العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

حدود «الانفتاح» الإيراني

منذ‭ ‬أن‭ ‬فاز‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إصلاحي،‭ ‬بالرئاسة‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬تزايد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬إيران‭ ‬الخارجية‭. ‬بعبارة‭ ‬أدق،‭ ‬تزايد‭ ‬الحديث‭ ‬احتمالات‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬إيرانية‭ ‬أكثر‭ ‬اعتدالا‭ ‬وانفتاحا‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وخصوصا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬ومع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

الذي‭ ‬عزز‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانفتاح‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬إيران‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬بزشكيان‭ ‬نفسه‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬أركان‭ ‬حملته‭. ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬وخروج‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬عزلتها‭. ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬سيفيد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ ‬والمواطنين‭ ‬إفادة‭ ‬كبرى‭. ‬ولهذا‭ ‬تعهد‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬لإحياء‭ ‬المحادثات‭ ‬حول‭ ‬ملف‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬المتوقفة‭ ‬منذ‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭.‬

الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬والمراقبين‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬والاعتدال‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬إيران‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬نفسه‭ ‬خامنئي‭ ‬يؤيد‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭.‬

محللون‭ ‬أشاروا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬السماح‭ ‬لبزشكيان‭ ‬بالترشح،‭ ‬وارتأى‭ ‬أن‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬تقتضي‭ ‬هذا‭.‬

اتخاذ‭ ‬المرشد‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬كان‭ ‬إقرارا‭ ‬منه‭ ‬بعمق‭ ‬الأزمة‭ ‬الطاحنة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬إيران‭ ‬وبالتداعيات‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬النظام‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التغيير‭.‬

تقارير‭ ‬كثيرة‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬خامنئي‭ ‬بأن‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬النظام‭ ‬وصل‭ ‬حدا‭ ‬خطيرا‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬احتوائه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتفاقم‭ ‬أكثر‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تحديدا‭ ‬أيد‭ ‬وصول‭ ‬مرشح‭ ‬يوصف‭ ‬بالإصلاحي‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬كي‭ ‬يعطي‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬للإيرانيين،‭ ‬ويؤيد‭ ‬انفتاحا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬هذا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬النظام‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬المرشد‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬نهاية‭ ‬للاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إلى‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬إليه‭.‬

بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬يرجح‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬تشرع‭ ‬إيران‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬والاعتدال‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬الخارجية‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬فعلا‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬الأولى‭.‬

وإذا‭ ‬افترضنا‭ ‬صحة‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬تقتضيه‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬حدود‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح؟‭.‬

الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل‭ ‬تقتضي‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬اعتبارات‭ ‬عدة‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬عموما‭ ‬هو‭ ‬بيد‭ ‬المرشد‭ ‬الإيراني‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭. ‬هذه‭ ‬قاعدة‭ ‬تقليدية‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬محافظا‭ ‬أو‭ ‬إصلاحيا‭.‬

ثاني‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬خبرة‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السياسية‭ ‬الخارجية‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬منخرطا‭ ‬في‭ ‬قضاياها‭ ‬وتحولاتها‭.‬

وهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬تعزز‭ ‬قبضة‭ ‬المرشد‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭.‬

وأخذا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنه‭ ‬تقليديا‭ ‬فإن‭ ‬المرشد‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬أكثر‭ ‬تشددا،‭ ‬فإنه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬حدث‭ ‬تحول‭ ‬جديد‭ ‬نحو‭ ‬الانفتاح‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬والذي‭ ‬تقتضيه‭ ‬مصلحة‭ ‬النظام،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬سيكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬محدودا‭.‬

الأمر‭ ‬المهم‭ ‬الآخر‭ ‬أنهم‭ ‬عندما‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬الخارجي‭ ‬فهم‭ ‬يقصدون‭ ‬أساسا‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬عموما‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الأولوية‭ ‬المطلقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭.‬

كما‭ ‬ذكرت‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يعتبر‭ ‬أنه‭ ‬مضطر‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬وضبط‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬كي‭ ‬يقود‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬العزلة،‭ ‬وذلك‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الخانقة‭.‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يعنينا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬وأين‭ ‬موقع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا؟

هذا‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا