العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

غزو العراق وجرائم لا تسقط بالتقادم!

{‭  ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬مارس‭ ‬2003،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬مر‭ (‬20‭ ‬عاما‭) ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬كذبة‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بسببها‭ ‬أطلقت‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وتم‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وتفكيك‭ ‬الجيش،‭ ‬وترسيخ‭ ‬‮«‬الحكم‭ ‬الطائفي‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دستور‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬،‭ ‬وقتل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬ووصل‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ ‬مليون‭ ‬قتيل‭ ‬عراقي‭!‬،‭ ‬وتشريد‭ ‬الملايين‭ ‬منهم،‭ ‬ليتحول‭ ‬الغزو‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬العراق‮»‬‭ ‬والوعد‭ ‬بالسلام‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬عملية‭ ‬تدمير‭ ‬كارثية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬إسقاط‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬صدام‮»‬‭! ‬ويبقى‭ ‬العراق‭ ‬متزعزعا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الفوضى‭ ‬والفساد‭ ‬والطائفية‭ ‬والإرهاب‭ ‬وهيمنة‭ ‬الأعداء‭!‬،‭ ‬ولتأخذ‭ ‬مقاومة‭ ‬الغزو‭ ‬وآثاره‭ ‬المختلفة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬أشكالا‭ ‬متنوعة‭ ‬يتم‭ ‬التحايل‭ ‬عليها‭ ‬وإجهاضها‭! ‬وآخرها‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬تشرين‭ ‬الشبابية‮»‬‭ ‬لتخليص‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬الطاغي،‭ ‬ومن‭ ‬قبضة‭ ‬الاحتلالين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإيراني،‭ ‬وحيث‭ ‬أخذ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬شكلاً‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬مراوغة‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأعداء‭ ‬التاريخيين‭!‬

{‭  ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بالغزو‭ ‬واستمرت‭ ‬في‭ ‬التدمير‭ ‬وإنهاك‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬والنتائج‭ ‬الكارثية‭ ‬لهذا‭ ‬الغزو،‭ ‬فإن‭ ‬مطالب‭ (‬محاكمة‭ ‬المجرمين‭) ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مطلبا‭ ‬عراقيا‭ ‬وعربيا‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬الذين‭ ‬نفذوا‭ ‬الغزو‭ ‬بكذب‭ ‬فاضح‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬أي‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬عقاب،‭ ‬بل‭ ‬استمروا‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬مرفهين‭ ‬وكأن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭!‬

وسواء‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وكلنا‭ ‬نذكر‭ ‬خطاب‭ ‬‮«‬كولن‭ ‬بأول‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬وصوره‭ ‬وأدلته‭ ‬الكاذبة،‭ ‬التي‭ ‬اعتذر‭ ‬عنها‭ ‬واعترف‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬أنها‭ ‬كاذبة‭!‬،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬بقي‭ ‬قادة‭ ‬أمريكا‭ ‬وقد‭ ‬دمروا‭ ‬بلدا‭ ‬وشردوا‭ ‬وقتلوا‭ ‬شعبا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬عقاب‭! ‬فيما‭ ‬بريطانيا‭ ‬وجهازها‭ ‬الاستخباراتي‭ (‬Ml6‭) ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬قام‭ ‬بتقديم‭ ‬أدلة‭ ‬زائفة‭ ‬بشأن‭ ‬امتلاك‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬حسين‮»‬‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬في‭ ‬تواطؤ‭ ‬استخباراتي‭ ‬مع‭ ‬‮«‬توني‭ ‬بلير‮»‬‭ ‬بقي‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭!‬

{‭  ‬هذا‭ ‬وغيره‭ ‬ما‭ ‬تتناوله‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الصحف‭ ‬والمواقع‭ ‬المتسائلة‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬الغزو‭ ‬العشرين،‭ ‬موقع‭ (‬ذا‭ ‬إنترسبت‭) ‬الأمريكي‭ ‬الذين‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مطول،‭ (‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬فإن‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬الذين‭ ‬شنوا‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الكارثية‭ ‬لم‭ ‬يدفعوا‭ ‬ثمنا‭  ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭) ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ (‬تم‭ ‬إغراقهم‭ ‬بالترقيات‭ ‬والمال‭)! ‬ووصف‭ ‬التقرير‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬بوش‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬الغزو‭ ‬بأنه‭ (‬أكبر‭ ‬مجرم‭ ‬حرب‭) ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬تكريمه‭ ‬كمتحدث‭ ‬يتقاضى‭ (‬100‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭) ‬مقابل‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬حديثه‭! ‬وذكر‭ ‬التقرير‭ ‬أسماء‭ ‬أخرى‭ ‬كمجرمي‭ ‬حرب‭ ‬منهم‭ (‬ديك‭ ‬تشيني،‭ ‬ودونالد‭ ‬رامسفيلد،‭ ‬وكولن‭ ‬باول،‭ ‬وكوندليزا‭ ‬رايس‭) ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬‮«‬توني‭ ‬بلير‮»‬‭ ‬وطاقمه‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬الكاذب‭!‬

{‭  ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينزف‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬ذلك‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬سلم‭ ‬العراق‭ ‬والعراقيين‭ ‬للهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وتلاعباتها،‭ ‬وإحداثها‭ ‬المتغيرات‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬ونهب‭ ‬الثروات‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬يد‭ (‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الشيعية‭) ‬الموالية‭ ‬لها‭!‬

حيث‭ ‬كرس‭ ‬هؤلاء‭ ‬استمرار‭ ‬الغلبة‭ ‬للموالين‭ ‬لإيران،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ (‬المحاصصة‭ ‬الطائفية‭) ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬وهي‭ ‬المحاصصة‭ ‬المهترئة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬حتى‭ ‬الالتزام‭ ‬بتوازناتها‭ ‬في‭ ‬المحاصصة‭ ‬رغم‭ ‬مرض‭ ‬تلك‭ ‬التوازنات‭!‬،‭ ‬لتبقى‭ ‬الغلبة‭ ‬ومسك‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الفاسدين‭ ‬وسراق‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬ومعاً‭ ‬يتحاصصون‭ ‬في‭ ‬السلطة‭!‬

{‭  ‬حين‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬العراق‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬مقصود،‭ ‬وإخراجه‭ ‬كقوة‭ ‬عربية،‭ ‬اختلت‭ ‬بسبب‭ ‬خروجه‭ ‬وضعفه‭ ‬توازنات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬أيضاً،‭ ‬لأن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭/ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬امتدت‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬بشكل‭ ‬خليجي‭ ‬ومعروف‭ ‬تاريخياً‭ ‬حين‭ ‬يضعف‭ ‬العراق،‭ ‬وتسببت‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬تعريض‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها‭ ‬وواقعها‭ ‬الجيوستراتيجي،‭ ‬لهزات‭ ‬كبيرة‭ ‬دفعت‭ ‬أثمانها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ودول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬بشكل‭ ‬باهظ‭ ‬خاصة‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬التغول‭ ‬الإيراني‮»‬‭ ‬المتخادم‭ ‬مع‭ ‬أجندة‭ ‬النظام‭ ‬الغربي‭ ‬المهيمن‭!‬

ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬البريطانية‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬بآثارها‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وحده‭ ‬بالطبع،‭ ‬وإنما‭ ‬امتدت‭ ‬الآثار‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬وحيث‭ ‬مصالح‭ ‬الخليج‭ ‬والعرب،‭ ‬باتت‭ ‬تتناوشها‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ (‬إيران،‭ ‬تركيا،‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اختل‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬سقوط‭ ‬بغداد‭!‬

{‭  ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬فاسد‭ ‬لكي‭ ‬يحاكم‭ ‬‮«‬مجرمي‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬كارثة‭ ‬العراق‭ ‬وكوارث‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ككل،‭ ‬وحيث‭ ‬‮«‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬وقادتها‭! ‬الذين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ومازالوا‭ ‬يرتكبونها‭! ‬لعل‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬تطل‭ ‬إن‭ ‬استفاد‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي‭!‬

وكذلك‭ ‬استشراف‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية‭ ‬الجيوستراتيجة‭ ‬الراهنة،‭ ‬التي‭ ‬يتهيأ‭ ‬العالم‭ ‬للدخول‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬نطاق‭ (‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تعددي‭ ‬جديد‭)‬،‭ ‬بالإمكان‭ ‬بعدها‭ ‬محاكمة‭ ‬كل‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجرائم‭ ‬وحق‭ ‬عقاب‭ ‬مرتكبيها‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا