العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

جدلية الإيمان والإلحاد!

{‭ ‬متابعة‭ ‬لتأملات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الدينية‭! ‬والوقوف‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬‮«‬اللادينية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الإلحاد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يكتسح‭ ‬حتى‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭! ‬بتأثيرات‭ ‬العلوم‭ ‬المادية،‭ ‬و‭(‬التفكير‭ ‬المادّي‭ ‬البحت‭) ‬من‭ ‬البؤرة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهيمنتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬و‭(‬العِلمانية‭ ‬‭ ‬بكسر‭ ‬العين‭) ‬نتأمل‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬وبالدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬للمعتقدات‭ ‬والشرائع‭ ‬في‭ ‬التوراة‭ ‬والإنجيل،‭ ‬وحيث‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وحده‭ ‬يتكامل‭ ‬المنظور‭ ‬الديني‭ ‬‮«‬الإيماني‮»‬‭ ‬مع‭ ‬المنظور‭ ‬التشريعي،‭ ‬فإن‭ ‬الإيمان‭ ‬محلّه‭ ‬‮«‬القلب‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬‮«‬الإلحاد‮»‬‭ ‬محله‭ ‬التفكير‭ ‬العلمي‭ ‬المادي‭ ‬‭ ‬والعملي‭ ‬والذي‭ ‬حوّل‭ ‬بوصلته‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬عبادة‭ ‬‮«‬العلم‭ ‬المادي‮»‬‭!‬

وباسم‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬الاعتقاد‮»‬‭ ‬و«حرية‭ ‬التعبير‮»‬‭ ‬يتم‭ ‬اليوم‭ ‬تشجيع‭ ‬‮«‬الإلحاد‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬وتصرف‭ ‬مخابرات‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬كبرى‭ ‬المليارات،‭ ‬لتكريس‭ ‬ونشر‭ ‬الإلحاد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭! ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تخريج‭ ‬دعاة‭ ‬وأصحاب‭ ‬فتوى‭ ‬من‭ ‬معامل‭ ‬‮«‬البنتاجون‮»‬‭ ‬الإسلامية‭! ‬وانتشر‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬مفهوم‭ ‬غريب‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬الأمريكي‮»‬‭!‬

{‭ ‬أساليب‭ ‬وطرق‭ ‬ملتوية‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بعد‭ ‬بدراسة‭ ‬معمقة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الدين‭ ‬وعلوم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬تقارير‭ ‬كثيرة‭ ‬يتم‭ ‬تسريبها،‭ ‬وأخرى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مكشوف،‭ ‬حول‭ (‬الحرب‭ ‬الغربية‭ ‬القائمة،‭ ‬على‭ ‬التعاليم‭ ‬الدينية‭) ‬وعلى‭ ‬الإسلام‭ ‬تحديداً،‭ ‬باعتباره‭ ‬آخر‭ ‬معيق‭ ‬في‭ ‬وجه‭ (‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬اللاأخلاقية‭) ‬التي‭ ‬يراد‭ ‬نشرها‭ ‬وتكريسها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! (‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بالتفصيل‭)!‬

{‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إبراز‭ (‬التكاملية‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منظور‭ ‬وغير‭ ‬منظور‭)‬،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بُعد‭ ‬مادي‭ ‬وآخر‭ ‬بُعد‭ ‬غيبي‭!‬،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬يمثل‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفطرة،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬غذائه‭ ‬إلى‭ ‬دوائه‭ ‬إلى‭ ‬قيمه‭ ‬الإنسانية‭! ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأخذ‭ ‬الحملة‭ ‬ضد‭ ‬الدين‭ ‬والإيمان‭ ‬أبعاداً‭ (‬شيطانية‭)‬،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الموصوف‭ ‬بأنه‭ ‬آخر‭ ‬الزمان،‭ ‬لتصبح‭ ‬حجة‭ (‬التجارب‭ ‬المعملية‭ ‬‭ ‬العلمية‭) ‬والتطور‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي،‭ ‬دافعاً‭ ‬لتكريس‭ ‬‮«‬عبادة‭ ‬العلم‮»‬‭! ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ (‬المعرفة‭ ‬الكلية‭ ‬الحقيقية‭) ‬بحقيقة‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭! ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬الأبعاد‭ ‬الروحية‭ ‬والغيبية‭ ‬لهذا‭ ‬الوجود‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭! ‬ومن‭ ‬الغيب‭ ‬يولد‭ ‬وإلى‭ ‬الغيب‭ ‬يرحل‭!‬

{‭ ‬الإنسان‭ ‬خليفة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ودافعه‭ ‬الحقيقي‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬المعرفة‭ ‬واكتمالها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدراك‭ ‬‮«‬النقد‭ ‬الغيبي‮»‬‭ ‬للإنسان،‭ ‬والإيمان‭ ‬بالله‭ ‬ومعرفة‭ (‬النظام‭ ‬الكوني‭ ‬الدقيق‭) ‬عبر‭ ‬‮«‬البحث‭ ‬العلمي‮»‬‭! ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬الإنسان‭ ‬‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬سرا‭ ‬غامضا‭ ‬عند‭ ‬ولادته‭ ‬وتطوراته‭ ‬المعرفية‭ ‬وسرا‭ ‬آخر‭ ‬بعد‭ ‬رحيله‭ ‬من‭ ‬الحياة‭! ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬المتكاملة‭ ‬والبحث‭ ‬فيها‭ (‬بحكمة‭ ‬القلب‭ ‬وعقله‭)‬،‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬تائها‭ ‬وعبثياً‭ ‬ومحكوماً‭ ‬بغرائزية‭ ‬حيوانية،‭ ‬تجعله‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬غاية‭ ‬أو‭ ‬هدفاً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬الموهومة‭ ‬في‭ ‬الماديات‭! ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬حساباً‭ ‬لا‭ ‬للقيم‭ ‬ولا‭ ‬للأخلاق‭ ‬ولا‭ ‬للمبادئ‭ ‬ولا‭ ‬لفلسفة‭ ‬الرحلة‭ ‬الوجودية‭ ‬كخليفة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬الحضارة‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬في‭ ‬عقودها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬من‭ ‬إنكار‭ ‬لكل‭ ‬ضابط‭ ‬ورادع،‭ ‬وإيمان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منفلت‭ ‬وغرائزي‭ ‬وأناني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معايير‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬والامبريالية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬الله‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬تأخذ‭ ‬الفوضى‭ ‬الفكرية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬أبعادها‭ ‬الكاملة‭! ‬فما‭ ‬دمت‭ ‬تعيش‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬افعل‭ ‬إذًا‭ ‬ما‭ ‬شئت‭! ‬ومارس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شئت،‭ ‬فلا‭ ‬حساب‭ ‬ولا‭ ‬عقاب،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬والنفس‭ ‬من‭ ‬شروخ‭ ‬وانقسامات‭ ‬وانتكاسات‭! ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬ينتشر‭ ‬الانتحار‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية؟‭! ‬لقد‭ ‬تشبّع‭ ‬‮«‬المنتحرون‮»‬‭ ‬بالهمجية‭ ‬الغرائزية،‭ ‬أو‭ ‬باليأس‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬وأكثر‭ ‬المشاكل‭ ‬النفسية‭ ‬تصيب‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بوجود‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬عبثية‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجلب‭ ‬لهم‭ ‬أمراض‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والتشتت‭ ‬الروحي،‭ ‬ففي‭ ‬الروح‭ ‬فراغ‭ ‬تزيده‭ ‬التعاليم‭ ‬الشيطانية‭!‬

{‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬تؤمن‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تُلحد،‭ ‬مسافة‭ ‬ضوئية‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬وغاياته،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬وغاية‭ ‬وجوده‭! ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬المسافة‭ ‬تتوه‭ ‬الأفكار‭ ‬والنفوس،‭ ‬وقد‭ ‬تصارع‭ ‬نواميس‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والفطرية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الذات،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬الذات‭ ‬بالخالق،‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬بيانه‭ ‬المبين‭ ‬للإنسان،‭ ‬حسب‭ ‬‮«‬البرمجة‭ ‬الإلهية‮»‬‭ ‬مؤمناً‭ ‬أو‭ ‬ملحداً‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬أحدهما‭ (‬تعييناً‭) ‬كالإيمان‭ ‬أو‭ (‬وهما‭) ‬كالإلحاد،‭ ‬تتمايز‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬التي‭ ‬يدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أنها‭ ‬عابرة،‭ ‬والمؤمنون‭ ‬وحدهم‭ ‬يدركون‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬من‭ ‬الصدفة،‭ ‬وأن‭ ‬بها‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تحكم‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬لتسمو‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الحضيض‭ ‬الروحي‭! ‬مثلما‭ ‬لها‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬كونية‭ ‬لا‭ ‬تتصل‭ ‬ببعضها‭ ‬أو‭ ‬تعطي‭ ‬موسيقاها‭ ‬المنسجمة،‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يتواضع‭ ‬الإنسان‭ ‬أمام‭ ‬الخالق‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬خلقه‭ ‬في‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭! ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تتحقق‭ (‬حكمة‭ ‬القلب‭) ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لأية‭ ‬تجارب‭ ‬معملية‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬مادية‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬المرئي‭ ‬وغير‭ ‬المرئي،‭ ‬وبين‭ ‬المادي‭ ‬وغير‭ ‬المادي‭! ‬وبين‭ ‬الملموس‭ ‬وغير‭ ‬الملموس،‭ ‬وبين‭ ‬الوعي‭ ‬واللاوعي،‭ ‬وبين‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا