العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

.. ماذا سيقول الإمبرياليون؟!

قبل‭ ‬أيام‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬التايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬مقالا‭ ‬مهما‭ ‬يستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭ ‬للكاتبة‭ ‬إيما‭ ‬دنكان‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬دول‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬ترد‮»‬‭. ‬تقصد‭ ‬بدول‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستعمرها‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬امبراطورية‭ ‬كالهند‭ ‬وغيرها‭.‬

الكاتبة‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬مقالها‭ ‬عند‭ ‬ما‭ ‬تطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬تطور‭ ‬غير‭ ‬معتاد‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬ثلاثة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬خمسة،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬السياسيين‭ ‬والقادة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ممن‭ ‬ترجع‭ ‬أصولهم‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭. ‬وتشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬ريشي‭ ‬سوناك،‭ ‬وعمدة‭ ‬لندن،‭ ‬صديق‭ ‬خان،‭ ‬والوزير‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا،‭ ‬حمزة‭ ‬يوسف،‭ ‬ينحدرون‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬آسيوية‭. ‬ويمكن‭ ‬إضافة‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا‭ ‬ووزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭.‬

الكاتبة‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬التوقف‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬

وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬حدثت‭ ‬جزئيًا‭ ‬لأن‭ ‬بريطانيا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬في‭ ‬الاستعمار‭ ‬والعبودية،‭ ‬غير‭ ‬عنصرية‭ ‬نسبيًا‭. ‬وللإنصاف‭ ‬يجب‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تحسب‭ ‬لبريطانيا‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬ان‭ ‬النظام‭ ‬أتاح‭ ‬المجال‭ ‬لهؤلاء‭ ‬بالصعود‭ ‬الى‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬كفاءاتهم‭.‬

اهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬الكاتبة‭ ‬البريطانية‭ ‬انها‭ ‬تطرح‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬المحورية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬التطور‭.‬

تتساءل‭: ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬للإمبرياليين‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬لأبناء‭ ‬المستعمرات‭ ‬السابقة؟‭.. ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬نظريات‭ ‬التفوق‭ ‬العنصري‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬التبرير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬للاستعمار؟‭. ‬كما‭ ‬تتساءل‭: ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬شعورهم‭ ‬حيال‭ ‬احتمال‭ ‬حصول‭ ‬اسكتلندا‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تقسيم‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬زعيم‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬باكستاني‭ ‬في‭ ‬هوليرود‭ ‬وزعيم‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬هندي‭ ‬في‭ ‬داونينج‭ ‬ستريت؟

صحيح،‭ ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬الامبرياليون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬الظاهرة‭ ‬وكيف‭ ‬يفهمونها‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة؟‭.‬

ردا‭ ‬على‭ ‬هذ‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬الكاتبة‭ ‬قد‭ ‬يخطر‭ ‬ببال‭ ‬البعض‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬الامبرياليين‭ ‬وأصحاب‭ ‬نظرية‭ ‬التفوق‭ ‬العنصري‭ ‬للبيض‭ ‬الى‭ ‬مراجعة‭ ‬موقفهم‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حساباتهم‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬غير‭ ‬هذا‭.‬

بداية‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬فإن‭ ‬نظريات‭ ‬تفوق‭ ‬البيض‭ ‬العنصرية‭ ‬متأصلة‭ ‬وعميقة‭ ‬الجذور‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬وامريكا‭. ‬هذه‭ ‬النظريات‭ ‬تم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬لتبرير‭ ‬العبودية‭ ‬وأبشع‭ ‬صور‭ ‬الاستعمار‭ ‬والإذلال‭ ‬للشعوب‭ ‬المستعمرة‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواتها‭.‬

وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬لم‭ ‬تنحسر‭ ‬هذه‭ ‬النظريات،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬ترسخت‭ ‬أكثر‭ ‬واتخذت‭ ‬ابعادا‭ ‬خطيرة‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬شهدت‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬ظاهرتين‭ ‬خطيرتين‭ ‬مرتبطتين‭ ‬بالنظريات‭ ‬العنصرية‭.‬

الأولى‭: ‬ان‭ ‬حكومات‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تبنت‭ ‬عمليا‭ ‬في‭ ‬ممارساتها‭ ‬هذه‭ ‬النظريات‭ ‬العنصرية‭ ‬الامبريالية‭ ‬عن‭ ‬تفوق‭ ‬البيض،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬هذا‭ ‬صراحة‭ ‬بالطبع‭.‬

كل‭ ‬الحروب‭ ‬والاعتداءات‭ ‬الاجرامية‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬وكل‭ ‬محاولات‭ ‬تدمير‭ ‬النظم‭ ‬واسقاطها،‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬من‭ ‬اعتقاد‭ ‬عنصري‭ ‬راسخ‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬غير‭ ‬الغربية‭ ‬متخلفة‭ ‬وغير‭ ‬متحضرة‭ ‬ولا‭ ‬تستحق‭ ‬حتى‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وان‭ ‬الغرب‭ ‬الأبيض‭ ‬له‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يفعل‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬تحت‭ ‬دعوى‭ ‬تحقيق‭ ‬الحرية‭ ‬والتحضر‭.. ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الأكاذيب‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬صلب‭ ‬النظريات‭ ‬العنصرية‭.‬

والثانية‭: ‬ان‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬والمليشيات‭ ‬المتطرفة‭ ‬الإرهابية‭ ‬المسلحة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬هذه‭ ‬النظريات‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والمليشيات‭ ‬تتبنى‭ ‬صراحة‭ ‬وبشكل‭ ‬صارخ‭ ‬في‭ ‬وثائقها‭ ‬واعلامها‭ ‬نظرية‭ ‬تفوق‭ ‬البيض‭ ‬وانه‭ ‬يجب‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬إبقاء‭ ‬سيطرتهم‭. ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والمليشيات‭ ‬تتبنى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬الإحلال‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬واوروبا‭ ‬يتعرصون‭ ‬لخطر‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬السود‭ ‬والمسلمين‭ ‬وابناء‭ ‬الأقليات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وانه‭ ‬يجب‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هؤلاء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنقرض‭ ‬سيطرة‭ ‬البيض‭.‬

واتاحت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والمليشيات‭ ‬ساحة‭ ‬واسعة‭ ‬لنشر‭ ‬أفكارهم‭ ‬وتجنيد‭ ‬الأعضاء‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نشر‭ ‬معهد‭ ‬الحوار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬تقريرًا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬للكراهية‭: ‬تعبئة‭ ‬المتعصبين‭ ‬للعرق‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬التليجرام‮»‬‭. ‬خلص‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬المتعصبين‭ ‬للعرق‭ ‬الأبيض‭ ‬يستخدمون‭ ‬208‭ ‬قنوات‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬التليجرام‭ ‬وحده‭ ‬لنشر‭ ‬أفكارهم‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬العنف‭ ‬السياسي‭ ‬وتمجد‭ ‬الإرهاب‭ ‬والمجموعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وتدعو‭ ‬مباشرة‭ ‬لشنِّ‭ ‬هجمات‭ ‬عدوانية‭ ‬ضد‭ ‬الأقليات‭ ‬والمعارضين‭ ‬السياسيين‭.‬

وفي‭ ‬امريكا‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬انها‭ ‬لن‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬افكارها‭.‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬يسهل‭ ‬التوصل‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬الامبرياليين‭ ‬والعنصريين‭ ‬سوف‭ ‬يعتبرون‭ ‬صعود‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬تأكيدا‭ ‬لصحة‭ ‬نظرياتهم،‭ ‬وان‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬حقيقي‭ ‬ويمكن‭ ‬ان‭ ‬يزاحوا‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬ويسيطر‭ ‬أبناء‭ ‬الأقليات‭.‬

لهذا،‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نتوقع‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التطور،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى،‭ ‬دافعا‭ ‬لتفاقم‭ ‬خطر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الامبرياليين‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإرهابية‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬مستقبلا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا