العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هشاشة «إسرائيل» وجسر الإمـدادات الأمـريـكـي الذي ينقذها!

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ١٠ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لطالما‭ ‬اعتمدت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬بقائها‭ ‬وقوتها‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الخارجي،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭. ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والسياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والاستخباراتي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُنظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لاستمرار‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وسط‭ ‬صراعاتها‭ ‬الإقليمية‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬هل‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬العنكبوت‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة،‭ ‬رغم‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الهائلة؟

منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬تلقت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬دعمًا‭ ‬هائلًا‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭. ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬محوريا‭ ‬لاستمرار‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خصصت‭ ‬وتخصص‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستخبارية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توفير‭ ‬مظلة‭ ‬سياسية‭ ‬لحمايتها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وتعزز‭ ‬ذلك‭ ‬بدعم‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬إستراتيجية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬‮«‬الجسر‭ ‬الجوي‭ ‬والبحري‮»‬‭ ‬للأسلحة‭ ‬والمساعدات‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جعلها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬ضغوط‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬خارجي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬العنكبوت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الراحل‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ (‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭).‬

خلال‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬و«حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬لعبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬إبقاء‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجسر‭ ‬الجوي‭ ‬المستمر‭ ‬لإمدادها‭ ‬بالأسلحة‭. ‬كذلك،‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬لبنان‭ ‬2006،‭ ‬وقبلها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1973‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬وبعدها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الراهنة،‭ ‬أقامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جسرًا‭ ‬جويًا‭ ‬سريعًا‭ ‬لنقل‭ ‬الذخائر‭ ‬والمعدات‭ ‬المتطورة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬هذا‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتكرر‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬يعكس‭ ‬ضعف‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬احتياجاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬خارجي‭.‬

وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ظهرت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬إمدادات‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬مواجهة،‭ ‬تبقى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الجسر‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التفوق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كافيًا‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬لصالحها‭ ‬أو‭ ‬إخماد‭ ‬المقاومة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬تمكنت‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬و‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬إحراج‭ ‬إسرائيل‭ ‬عسكريًا‭ ‬ودبلوماسيًا‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.  ‬وهؤلاء‭ ‬المقاومون‭ ‬لا‭ ‬يعتمدون‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬‮«‬الطاقة‭ ‬الشعبية‮»‬‭ ‬و‮«‬الدعم‭ ‬الإقليمي‮»‬‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬مثل‭: ‬إيران‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬الغرب‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬تواجه‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أزمة‭ ‬داخلية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الانقسامات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭. ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬التيارات‭ ‬العلمانية‭ ‬والدينية‭ ‬المتشددة،‭ ‬والانقسامات‭ ‬العرقية‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬الشرقيين‭ ‬والغربيين،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬التماسك‭ ‬الداخلي‭. ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬تجعل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬خارجي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أصبح‭ ‬مرهقًا‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬المستمرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬تزايد‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة‭ ‬للسياسات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬البلاد‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬أمن‭ ‬حقيقي‭. ‬هذه‭ ‬الانقسامات‭ ‬الداخلية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬السطح،‭ ‬لكنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬جوهرية‭.‬

‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬حاولت‭ ‬مرارًا‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬شاملة‭ ‬لإبادة‭ ‬المقاومة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭. ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل‭. ‬فاستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬عسكرية‭ ‬متطورة،‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬شوكة‭ ‬المقاومة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬أظهرت‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬طوال‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬قدرة‭ ‬أسطورية‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والاستمرار،‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬تعقيد‭ ‬الصراع‭.‬

الصراع‭ ‬بين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬والمقاومة،‭ ‬إذًا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬نزاعًا‭ ‬عسكريًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬وبين‭ ‬قوة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬للبقاء‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬الحلول‭ ‬العسكرية‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭ ‬لإنهاء‭ ‬النزاع،‭ ‬وأن‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الغرب،‭ ‬وخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لكنها‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭. ‬والمقاومة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وبما‭ ‬يتلقيانه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬أظهرا‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬زعزعة‭ ‬هذا‭ ‬التفوق،‭ ‬وكشفا‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬وحدها‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬والعقيدة‭. ‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬العنكبوت‮»‬‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬وصف‭ ‬للوضع‭ ‬الإسرائيلي؛‭ ‬دولة‭ ‬تبدو‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬لكنها‭ ‬هشة‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استمراريتها‭. ‬ولولا‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬الهائل‭ ‬فإن‭ ‬قوى‭ ‬الإقليم‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وحدها،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬استنزاف‮»‬‭ ‬تنهي‭ ‬صورة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بوصفها‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬‮«‬الردع‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا