العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرشوة.. آفة اجتماعية خطيرة

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

قال‭ ‬لي‭ ‬صاحبي،‭ ‬إن‭ ‬صاحبه‭ ‬ترقى‭ ‬وأصبح‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬للعملاء‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬صاحبي‭ ‬إنسانا‭ ‬بسيطا‭ ‬لم‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬التجار‭ ‬وكبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬قط‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬دخل‭ ‬مكتبه‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬معاملة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تكتمل‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إنجاز‭ ‬المعاملة‭. ‬جلس‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعمله‭ ‬وأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬وكذلك‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬المعاملة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنته،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬صاحبي‭ ‬أن‭ ‬يكمل‭ ‬الإجراءات‭ ‬حتى‭ ‬ينجز‭ ‬العمل‭ ‬المطلوب‭. ‬وعده‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬خيرًا،‭ ‬فطلب‭ ‬منه‭ ‬مهلة‭ ‬يومين‭ ‬حتى‭ ‬يرى‭ ‬الأوراق‭ ‬المطلوبة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتواصل‭ ‬معه‭.‬

وبالفعل‭ ‬قام‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬بطلب‭ ‬معاملة‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال،‭ ‬ودرس‭ ‬مشروعه،‭ ‬فوجد‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬لا‭ ‬تستدعي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التأخير،‭ ‬وإنما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬السريعة‭ ‬حتى‭ ‬ينتهي‭ ‬الموضوع،‭ ‬فقام‭ ‬بحسن‭ ‬نية‭ ‬وطلب‭ ‬إنهاء‭ ‬الموضوع‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة،‭ ‬وبالفعل،‭ ‬فقبل‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬المدة‭ ‬المقررة،‭ ‬انتهى‭ ‬الموضوع،‭ ‬وتم‭ ‬الاتصال‭ ‬برجل‭ ‬الأعمال‭ ‬فأنجز‭ ‬عمله،‭ ‬وانتهى‭.‬

يقول‭ ‬صاحب‭ ‬صاحبي‭ ‬رئيس‭ ‬القسم؛‭ ‬إلى‭ ‬هنا‭ ‬والموضوع‭ ‬عادي‭ ‬لا‭ ‬جديد،‭ ‬فهذه‭ ‬مهمة‭ ‬القسم‭ ‬والموظفين‭ ‬كلهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬العملاء‭.‬

ولكن‭ ‬وفي‭ ‬مساء‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬رن‭ ‬جرس‭ ‬باب‭ ‬المنزل،‭ ‬يقول‭ ‬رئيس‭ ‬القسم،‭ ‬فقلت‭ ‬لولدي‭: ‬اذهب‭ ‬وأجب‭ ‬الباب‭. ‬فذهب‭ ‬الابن‭ ‬ثم‭ ‬رجع،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬يريدك‭. ‬يقول‭ ‬فاستغربت،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أنتظر‭ ‬زائر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬ولكني‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الباب،‭ ‬وإذ‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬وأمامه‭ ‬صندوق‭ ‬ورقي‭ (‬كارتون‭) ‬كبير،‭ ‬فقال‭: ‬هذا‭ ‬هدية‭ ‬لك‭ ‬من‭ (‬رجل‭ ‬الأعمال‭) ‬لأنك‭ ‬أنجزت‭ ‬مهمته‭.‬

فقلت‭ ‬له‭: ‬قل‭ ‬له‭ ‬شكرًا،‭ ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬مهامي‭ ‬أن‭ ‬أنجز‭ ‬أعمال‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬فقط‭.‬

فأصر‭ ‬الرجل،‭ ‬ولكني‭ ‬رفضت،‭ ‬فأغلقت‭ ‬الباب،‭ ‬ودخلت‭ ‬المنزل‭. ‬وبعدها‭ ‬بدقائق‭ ‬سمعت‭ ‬هاتفي‭ ‬يرن،‭ ‬وإذ‭ ‬هو‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬وهو‭ ‬يتعذر‭ ‬ويقول‭: ‬لا‭ ‬تفهمني‭ ‬خطأ،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬هدية‭ ‬بسيطة،‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬ولكنك‭ ‬ساعدتني‭ ‬كثيرًا‭ ‬لإنجاز‭ ‬المهمة،‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭.‬

فشكرته‭ ‬ثم‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬ألا‭ ‬يعاود‭ ‬الكرة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فالحمد‭ ‬لله‭ ‬مستورة‭.‬

تنتهي‭ ‬قصة‭ ‬صاحب‭ ‬صاحبي‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬ولكن‭ ‬خلال‭ ‬مسيرتي‭ ‬المهنية‭ ‬شاهدت‭ ‬وسمعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بتقديم‭ ‬زجاجة‭ ‬عطر‭ ‬صغيرة‭ ‬مثل‭ ‬دهن‭ ‬العود،‭ ‬وتنتهي‭ ‬ببناء‭ ‬منزل‭ ‬أو‭ ‬تركيب‭ ‬مكيفات‭ ‬منزل‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬سيارات،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬تسمى‭ (‬رشوة‭).   ‬

يروى‭ ‬في‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬استعمل‭ ‬رجلاً‭ ‬من بني‭ ‬أسد،‮ ‬يقال‭ ‬له ابن‭ ‬الأتبية‮ ‬على‭ ‬صدقة،‭ ‬فلما‭ ‬قدم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬لكم‭ ‬وهذا‭ ‬أهدي‭ ‬لي‮»‬‭. ‬فقام‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬على‭ ‬المنبر‭ ‬فحمد‭ ‬الله‭ ‬وأثنى‭ ‬عليه،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ما‭ ‬بال‭ ‬العامل‭ ‬نبعثه‭ ‬فيأتي‭ ‬يقول‭ ‬هذا‭ ‬لك‭ ‬وهذا‭ ‬لي،‮ ‬فهلا‭ ‬جلس‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أبيه‭ ‬وأمه‭ ‬فينظر‭ ‬أيهدى‭ ‬له‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬والذي‭ ‬نفسي‭ ‬بيده‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬بشيء‭ ‬إلا‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬يحمله‭ ‬على‭ ‬رقبته‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬بعيرًا‭ ‬له‭ ‬رغاء‭ ‬أو‭ ‬بقرة‭ ‬لها‭ ‬خوار‭ ‬أو‭ ‬شاة‭ ‬تيعر،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬يديه‭ ‬حتى‭ ‬رأينا‭ ‬عفرتي‭ ‬إبطيه،‭ ‬فقال‭: ‬ألا‭ ‬هل‭ ‬بلغت‭ ‬ثلاثًا؟‮»‬‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬غضب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬لأنه‭ ‬أخذ‭ (‬رشوة‭) ‬أثناء‭ ‬تأدية‭ ‬عمله،‭ ‬فلماذا‭ ‬غضب‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟‭ ‬وهل‭ ‬الرشوة‭ ‬آفة‭ ‬ومشكلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬في‭ ‬المجتمع؟‭ ‬كيف‭ ‬ذلك؟

تُعرف‭ (‬الرشوة‭) ‬ببساطة‭ ‬أنها‭ ‬إعطاء‭ ‬أو‭ ‬تلقي‭ ‬منفعة‭ ‬مادية‭ ‬أو‭ ‬معنوية‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬أخلاقية‭ ‬مقابل‭ ‬تحقيق‭ ‬مصلحة‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬تجاوز‭ ‬القانون‭. ‬وصور‭ ‬الرشوة‭ ‬كثيرة؛‭ ‬ومن‭ ‬أبسطها‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬إنسان‭ ‬ما‭ ‬مبلغ‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬لموظف‭ ‬حتى‭ ‬ينجز‭ ‬معاملتك‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬متجاوزًا‭ ‬كل‭ ‬العملاء‭ ‬الذين‭ ‬يسبقونك،‭ ‬أو‭ ‬تقدم‭ ‬بصورة‭ ‬هدايا،‭ ‬أو‭ ‬خدمات،‭ ‬أو‭ ‬وعود‭ ‬بمنافع‭ ‬مستقبلية‭ ‬تُقدم‭ ‬لطرف‭ ‬ذي‭ ‬سلطة‭ ‬أو‭ ‬تأثير‭ ‬بهدف‭ ‬التلاعب‭ ‬بالقرارات‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬غير‭ ‬مستحقة،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬رشاوى‭ ‬تحاسب‭ ‬عليها‭ ‬قوانين‭ ‬الدول،‭ ‬وإن‭ ‬غفلت‭ ‬عنها‭ ‬قوانين‭ ‬الدولة،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لا‭ ‬يغفل‭ ‬عنها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬للرشوة‭ ‬بعض‭ ‬الفوائد‭ ‬للمعطي‭ ‬والآخذ،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الآفات‭ ‬التي‭ ‬تنخر‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مكافحتها‭ ‬وتحريمها،‭ ‬وذلك‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭:‬

أولاً‭: ‬تأثيرات‭ ‬الرشوة‭ ‬في‭ ‬المجتمع؛‭ ‬أشارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬للرشوة‭ ‬آثارا‭ ‬سلبية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ظاهرة‭ ‬مستشرية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬عمل‭ ‬بسيط،‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬ضيق،‭ ‬لأنها‭ ‬حتمًا‭ ‬ستنتشر‭ ‬يومًا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتصدى‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭:‬

1‭. ‬ضعف‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭: ‬تُضعف‭ ‬الرشوة‭ ‬مبدأ‭ ‬العدالة،‭ ‬حيث‭ ‬يحصل‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬الرشوة‭ ‬على‭ ‬امتيازات‭ ‬غير‭ ‬مستحقة‭ ‬مقارنة‭ ‬بغيرهم،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انعدام‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والفرص،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬وضعت‭ ‬قوانين‭ ‬وأنظمة‭ ‬فإن‭ ‬الرشوة‭ ‬ستُعرقل‭ ‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬إذ‭ ‬يصبح‭ ‬القرار‭ ‬مبنيًا‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬الشخصي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقوانين‭ ‬واللوائح‭.‬

2‭. ‬انهيار‭ ‬الثقة‭ ‬بالمؤسسات‭: ‬تبحث‭ ‬المؤسسات‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬تنمية‭ ‬وتطوير‭ ‬صورتها‭ ‬الذهنية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولكن‭ ‬بتعاطي‭ ‬الرشوة‭ ‬فإن‭ ‬ثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬والعملاء‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬تضعف‭ ‬وربما‭ ‬تنهار،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬العملاء‭ ‬أن‭ ‬القرارات‭ ‬تُتخذ‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬شخصية‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬لذلك‭ ‬ينتشر‭ ‬الإحباط‭ ‬ويضعف‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬الوطني‭.‬

3‭. ‬تدهور‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭: ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬الرشوة‭ ‬تُشجع‭ ‬على‭ ‬الانحراف‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬إذ‭ ‬تنقل‭ ‬رسالة‭ ‬بأن‭ ‬الغش‭ ‬والفساد‭ ‬وسيلة‭ ‬مقبولة‭ ‬لتحقيق‭ ‬النجاح،‭ ‬فتسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ (‬الواسطة‭) ‬والمحسوبية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الكفاءة‭ ‬والنزاهة‭.‬

4‭. ‬زيادة‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭: ‬تؤدي‭ ‬الرشوة‭ ‬إلى‭ ‬توزيع‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬للموارد‭ ‬والخدمات،‭ ‬مما‭ ‬يفاقم‭ ‬مشكلة‭ ‬الفقر،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تعيق‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬تحسين‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد،‭ ‬حيث‭ ‬تُهدر‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬الفساد‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استثمارها‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬تعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭.‬

ثانيًا‭: ‬تأثيرات‭ ‬الرشوة‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬الاقتصاد؛‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الرشوة‭ ‬تُعد‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬والإداري،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تبديد‭ ‬الموارد‭ ‬العامة‭ ‬وسوء‭ ‬استخدامها،‭ ‬وقلنا‭ ‬إنها‭ ‬تُضعف‭ ‬بيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬والاستثمار؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬الرشوة‭ ‬تواجه‭ ‬عقبات‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬تمارسها،‭ ‬ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الأكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬هي‭:‬

1‭. ‬زيادة‭ ‬تكاليف‭ ‬الأعمال،‭ ‬فالرشوة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تكاليف‭ ‬العمليات‭ ‬التجارية‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬دفع‭ ‬مبالغ‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬لتسهيل‭ ‬أو‭ ‬تسريع‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وهذا‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬النفقات‭ ‬العامة‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحميل‭ ‬التكاليف‭ ‬على‭ ‬المستهلكين‭.‬

2‭. ‬تقليل‭ ‬الكفاءة‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬وعندما‭ ‬تصبح‭ ‬الرشوة‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف،‭ ‬يتم‭ ‬تجاوز‭ ‬الكفاءات‭ ‬والمهارات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فالأشخاص‭ ‬الأقل‭ ‬كفاءة‭ ‬قد‭ ‬يشغلون‭ ‬مناصب‭ ‬مهمة‭ ‬بسبب‭ ‬الرشوة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والأداء‭ ‬العام‭.‬

3‭. ‬تشويه‭ ‬المنافسة،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الرشوة‭ ‬تشوه‭ ‬المنافسة‭ ‬العادلة‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات،‭ ‬فالمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬رشاوى‭ ‬قد‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬ومشروعات‭ ‬غير‭ ‬مستحقة،‭ ‬مما‭ ‬يعرقل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬وعدلاً‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬الشريفة‭.‬

4‭. ‬تهديد‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي،‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬بيئات‭ ‬أعمال‭ ‬شفافة‭ ‬ونزيهة،‭ ‬ولكن‭ ‬انتشار‭ ‬الرشوة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬معين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يردع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬تدفق‭ ‬الأموال‭ ‬والاستثمارات‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المحلي‭.‬

5‭. ‬تشجيع‭ ‬الفساد،‭ ‬نعرف‭ ‬جميعًا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الرشوة‭ ‬تُعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬والآفات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وهي‭ ‬تمهيد‭ ‬لزيادة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬سلبية‭ ‬تعيق‭ ‬النمو‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭.‬

الحلول‭ ‬المستدامة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الرشوة‭ ‬

وحتى‭ ‬نكون‭ ‬عمليين‭ ‬وموضوعيين،‭ ‬فإن‭ ‬مكافحة‭ ‬الرشوة‭ ‬أمر‭ ‬ممكن،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتطلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬المتواصلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬لفرض‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة،‭ ‬فالمحافظة‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬أعمال‭ ‬نزيهة‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬مستدام،‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الأساليب‭:‬

1‭. ‬تعزيز‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭: ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬الصارمة‭ ‬ضد‭ ‬الفساد،‭ ‬ونشر‭ ‬آليات‭ ‬واضحة‭ ‬للتقارير‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭.‬

2‭. ‬توعية‭ ‬المجتمع‭: ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬وإعلامية‭ ‬لتوضيح‭ ‬أضرار‭ ‬الرشوة‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع‭.‬

3‭. ‬تمكين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرقابية‭: ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬الهيئات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬بالاستقلالية‭ ‬والموارد‭ ‬اللازمة‭.‬

4‭. ‬تحفيز‭ ‬النزاهة‭: ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬حوافز‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬للأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الملتزمة‭ ‬بالقوانين‭.‬

5‭. ‬التقنية‭: ‬وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬الحلول‭ ‬الرقمية‭ ‬لتقليل‭ ‬التعاملات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُستغل‭ ‬للرشوة،‭ ‬مثل‭ ‬تطبيق‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفع‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

ولا‭ ‬يسعنا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نختم‭ ‬مقالنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نذكركم‭ ‬بمنهجية‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وهي‭ ‬منهج‭ ‬محاسبة‭ ‬الولاة‭ ‬والأمراء‭ ‬حين‭ ‬يبعثهم‭ ‬لعمل‭ ‬ما‭ (‬من‭ ‬أين‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬؟‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬تروي‭ ‬كتب‭ ‬السير‭ ‬أن‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬كتب‭ ‬إلى عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وكان‭ ‬عامله‭ ‬على‭ ‬مصر‏‭:‬‏‭ ‬‮«‬من‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬إلى‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬سلام‭ ‬عليك،‭ ‬أما‭ ‬بعد،‭ ‬فإنه‭ ‬بلغني‭ ‬أنك‭ ‬فشت‭ ‬لك‭ ‬فاشية‭ ‬من‭ ‬خيل‭ ‬وإبل‭ ‬وغنم‭ ‬وبقر‭ ‬وعبيد‏،‭ ‬وعهدي‭ ‬بك‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مال‭ ‬لك،‭ ‬فاكتب‭ ‬إليَّ‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أصل‭ ‬هذا‭ ‬المال،‭ ‬ولا‭ ‬تخفي‭ ‬عني‭ ‬شيئًا‮»‬‭.‬

فالرشوة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬سلوك‭ ‬غير‭ ‬أخلاقي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬تقوض‭ ‬أسس‭ ‬التنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع،‭ ‬ومكافحتها‭ ‬تتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬الأفراد،‭ ‬المؤسسات،‭ ‬والحكومات‭ ‬لبناء‭ ‬بيئة‭ ‬تُعلي‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والنزاهة‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا