العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الدعاء وحرية الاختيار!

{ هو‭ ‬الله‭ ‬أقرب‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬حبل‭ ‬الوريد‭! ‬وهو‭ ‬القريب‭ ‬الذي‭ ‬يجيب‭ ‬دعوة‭ ‬الداعي‭ ‬إذا‭ ‬دعاه‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ربط‭ ‬بين‭ ‬الدعاء‭ ‬وإجابته،‭ ‬من‭ ‬منّا‭ ‬حين‭ ‬تضيق‭ ‬به‭ ‬السبل،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬بيده‭ ‬حلا‭ ‬لشكواه،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬ابتلاء‭ ‬أو‭ ‬بلاء‭ ‬لا‭ ‬يتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الله؟‭! ‬حينها‭ ‬يتوجه‭ ‬بكل‭ ‬عجزه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ليفرج‭ ‬عنه‭ ‬حاله،‭ ‬ويزيل‭ ‬ما‭ ‬تراكم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬هموم،‭ ‬فهو‭ ‬باختياره‭ ‬وبحريته‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬خالقه،‭ ‬وهذا‭ ‬تحقيق‭ ‬لمعنى‭ ‬الدعاء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬بالتوكل‭ ‬عليه،‭ ‬وبعلمه‭ ‬في‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه،‭ ‬لذلك‭ ‬اعتبر‭ ‬‮«‬الدعاء‭ ‬مخ‭ ‬العبادة‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬يتحقق‭ ‬معنى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ومعنى‭ ‬التوكل‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الإجابة،‭ ‬وشرطه‭ ‬الإيمان‭!‬

{‭ ‬بالدعاء‭ ‬وحده‭ ‬يتّم‭ ‬ردّ‭ ‬القضاء،‭ ‬لأن‭ ‬حرية‭ ‬الله‭ ‬‮«‬المطلقة‮»‬‭ ‬أسبغت‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬حريّة‭ ‬الاختيار‭ ‬والتوجه‭ ‬إليه،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتدخّل‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬الإنسان‭ (‬الاختيارية‭) ‬لأن‭ ‬الخير‭ ‬والشرّ‭ ‬وجهان‭ ‬للامتحان،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬شعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بعجزه‭ ‬وعجز‭ ‬قدرته،‭ ‬جاء‭ ‬دعاؤه،‭ ‬أو‭ ‬توجهه‭ ‬إلى‭ ‬خالقه‭ ‬اختياريا‭ ‬يطلب‭ ‬العون‭ ‬ممن‭ ‬خلقه‭ ‬وحده،‭ ‬ولا‭ ‬يشتكي‭ ‬إلا‭ ‬له‭ ‬وحده،‭ ‬ويدعوه‭ ‬بكل‭ ‬الأدعية‭ ‬لإصلاح‭ ‬أمره،‭ ‬أو‭ ‬فكّ‭ ‬أزمته‭ ‬أيا‭ ‬كانت،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تحقيق‭ ‬لحرية‭ ‬الاختيار‭!‬،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الإنسان،‭ ‬بالتدخل‭ ‬الإلهي‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬إرادته‭ ‬الحرّة‭ ‬كإنسان‭!‬،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الدعاء‭ ‬لجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الإلهية‭ ‬وقدرتها‭ ‬وعزتها،‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬الإنسان‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬وبين‭ ‬الضيق‭ ‬وطلب‭ ‬الفرج‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬وحده،‭ ‬فالطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالقوة‭ ‬العليا،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يستشعر‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬ذلك‭ ‬الارتباط،‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬به،‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬اليأس‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬أمامه‭ ‬إلاّ‭ ‬ضوء‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬المطلقة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬يأسه،‭ ‬كما‭ ‬نادى‭ ‬النبي‭ ‬‮«‬يونس‮»‬‭ ‬من‭ ‬بطن‭ ‬الحوت‭ (‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬أنت،‭ ‬سبحانك،‭ ‬إني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬الظالمين‭)‬،‭ ‬وكما‭ ‬دعا‭ ‬النبي‭ ‬يوسف‭ ‬ربّه‭ ‬ليبعد‭ ‬عنه‭ ‬الغواية‭ ‬فاستجاب‭ ‬لهما‭ ‬الله،‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬أدعية‭ ‬الأنبياء‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬نوح‭ ‬وإبراهيم‭ ‬وموسى‭ ‬وعيسى‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬غالبية‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬ضيقها‭ (‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬وحده‭)!‬

{‭ ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬القصص‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬بعبادة‭ ‬الدعاء‭ ‬والاستغفار،‭ ‬تتغيّر‭ ‬بهم‭ ‬الأحوال،‭ ‬سواء‭ ‬بما‭ ‬يشفي‭ ‬الجسد‭ ‬أو‭ ‬الروح،‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬يُسهل‭ ‬أموراً‭ ‬حياتية‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬قمة‭ ‬الضيق‭ ‬فيها،‭ ‬فتنفرج‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ ‬وأقرب‭ ‬الدعاء‭ ‬عند‭ ‬السجود،‭ ‬حين‭ ‬يتوجّه‭ ‬القلب‭ ‬ببركة‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬طالباً‭ ‬تحقيق‭ ‬مراده،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬يأسه‭ ‬وعجزه‭ ‬وذلّه‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬فيشعّ‭ ‬ذلك‭ ‬الرباط‭ ‬الروحي،‭ ‬بيقين‭ ‬أن‭ ‬الفرج‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬خلقه‭ ‬وحده،‭ ‬ليختبر‭ ‬الإنسان‭ ‬هنا‭ (‬بُعداً‭ ‬غيبياً‭) ‬يوقن‭ ‬فيه‭ ‬باستجابة‭ ‬القدير‭ ‬لإخراجه‭ ‬من‭ ‬ضيقه‭ ‬أو‭ ‬مرضه‭ ‬أو‭ ‬حاجته،‭ ‬أو‭ ‬دعائه‭ ‬بإصلاح‭ ‬شأنه‭ ‬كله‭!‬

{‭ ‬هو‭ ‬الرباط‭ ‬والاختيار‭ ‬ومعرفة‭ ‬عجز‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬أمام‭ ‬القدرة‭ ‬المطلقة،‭ ‬حين‭ ‬تتوجّه‭ ‬بكامل‭ ‬إرادتك‭ ‬وحريتك‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬ولذلك‭ ‬يكون‭ ‬الدعاء‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬مهموم‭ ‬وتوكلّ‭ ‬أبلغ‭ ‬تعبير‭ ‬للعبادة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العبادات‭ ‬الأخرى،‭ ‬يختبر‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ (‬الصلة‭ ‬الغيبية‭ ‬مع‭ ‬المطلق‭ ‬وهو‭ ‬الكائن‭ ‬المحدود‭) ‬مثلما‭ ‬يختبر‭ ‬فيها‭ ‬رفع‭ ‬الظلم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬مظلوماً،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬التحذير‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬دعاء‭ ‬المظلوم‭ ‬وتحسبه‭ ‬على‭ ‬الظالم،‭ ‬لأن‭ ‬مفاعيل‭ ‬الإجابة‭ ‬لها‭ ‬واضحة‭!‬

{‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يكابد‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬حتى‭ ‬يلاقيه،‭ ‬يمرّ‭ ‬بكل‭ ‬المكابدات‭ ‬عبر‭ ‬الصبر‭ ‬والدعاء،‭ ‬وهو‭ ‬مدرك‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬يسهل‭ ‬حين‭ ‬يدرك‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬محدوديته‭ ‬والمطلق‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬الإلهية،‭ ‬في‭ ‬إعانته‭ ‬بالإيمان‭ ‬والاستقامة‭ ‬والدعاء‭ ‬كشرط‭ ‬لتلك‭ ‬الصلة‭! ‬والله‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬محدوداً،‭ ‬ساعده‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريقه،‭ ‬وقد‭ ‬هيّأه‭ ‬عبر‭ ‬برمجة‭ ‬عقله‭ ‬وجسده‭ ‬بثمار‭ ‬الإيمان‭ ‬والتوكّل‭ ‬والصبر‭ ‬والدعاء،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬مواجهة‭ ‬شرور‭ ‬الحياة،‭ ‬رغم‭ ‬وهم‭ ‬البعض‭ ‬بغير‭ ‬ذلك‭! ‬وحتى‭ ‬أولئك‭ ‬‮«‬الواهمون‮»‬‭ ‬حين‭ ‬تضيق‭ ‬بهم‭ ‬كل‭ ‬السبل،‭ ‬وعيهم‭ ‬الباطني‭ ‬يستجير‭ ‬بعون‭ ‬الله‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا