭ ‬والانخراط‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مجدّدًا،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اشتعلت‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬لتزيد‭ ‬الطين‭ ‬بِلةّ‭ ‬في‭ ‬السودان‭!‬

{‭ ‬السعودية‭ ‬ومعها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬مصر،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إطفاء‭ ‬الحرائق‭ ‬المشتعلة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬لتهيئة‭ ‬أرضيتها‭ ‬لعوامل‭ ‬التنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬والنهوض‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستهدف‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وهذا‭ ‬النهوض‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬بل‭ ‬وقرون،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬زادها‭ ‬الدائم‭ ‬هو‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬والأزمات‭!‬،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تنطفئ‭ ‬نار‭ ‬حرب‭ ‬حتى‭ ‬تعمل‭ ‬أيادي‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬أخرى،‭ ‬والأسباب‭ ‬معروفة‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬حيزّ‭ ‬السيطرة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬أمامها‭ ‬الفكاك‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬تتداعى‭ ‬آثارها‭ ‬كقطع‭ ‬النرد،‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تسقط‭ ‬واحدة‭ ‬حتى‭ ‬تسقط‭ ‬معها‭ ‬القطع‭ ‬الأخرى‭!‬

{‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬بإمكان‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬أن‭ ‬يُشعل‭ ‬نار‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬لولا‭ ‬وجود‭ ‬من‭ ‬يتعاون‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬معه؟‭!‬

وبما‭ ‬يخص‭ ‬السودان‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إدماج‭ (‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭) ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني؟‭! ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬الجيش‭ ‬الفرصة‭ ‬المتاحة‭ ‬وبشكل‭ ‬سريع‭ ‬للانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬المدني،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدرّج‭ ‬المرحلي‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية؟‭!‬

للجيش‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬البلد‭ ‬ولكن‭ ‬مكانه‭ ‬الطبيعي‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬السلطة‭ ‬وإنما‭ ‬ثكنات‭ ‬العسكر‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬السودان‭ ‬وأرضه‭ ‬ومنع‭ ‬مخططات‭ ‬تقسيمه‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭!‬

ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والأنانية‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حرّك‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭ ‬الأحداث‭ ‬الدموية‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وبمباركة‭ ‬أصحاب‭ ‬الأجندات‭ ‬ضد‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬لإعادة‭ ‬دورة‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬وضرب‭ ‬رؤية‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬هذا‭ ‬الغرب،‭ ‬خاصة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬رؤية‭ ‬عربية‭ ‬بقيادة‭ ‬سعودية‭!‬

{‭ ‬السودان‭ ‬الغني‭ ‬بالموارد‭ ‬والمياه‭ ‬والثروات‭ ‬ومئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأفدنة‭ ‬الصالحة‭ ‬للزراعة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأرض‭ ‬البكر‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الذهب‭ ‬والنحاس‭ ‬واليورانيوم‭ ‬والمعادن‭ ‬الأخرى،‭ ‬كانت‭ ‬طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬مطمعًا‭ ‬للخارج‭!‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الطمع‭ ‬الخارجي‭ ‬إن‭ ‬ترافق‭ ‬مع‭ ‬قصر‭ ‬نظر‭ ‬من‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬الداخلية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬أُبعد‭ ‬من‭ ‬مصالحهم‭ ‬وأنانيتهم،‭ ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬ذلك‭ ‬الخواء‭ ‬الداخلي‭ ‬مع‭ ‬الأصابع‭ ‬الخارجية،‭ ‬التي‭ ‬هدفها‭ ‬تحريك‭ ‬الأحداث‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للإضرار‭ ‬بالسودان‭ ‬وحده‭ ‬وإنما‭ ‬بكل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬العربية‭ ‬المستهدفة‭ ‬بدورها‭!‬

ومن‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬كالعادة‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثرًا،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬العربي،‭ ‬واليوم‭ ‬هي‭ ‬بالتحديد‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬خليجية‭ ‬ومصر‭!‬

{‭ ‬لكأنه‭ ‬مسلسل‭ ‬عربي‭ ‬طويل‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يوشك‭ ‬أحد‭ ‬فصوله‭ ‬على‭ ‬الانتهاء،‭ ‬حتى‭ ‬يبدأ‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬فيه‭! ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬الأسباب‭ ‬أغلب‭ ‬الوقت‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭! ‬أجندات‭ ‬خارجية‭ ‬وعناصر‭ ‬داخلية،‭ ‬إما‭ ‬يحكمها‭ ‬الجشع‭ ‬السلطوي‭ ‬أو‭ ‬الخيانة‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭! ‬وبأيديهم‭ ‬يحرقون‭ ‬البلاد‭ ‬ويعيدونها‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬رغم‭ ‬مآسيها‭ ‬السابقة‭! ‬وبأيدهم‭ ‬يموت‭ ‬من‭ ‬يموت‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬والعسكر‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬أيضًا‭! ‬وبأيديهم‭ ‬يتم‭ ‬حرق‭ ‬وتدمير‭ ‬المؤسسات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬وتدهور‭ ‬مزمن‭ ‬أصلاً‭! ‬فيما‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬تصاب‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بالحيرة‭ ‬جراء‭ ‬الأحداث‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬تتداخل‭ ‬وتتشابك‭ ‬بخيوط‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية،‭ ‬وكأن‭ ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬ذو‭ ‬رؤية‭ ‬دموية‭ ‬لا‭ ‬ترتوي‭ ‬من‭ ‬الدماء‭! ‬ولكأن‭ ‬المخرج‭ ‬بدوره‭ ‬متعطش‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬للعنف‭ ‬والحرائق‭ ‬والنيران‭! ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أمر‭ ‬مؤسف،‭ ‬وتداعياته‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬هاوية‭ ‬الفوضى‭ ‬والعنف،‭ ‬والغريب‭ ‬أنها‭ ‬اشتعلت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فضيل‭ ‬واستمرت،‭ ‬حتى‭ ‬والعرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬يحتفلون‭ ‬بالعيد،‭ ‬فحرموا‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬من‭ ‬روحانية‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬وفرحة‭ ‬العيد‭! ‬حمى‭ ‬الله‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬المتربصيّن‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬بها‭ ‬مكرًا‭ ‬وخديعة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا