العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

عندما تغيب «فكرة الوطن»

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬نشر‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬العربية‭.‬نت‮»‬‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مراجعات‮»‬‭ ‬يقدمه‭ ‬الباحث‭ ‬ضياء‭ ‬رشوان‭. ‬الحلقة‭ ‬تضمنت‭ ‬حوارا‭ ‬مع‭ ‬إسلام‭ ‬الكتاتني،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الشخصيات‭ ‬القيادية‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬انشق‭ ‬عن‭ ‬التنظيم‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬صفوفه‭.‬

في‭ ‬الحوار‭ ‬تحدث‭ ‬الكتاتني‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬الإخوان‭ ‬بالتفصيل،‭ ‬وتوقف‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعته‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الجماعة‭.‬

الذي‭ ‬يعنينا‭ ‬خصوصا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬يقرر‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭.‬

قال‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬عندما‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬‮«‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬الجماعة‮»‬‭. ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬تجربته‭ ‬الطويلة‭ ‬مع‭ ‬التنظيم‭ ‬اكتشف‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬مفهوم‭ ‬الوطن‭ ‬لدى‭ ‬الجماعة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجماعة‭ ‬نفسها‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬‮«‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬رؤيته‭ ‬للتنظيم‭ ‬ودوره‭ ‬فيه،‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬جديا‭ ‬في‭ ‬الانفصال‮»‬‭.‬

بالطبع‭ ‬يقصد‭ ‬بغياب‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬المصرية،‭ ‬فإن‭ ‬مصر‭ ‬الوطن‭ ‬والدولة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬وأجندة‭ ‬التنظيم‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭. ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬قصرا‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان،‭ ‬وتنظيمات‭ ‬دينية‭ ‬أخرى‭ ‬متطرفة،‭ ‬لكنه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الجماعات‭ ‬والقوى‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬والقوى،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬لهم‭ ‬الوطن‭ ‬شيئا‭ ‬كثيرا،‭ ‬وفي‭ ‬الفكر‭ ‬والأجندة‭ ‬العملية‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬أولوية‭ ‬إلا‭ ‬للطائفة‭ ‬والجماعة‭.‬

هذه‭ ‬كارثة‭ ‬كبرى‭. ‬غياب‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬يعني‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬أن‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬أهمية‭. ‬المهم‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬هو‭ ‬مصلحة‭ ‬الطائفة‭ ‬والجماعة‭. ‬ويعني‭ ‬أن‭ ‬التضحية‭ ‬بمصلحة‭ ‬الوطن‭ ‬أيًّا‭ ‬كانت‭ ‬مقبولة‭ ‬وجائزة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬المصلحة‭ ‬الطائفية‭ ‬الضيقة‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬الولاء‭ ‬الوطني‭ ‬العام،‭ ‬أي‭ ‬للوطن‭ ‬والدولة،‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬أولوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء،‭ ‬إذ‭ ‬الولاء‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا‭ ‬للطائفة‭ ‬والجماعة‭.‬

غياب‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬له‭ ‬حتما‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية‭ ‬مدمرة‭ ‬عانت‭ ‬وتعاني‭ ‬منها‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬يصبح‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭. ‬طالما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعتد‭ ‬بالوطن‭ ‬والمجتمع‭ ‬الواحد،‭ ‬فهي‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬

وهي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬معينة‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬تدمير‭ ‬وتخريب‭ ‬الدولة‭ ‬ضرورة‭ ‬لإعلاء‭ ‬كلمة‭ ‬الطائفة‭ ‬أو‭ ‬الجماعة‭. ‬ولهذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬ذراع‭ ‬مسلح،‭ ‬أو‭ ‬تنشئ‭ ‬مليشيا‭ ‬مسلحة‭.‬

ومن‭ ‬أخطر‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الاستعانة‭ ‬والاستقواء‭ ‬بالدول‭ ‬والقوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬المعادية‭ ‬للوطن،‭ ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬أي‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬التآمر‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوطن‭ ‬ومقدراته‭.‬

وإذا‭ ‬قدر‭ ‬لهذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة‭ ‬والحكم،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وتمزيق‭ ‬المجتمع‭.‬

نعلم‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬الكارثية‭ ‬شهدنا‭ ‬تجلياتها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬أمر‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الدولة‭ ‬موجودة‭ ‬بالمعنى‭ ‬المفهوم‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬ما‭ ‬شهدناه‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬2011‭ ‬مثلا‭ ‬حين‭ ‬حظيت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬بالدعم‭ ‬القوي‭ ‬بكل‭ ‬الأشكال‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬المعادية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬والتي‭ ‬تريد‭ ‬تدمير‭ ‬دولنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭.‬

الحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬وعن‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬فهذه‭ ‬أكبر‭ ‬كارثة‭ ‬ومعضلة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬كارثة‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬فكرة‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬

مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬ومعالجة‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬نواجهها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا