العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في ذكرى مرور 107 سنوات على وعد بلفور

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

وعد‭ ‬بلفور‭ ‬الذي‭ ‬شاركت‭ ‬فيه‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬قبل‭ ‬107‭ ‬سنوات،‭ ‬كتابة‭ ‬وترجمة،‭ ‬ودعماً‭ ‬وحماية‭ ‬وتغذية،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬ونواياها‭ ‬واتجاهاتها،‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬والحماية‭ ‬والتغذية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬رأس‭ ‬حربة‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬اللاهوتي‭ ‬إلى‭ ‬استعماري،‭ ‬وفي‭ ‬تحويل‭ ‬الاستعماري‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬سياسي‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬الآن‭ ‬أسنان‭ ‬وأظافر،‭ ‬أصبح‭ ‬معها‭ ‬وبها‭ ‬يهدد‭ ‬أو‭ ‬يحرج‭ ‬بريطانيا‭ ‬نفسها‭. ‬

ما‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أقوله‭ ‬هنا،‭ ‬بعد‭ ‬107‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭ ‬القبيح‭ ‬والمجرم‭ ‬الذي‭ ‬غطى‭ ‬السرقة‭ ‬والقتل‭ ‬والتشريد‭ ‬وتفكيك‭ ‬جماعة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وحرمه‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬ومجتمعه‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬الصورة‭ ‬الأوضح‭ ‬والأكثر‭ ‬صراحة‭ ‬لمعنى‭ ‬الاستعمار‭ ‬والعنصرية‭ ‬والأيديولوجية‭ ‬الفاسدة‭ ‬السقيمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬الشعوب‭ ‬وسرقة‭ ‬أراضيها‭ ‬وثرواتها‭ ‬عملاً‭ ‬بغيضاً‭ ‬أو‭ ‬مرفوضاً‭.‬

هذا‭ ‬الوعد‭ ‬المجرم‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬تعرية‭ ‬أخلاقية‭ ‬وسياسية‭ ‬وحضارية‭ ‬لكل‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬يتفضل‭ ‬علينا،‭ ‬ويتشدق‭ ‬دائماً‭ ‬بالأخلاقية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وباقي‭ ‬تلك‭ ‬الأكاذيب‭.‬

وعد‭ ‬بلفور‭ ‬إثبات‭ ‬فعلي‭ ‬على‭ ‬الفجور‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬والحضاري،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إصلاحه‭ ‬أو‭ ‬الاعتذار‭ ‬عنه،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬تفاخرت‭ ‬رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬بأن‭ ‬بريطانيا‭ ‬أقامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬وقح‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬وعربي‭ ‬وإسلامي‭.‬

المهم‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬107‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭ ‬المجرم،‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬ورطة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها،‭ ‬واجه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬أو‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬للجماعة‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬فيه،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الاحتلال‭ ‬والنكران‭ ‬والشطب‭ ‬والتجاوز‭ ‬والتفكيك‭ ‬والقتل‭ ‬والتهجير‭ ‬والتشريد‭ ‬والمنع‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عصاه‭ ‬ويرتحل‭ ‬تحت‭ ‬كل‭ ‬كوكب‭ ‬يعاني‭ ‬الإهمال‭ ‬والمحاصرة‭ ‬والإفقار‭ ‬والقتل‭ ‬والنفي‭ ‬والتوجس،‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يبقي‭ ‬جمرة‭ ‬الحنين‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬وأن‭ ‬يحفر‭ ‬في‭ ‬الصخر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬جنته‭ ‬التي‭ ‬طرد‭ ‬منها،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬الطويلة‭ ‬تغيرت‭ ‬الدنيا‭ ‬والناس،‭ ‬وتغيرت‭ ‬الأهداف‭ ‬والتحديات‭ ‬وتغيرت‭ ‬الأولويات‭ ‬والزعامات،‭ ‬لهذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬تعريفات‭ ‬لأجزاء‭ ‬من‭ ‬قلبه‭ ‬وأعضائه‭ ‬الحميمة،‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬كما‭ ‬يحلم‭ ‬به،‭ ‬والوطن‭ ‬الذي‭ ‬تسمح‭ ‬به‭ ‬السياسة،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬دولته‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬ثورته،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬شعبه‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬جمهوره‭.‬

كان‭ ‬على‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬تعريفاته،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيد‭ ‬تعريف‭ ‬أو‭ ‬تأكيد‭ ‬بنوّته‭ ‬لأمه‭ ‬وأرضه‭. ‬كان‭ ‬على‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬‭ ‬مجبراً‭ - ‬تعريفاً‭ ‬آخر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬بسبب‭ ‬التوازنات‭ ‬أو‭ ‬التسويات‭ ‬أو‭ ‬الضغوط‭ ‬أو‭ ‬التغييرات‭ ‬العالمية‭.‬

فما‭ ‬هو‭ ‬وطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الآن،‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬وذلك‭ ‬الذي‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭ ‬السياسية،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬شعبه‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يغني‭ ‬له‭ ‬صباح‭ ‬مساء،‭ ‬وبين‭ ‬ذلك‭ ‬الشعب‭ ‬الموزع‭ ‬في‭ ‬المساحات‭ ‬والساحات‭.‬

الفلسطيني‭- ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬الطويلة‭ ‬والمريرة‭ - ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬حقوقه‭ ‬أو‭ ‬يبني‭ ‬دولته،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يجبر‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتواضع‭ ‬ويتنازل‭ ‬ويقبل‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬النار‭ ‬والتهديدات‭ ‬والحصارات‭ ‬تسويات‭ ‬مذلة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬فجوراً‭ ‬ووقاحة‭.‬

ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬وإن‭ ‬أقام‭ ‬كياناً‭ ‬للصهاينة،‭ ‬ولكن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬الأمن،‭ ‬ولا‭ ‬الاستقرار‭ ‬ولا‭ ‬البقاء‭ ‬ربما‭. ‬

وعد‭ ‬بلفور‭ ‬أساء‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬ولكنه‭ ‬أضرّ‭ ‬بجماعات‭ ‬اليهود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬آمنة‭ ‬ومطمئنة‭ ‬في‭ ‬بلادها،‭ ‬وألحق‭ ‬أكبر‭ ‬الضرر‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الإقليم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يهدد‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭. ‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬بلفور‭ ‬ووعده‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬ساعده،‭ ‬ثم‭ ‬يأتون‭ ‬متباكين‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭.. ‬ليسوا‭ ‬كذبة‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬فجرة‭!‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا