العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وسائل.. التقاطع الاجتماعي!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

قد‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاعتراضات‭ ‬،‭ ‬ويظن‭ ‬البعض‭ ‬أننا‭ ‬نسبح‭ ‬ضد‭ ‬التيار‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬انفتح‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬للبشرية‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬قفزة‭ ‬علمية‭ ‬باهرة،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬جليلة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمار‭ ‬يانعة‭ ‬تفخر‭ ‬البشرية‭ ‬بها،‭ ‬وتثني‭ ‬عليها،‭ ‬ولولا‭ ‬هذا‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تقاصر‭ ‬المسافات،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬عصر‭ ‬الإنترنت‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬السلبيات‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬استخدامه،‭ ‬أو‭ ‬الجهل‭ ‬باستخدامه‭ ‬السليم،‭ ‬وعمومًا‭ ‬نحن‭ ‬الآباء‭ ‬والموجهين‭ ‬لا‭ ‬نصلح‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬دعاة‭ ‬وموجهين‭ ‬لأننا‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭:‬

لا‭ ‬تنه‭ ‬عن‭ ‬خلق‭ ‬وتأتي‭ ‬مثله‭ ‬عار‭ ‬عليك‭ ‬إذًا‭ ‬فعلته‭ ‬عظيم

فكيف‭ ‬يستجيب‭ ‬الابن‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الجد،‭ ‬وتجنب‭ ‬ضرر‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬الحضاري،‭ ‬وهو‭ ‬ساعة‭ ‬ينصحه‭ ‬بذلك‭ ‬تلعب‭ ‬أصابعه‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬تطبيق‭ ‬نصيحته‭ ‬عمليًا،‭ ‬ولا‭ ‬سلوكيًا،‭ ‬فيفقد‭ ‬ذلك‭ ‬الأثر‭ ‬الذي‭ ‬يرجوه‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الموجه،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الموجه‭ ‬أن‭ ‬يجيب‭ ‬ابنه‭ ‬إجابة‭ ‬صحيحة‭ ‬أو‭ ‬مقنعة‭ ‬لو‭ ‬سأله‭ ‬ابنه‭: ‬كيف‭ ‬تنصحني‭ ‬بأمر‭ ‬لا‭ ‬تستطيعه‭ ‬أنت،‭ ‬وأنت‭ ‬كبير؟‭!‬

إن‭ ‬تلعثم‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الموجه‭ ‬حين‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬صحيحة‭ ‬لهذا‭ ‬السؤال‭ ‬المحرج‭ ‬الذي‭ ‬يوجهه‭ ‬إليه‭ ‬ابنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أكبر‭ ‬ضررًا‭ ‬من‭ ‬انشغال‭ ‬الابن‭ ‬بهذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬مثال‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬كلهم‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وقد‭ ‬تسعد‭ ‬بذلك،‭ ‬وتظن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة‭ ‬أحسن‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬ولكن‭ ‬تفاجأ‭ ‬حين‭ ‬تتفقدهم‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الجلوس،‭ ‬أو‭ ‬تبحث‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الطعام‭ ‬فلا‭ ‬تجدهم‭ ‬كذلك،‭ ‬فيخيب‭ ‬ظنك،‭ ‬وتعلم‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬علاقاتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وثيقة‭ ‬الصلة‭ ‬حتى‭ ‬الإخوة‭ ‬الذين‭ ‬أعمارهم‭ ‬متقاربة‭ ‬لا‭ ‬تجدهم‭ ‬موجودين،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬يحمل‭ ‬جهازه‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬أو‭ ‬اللابتوب،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأجهزة،‭ ‬وإنه‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يتصل‭ ‬بأخيه‭ ‬لا‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬خطوات‭ ‬تحمله‭ ‬إلي‭ ‬غرفة‭ ‬أخيه،‭ ‬بل‭ ‬يكلمه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهاتف،‭ ‬إذًا‭ ‬فيجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬أطلقناها‭ ‬عليها‭ ‬وهو‭: ‬أجهزة‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ونسميها‭: ‬أجهزة‭ (‬التقاطع‭) ‬الاجتماعي‭! ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬كثيرة‭ ‬معظمها‭ ‬صالحة‭ ‬للهو‭ ‬مثل‭ ‬play‭ ‬station،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬اللهو،‭ ‬وهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬تشغل‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬العلم‭ ‬النافع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬ذخر‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الدنيا‭ ‬وبعد‭ ‬مماته،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬إذًا‭ ‬مات‭ ‬الإنسان‭ ‬انقطع‭ ‬عمله‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭: ‬صدقةٍ‭ ‬جارية،‭ ‬أو‭ ‬علمٍ‭ ‬ينتفع‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬ولد‭ ‬صالح‭ ‬يدعو‭ ‬له‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬الحديثة‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬إهدار‭ ‬الوقت‭ ‬الثمين‭ ‬الذي‭ ‬يملكه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نفع‭ ‬فيه،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكسبك‭ ‬عادات‭ ‬سيئة،‭ ‬وهي‭ ‬عدم‭ ‬الاجتماع‭ ‬بمن‭ ‬تحب،‭ ‬وتقوية‭ ‬أواصر‭ ‬القرابة‭ ‬وصلة‭ ‬الأرحام‭ ‬التي‭ ‬أكدها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وحتى‭ ‬نكون‭ ‬منصفًين،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نتهم‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬بأنها‭ ‬سيئة‭ ‬السمعة،‭ ‬ولا‭ ‬نحملها‭ ‬أخطاءنا،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬بمسؤوليتنا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التقصير‭ ‬أو‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬المتقدمة‭ ‬جدًا،‭ ‬والتي‭ ‬استفاد‭ ‬العالم‭ ‬منها،‭ ‬وحققوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الغايات‭ ‬التي‭ ‬اخترعت‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وأن‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التقصير‭ ‬أو‭ ‬القصور‭ ‬تقع‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬لأنها‭ ‬أجهزة‭ (‬محايدة‭) ‬تصلح‭ ‬للخير،‭ ‬وكذلك‭ ‬تصلح‭ ‬للشر،‭ ‬والنتيجة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الإرادة‭ ‬البشرية‭ ‬وتوجهها‭ ‬وتوجيهها،‭ ‬فإن‭ ‬وجهت‭ ‬إلى‭ ‬الخير‭ ‬أثمرت‭ ‬خيرًا،‭ ‬وإن‭ ‬وجهت‭ ‬إلى‭ ‬الشر‭ ‬أنتجت‭ ‬شرًا،‭ ‬وصدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭: (‬فمن‭ ‬يعمل‭ ‬مثقال‭ ‬ذرة‭ ‬خيرًا‭ ‬يره‭ (‬7‭) ‬ومن‭ ‬يعمل‭ ‬مثقال‭ ‬ذرة‭ ‬شرًا‭ ‬يره‭ (‬8‭) ‬سورة‭ ‬الزلزلة‭).‬

وعلى‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بخاتم‭ ‬الرسالات،‭ ‬وجعلها‭ ‬الأمة‭ ‬الخاتمة‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬الرسالة‭ ‬الأعظم،‭ ‬والرسول‭ ‬الأعظم،‭ ‬الشريعة‭ ‬الأعظم،‭ ‬والمعجزة‭ ‬الأعظم‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الحضارات‭ ‬أنفع‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬المدنيات‭ ‬أصلح‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬البشر،‭ ‬وصالح‭ ‬ما‭ ‬بلغته‭ ‬من‭ ‬رقي‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬نرجوه‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬مطمور‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة،‭ ‬وإننا‭ ‬إذا‭ ‬أحسنا‭ ‬استخدامها،‭ ‬واستوعبنا‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬رفد‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها،‭ ‬ونرجو‭ ‬عطاءها،‭ ‬فإننا‭ ‬سوف‭ ‬نجني‭ ‬ثمارها،‭ ‬ونحقق‭ ‬ما‭ ‬نتمنى‭ ‬ونرجو‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬اخترعت‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬الحضارية‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬فنبرزها‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود،‭ ‬فنسهم‭ ‬وبشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الحضارة‭ ‬وإبراز‭ ‬قيمها‭ ‬المرجوة،‭ ‬فتحقق‭ ‬للبشرية‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الرفاهية‭ ‬واتساعًا‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬الحضاري‭ ‬وتسعى‭ ‬جاهدة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬نفعٍ‭ ‬ترجوه‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬غدها‭ ‬المأمول‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا