العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

شُكرًا.. سيدتي اليابانية

بقلم : زينب البحراني

السبت ٠٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

انطلقَ‭ ‬مهرجان‭ ‬الأفلام‭ ‬اليابانية‭ ‬المواكِب‭ ‬لربيع‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬15‭ ‬فبراير‭ ‬2023م‭ ‬بعرض‭ ‬فلم‭ ‬‮«‬القدر‭- ‬حكاية‭ ‬كاماكورا‮»‬‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬إحدى‭ ‬قاعات‭ ‬متحف‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القدَر‮»‬‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يتدخَّل‭ ‬في‭ ‬حكايتي‭ ‬لأصلَ‭ ‬مُتأخرةً‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬بدء‭ ‬عرض‭ ‬الفلم‭ ‬‭ ‬السادسة‭ ‬مساءً‭- ‬ثمانية‭ ‬عشرة‭ ‬دقيقة،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬وصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬بوابة‭ ‬قاعة‭ ‬العرض‭ ‬حتى‭ ‬أخبرني‭ ‬الموظف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العدد‭ ‬مُكتمِل‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ألَّا‭ ‬حظ‭ ‬لي‭ ‬بمشاهدة‭ ‬هذا‭ ‬الفلم‭.‬

عدتُ‭ ‬أدراجي‭ ‬سريعًا‭ ‬لمُغادرة‭ ‬المتحف،‭ ‬كنتُ‭ ‬أسمع‭ ‬خطوات‭ ‬كعب‭ ‬حذاء‭ ‬أنثوي‭ ‬تحاول‭ ‬الركض‭ ‬ورائي‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬لأجلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استوقفتني‭ ‬سيدة‭ ‬يابانية‭ ‬بدا‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬المُتعاونة‭ ‬لعرض‭ ‬الفلم‭ ‬قائلةً‭ ‬بمنتهى‭ ‬الرقة‭ ‬والتعاطف‭: ‬‮«‬نحنُ‭ ‬آسفون،‭ ‬آسفون‭ ‬جدًا‭ ‬جدًا‭.. ‬لقد‭ ‬حضر‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬المُشاهدين،‭ ‬وطلبنا‭ ‬منه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تكُن‭ ‬هناك‭ ‬فُرصة‭.. ‬آسفون‭ ‬لأنكِ‭ ‬قطعتِ‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬وجئتِ‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الفلم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتمكني‭ ‬من‭ ‬مُشاهدته‮»‬‭.. ‬وقدمت‭ ‬لي‭ ‬بضعة‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬نيبونيكا‭- ‬نافذة‭ ‬على‭ ‬اليابان‮»‬‭ ‬تطييبًا‭ ‬لخاطِري‭!‬

كان‭ ‬مُحرجًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬سؤال‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬أراها‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬اسمها،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يُمكنني‭ ‬تحقيق‭ ‬أُمنيتي‭ ‬بإرسال‭ ‬بطاقة‭ ‬شُكر‭ ‬مكتوبة‭ ‬بخط‭ ‬اليد‭ ‬مع‭ ‬باقة‭ ‬وردٍ‭ ‬تليق‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬عملها،‭ ‬لكن‭ ‬ولَعي‭ ‬بالثقافة‭ ‬اليابانية‭ ‬ومُتابعتي‭ ‬لردود‭ ‬أفعال‭ ‬الجهات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الياباني‭ ‬خارج‭ ‬اليابان‭ ‬تجعلني‭ ‬أملك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬تقرأ‭ ‬كل‭ ‬مطبوعةٍ‭ ‬رسمية‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬إقامتهم‭ ‬سطرًا‭ ‬سطرًا،‭ ‬كلمةً‭ ‬كلمة،‭ ‬حرفًا‭ ‬حرفًا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬للخبر‭ ‬أو‭ ‬المقال‭ ‬علاقةً‭ ‬باليابان‭ ‬فإنهُ‭ ‬يوضع‭ ‬تحت‭ ‬المجهر‭ ‬ليُقرأ‭ ‬مرَّات‭ ‬ومرَّات‭ ‬كي‭ ‬يتم‭ ‬‮«‬اتخاذ‭ ‬اللازم‮»‬‭ ‬بشأنه،‭ ‬ومن‭ ‬مكاني‭ ‬هذا‭ ‬أنحني‭ ‬لكم‭ ‬أيها‭ ‬السادة‭ ‬اليابانيون‭ ‬بكُل‭ ‬تقدير،‭ ‬راجيةً‭ ‬منكم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬السيدة،‭ ‬ونقل‭ ‬شُكري‭ ‬وامتناني‭ ‬العميق‭ ‬لها،‭ ‬وتكريمها‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تستحقها،‭ ‬مع‭ ‬يقيني‭ ‬أنها‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬جُزءًا‭ ‬من‭ ‬واجبها‭ ‬تجاه‭ ‬موطنها‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬كما‭ ‬يؤمن‭ ‬كُل‭ ‬مواطنٍ‭ ‬ياباني‭ ‬عظيم،‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬نسيان‭ ‬نبرة‭ ‬التعاطُف‭ ‬الصادقة‭ ‬الدافئة‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬تكبدت‭ ‬عناء‭ ‬اللحاق‭ ‬بـ«إنسانة‭ ‬عادية‮»‬‭ ‬مثلي‭ ‬لاسترضائها‭ ‬وتطييب‭ ‬خاطرها‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬تكون،‭ ‬لم‭ ‬يكُن‭ ‬مُهمًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬‮«‬من‭ ‬أكون‮»‬‭ ‬قدر‭ ‬اهتمامها‭ ‬بـ‮«‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‮»‬‭ ‬لهذا‭ ‬الشخص‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬كان،‭ ‬واعتبارها‭ ‬‮«‬كُل‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬القدوم‭ ‬لأجل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالثقافة‭ ‬اليابانية‭ ‬هو‭ ‬إنسان‭ ‬مُهم‭ ‬لأنه‭ ‬اهتم‭ ‬ببلدنا‮»‬‭.‬

ما‭ ‬لا‭ ‬تعرفينهُ‭ ‬يا‭ ‬سيدتي‭ ‬أن‭ ‬موقفكِ‭ ‬هذا‭ ‬معي،‭ ‬والذي‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة،‭ ‬جعل‭ ‬روحي‭ ‬تتعافى‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬حُزنٍ‭ ‬أو‭ ‬ألمٍ‭ ‬أو‭ ‬خيبة‭ ‬أو‭ ‬خُذلان‭ ‬صادفتها‭ ‬خلال‭ ‬ذاك‭ ‬النهار،‭ ‬أطبقتُ‭ ‬بأصابعي‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬نيبونيكا‮»‬‭ ‬لأنها‭ ‬الدليل‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكُن‭ ‬أحلم‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬دموع‭ ‬الافتتان‭ ‬بتلك‭ ‬اللحظة‭ ‬تسيل‭ ‬على‭ ‬خدي‭ ‬وأنا‭ ‬جالسة‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المقاعد‭ ‬المُقابلة‭ ‬للمسطحات‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬الباحة‭ ‬الخارجية‭ ‬للمتحف،‭ ‬وتعزز‭ ‬يقيني‭ ‬أنني‭ ‬كنتُ‭ ‬أمام‭ ‬نموذجٍ‭ ‬حي‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬حضارةٍ‭ ‬عظيمة‭.‬

شُكرًا‭ ‬جزيلاً‭ ‬للقدر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬‮«‬حكاية‭ ‬كاماكورا‮»‬‭ ‬وحسب؛‭ ‬بل‭ ‬اختار‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬حكايتي‭ ‬وجعلني‭ ‬أُصادف‭ ‬لُطفك،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬مُشاهدة‭ ‬الفلم‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬أخرى؛‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الذكرى‭ ‬المُشرقة‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬لهذا‭ ‬اللقاء‭ ‬السعيد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بأي‭ ‬طريقةٍ‭ ‬أُخرى،‭ ‬وشُكرًا‭ ‬جزيلاً‭ ‬لكِ‭ ‬يا‭ ‬سيدتي‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬و«أريغاتو‭ ‬غوزايماس‮»‬‭ ‬باللغة‭ ‬اليابانية‭ ‬التي‭ ‬ضاعف‭ ‬موقفكِ‭ ‬معي‭ ‬من‭ ‬افتتاني‭ ‬بثقافتها‭.‬

zainabahrani@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا