العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

التطبيع مع العدوان

أمران‭ ‬هما‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭:‬

الأمر‭ ‬الأول‭: ‬تطويع‭ ‬المنظمات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالعدالة‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وتجنيدها‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندات‭ ‬سياسية‭ ‬غربية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أي‭ ‬معايير‭ ‬للعدالة‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬يجند‭ ‬الغرب‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬مثلا‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندته‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا‭ ‬والروس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬المحكمة‭ ‬شيئا‭ ‬إزاء‭ ‬جرائم‭ ‬دولية‭ ‬كبرى‭ ‬كالجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعراق‭ ‬وغيرها‭.‬

هذا‭ ‬التطور‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يشهده‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬يفقد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬يجعل‭ ‬للعدالة‭ ‬الدولية‭ ‬معنى‭ ‬ويحول‭ ‬منظمات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬سياسية‭ ‬غربية‭.‬

والأمر‭ ‬الثاني‭: ‬هو‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬العدوان‭ ‬السافر‭ ‬والانتهاك‭ ‬الإجرامي‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬باعتباره‭ ‬وضعا‭ ‬طبيعيا‭ ‬مقبولا‭ ‬تماما‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬أي‭ ‬إدانة‭ ‬أو‭ ‬شجب‭ ‬أو‭ ‬محاسبة‭.‬

المثال‭ ‬الأبرز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بعدوانه‭ ‬المتكرر‭ ‬السافر‭ ‬على‭ ‬سوريا‭.‬

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمضي‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬يومان‭ ‬الا‭ ‬ويقدم‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬عدوان‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬ومنشآت‭ ‬سورية‭ ‬ويدمر‭ ‬ويقتل‭ ‬عسكريين‭ ‬ومدنيين‭.‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬مثلا‭ ‬أقدم‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬عدوان‭ ‬على‭ ‬مطار‭ ‬حلب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وإخراجه‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬ودمر‭ ‬منشآت‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬المطار‭ ‬هو‭ ‬المنفذ‭ ‬الوحيد‭ ‬لإيصال‭ ‬مواد‭ ‬الإغاثة‭ ‬إلى‭ ‬ضحايا‭ ‬الزلزال،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬قصفة‭ ‬وإيقافه‭ ‬عن‭ ‬العمل‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬شن‭ ‬عدوان‭ ‬على‭ ‬سوريا،‭ ‬يكون‭ ‬التبرير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬واحدا‭ ‬لا‭ ‬يتغير،‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬قصف‭ ‬مواقع‭ ‬إيرانية‭ ‬داخل‭ ‬سوريا،‭ ‬أو‭ ‬تجمعات‭ ‬لقوات‭ ‬إيرانية،‭ ‬أو‭ ‬مخازن‭ ‬لأسلحة‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.. ‬وهكذا‭.‬

لسنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬مناقشة‭ ‬قضية‭ ‬الوجود‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأبعاده‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أخرى‭. ‬ليس‭ ‬هنا‭ ‬مجال‭ ‬مناقشة‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬سلمنا‭ ‬بأن‭ ‬الوجود‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬خطر‭ ‬وفقا‭ ‬لأي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أيا‭ ‬كانت،‭ ‬وإذا‭ ‬سلمنا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتهي،‭ ‬فما‭ ‬علاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بالعدوان‭ ‬المتكرر‭ ‬الذي‭ ‬يشنه‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬سوريا؟

السؤال‭ ‬الحاسم‭ ‬هنا‭: ‬من‭ ‬الذي‭ ‬أعطى‭ ‬للكيان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬أو‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أحد،‭ ‬تفويضا‭ ‬بقصف‭ ‬أو‭ ‬تدمير‭ ‬أي‭ ‬مواقع‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬سوريا؟‭.. ‬بأي‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬يتم‭ ‬شن‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬المتكرر؟‭.. ‬وفقا‭ ‬لأي‭ ‬قانون‭ ‬أو‭ ‬عرف‭ ‬يتم‭ ‬هذا؟

الجواب‭ ‬معروف‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭: ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬أعطى‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تفويضا‭.. ‬وهذا‭ ‬العدوان‭ ‬هو‭ ‬خرق‭ ‬فاضح‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬واعتداء‭ ‬سافر‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬واستقلال‭ ‬دولة‭. ‬لهذا‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العدوان‭ ‬مدانا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬وكل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭.‬

الحادث‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬قام‭ ‬بالتطبيع‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬وأصبح‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬والتطورات‭ ‬العادية‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬استنكارا‭ ‬أو‭ ‬شجبا‭.‬

وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬يشجع‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يخشى‭ ‬شيئا‭.‬

هذا‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬العدوان،‭ ‬وهذا‭ ‬الصمت‭ ‬عنه‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬له‭ ‬نتائج‭ ‬وتبعات‭ ‬خطيرة‭.‬

التعامل‭ ‬مع‭ ‬العدوان‭ ‬باعتباره‭ ‬أمرا‭ ‬مقبولا‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬إدانة‭ ‬أو‭ ‬رفضا‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬أخطاره‭ ‬عند‭ ‬سوريا،‭ ‬وإنما‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬تسليما‭ ‬بأن‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بمقدوره‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬وأي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مصالحه‭ ‬تستدعي‭ ‬ذلك‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬فلن‭ ‬يعرف‭ ‬أمنا‭ ‬ولا‭ ‬استقرارا‭. ‬

طالما‭ ‬ظل‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬مغيبا‭ ‬ومنظمات‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬مختطفة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭.. ‬وطالما‭ ‬ظل‭ ‬العالم‭ ‬مطبعا‭ ‬مع‭ ‬العدوان‭ ‬وانتهاك‭ ‬سيادة‭ ‬الدول،‭ ‬فستظل‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬لمنطق‭ ‬القوة‭ ‬والعدوان‭ ‬وشريعة‭ ‬الغاب‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا