العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف ندعو إلى الإسلام؟

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٢ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

يقول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وهو‭ ‬يؤسس‭ ‬لأسلوب‭ ‬الدعوة،‭ ‬ويضع‭ ‬اللبنات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬المبارك‭: (‬ادع‭ ‬إلى‭ ‬سبيل‭ ‬ربك‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬وجادلهم‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬إن‭ ‬ربك‭ ‬هو‭ ‬أعلم‭ ‬بمن‭ ‬ضل‭ ‬عن‭ ‬سبيله‭ ‬وهو‭ ‬أعلم‭ ‬بالمهتدين‭) ‬النحل‭ / ‬125‭.‬

هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬ترسم‭ ‬لنا‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وتيسر‭ ‬لنا‭ ‬سبل‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬سبحانه،‭ ‬فالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتخير‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬أكثرها‭ ‬تأثيرًا‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬فلا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كلام‭ ‬الداعية‭ ‬حسنًا،‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لينًا‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬قول‭ ‬حسن‭ ‬لينا،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬قولٍ‭ ‬لين‭ ‬حسن،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أوصى‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬نبيه‭ ‬موسى‭ ‬وأخاه‭ ‬هارون‭ ‬حين‭ ‬أرسلهما‭ ‬إلى‭ ‬فرعون‭ ‬الطاغية،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: (‬اذهبا‭ ‬إلى‭ ‬فرعون‭ ‬إنه‭ ‬طغى‭ (‬43‭) ‬فقولا‭ ‬له‭ ‬قولًا‭ ‬لينًا‭ ‬لعله‭ ‬يتذكر‭ ‬أو‭ ‬يخشى‭ (‬44‭)) ‬سورة‭ ‬طه‭.‬

وقد‭ ‬نتساءل‭: ‬ما‭ ‬الفائدة‭ ‬التي‭ ‬نجنيها‭ ‬من‭ ‬إرسال‭ ‬موسى‭ ‬وهارون‭ ‬إلى‭ ‬فرعون‭ ‬وقد‭ ‬طغى،‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬هدايته؟‭ ‬والإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل‭ ‬هو‭: ‬إقامة‭ ‬الحجة‭ ‬على‭ ‬فرعون‭ ‬وأمثاله‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬ويتعللون‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬جاءهم‭ ‬من‭ ‬نذير‭! ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬قوم‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬مكث‭ ‬فيهم‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬إلا‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا،‭ ‬ولَم‭ ‬يدخر‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الدعوة‭ ‬إلا‭ ‬ودعا‭ ‬بها،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬قليل،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل‭ ‬الذين‭ ‬شغلنا،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬وإذ‭ ‬قالت‭ ‬أمة‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬تعظون‭ ‬قومًا‭ ‬الله‭ ‬مهلكهم‭ ‬أو‭ ‬معذبهم‭ ‬عذابًا‭ ‬شديدًا‭ ‬قالوا‭ ‬معذرة‭ ‬إلى‭ ‬ربكم‭ ‬ولعلهم‭ ‬يتقون‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬164‭.‬

إذًا،‭ ‬فعلى‭ ‬الداعية‭ ‬ألا‭ ‬ييأس،‭ ‬وأن‭ ‬يحتسب‭ ‬أجره‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ويعلم‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬جهاده‭ ‬الدعوى‭ ‬ليس‭ ‬إدخال‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬فأمة‭ ‬الإسلام‭ -‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬تعال‭ ‬وبفضله‭- ‬كثيرة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬المليار‭ ‬والنصف‭ ‬مسلم‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬مستمر،‭ ‬ولكن‭ ‬الغاية‭ ‬إقامة‭ ‬الحجة‭ ‬على‭ ‬العصاة‭ ‬والشاردين‭ ‬عن‭ ‬منهج‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

إذًا،‭ ‬فالغاية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬الدعاة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬هي‭ ‬إنارة‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬للناس،‭ ‬وإزالة‭ ‬العقبات‭ ‬من‭ ‬أمامهم،‭ ‬ثم‭ ‬تترك‭ ‬لهم‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬العقيدة‭ ‬التي‭ ‬يشاؤون،‭ ‬وتحقيق‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬وقل‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬ربكم‭ ‬فمن‭ ‬شاء‭ ‬فليؤمن‭ ‬ومن‭ ‬شاء‭ ‬فليكفر‭..) ‬سورة‭ ‬الكهف‭/ ‬29‭.‬

ولأن‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس،‭ ‬وصنعها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬عينه،‭ ‬وخصها‭ ‬بالرسالة‭ ‬الخاتمة،‭ ‬والرسول‭ ‬الخاتم،‭ ‬والمعجزة‭ ‬الخاتمة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭..) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬110‭.‬

ومن‭ ‬لوازم‭ ‬صفة‭ ‬الخيرية‭ ‬في‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ووسطيتها،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭..) ‬البقرة‭ / ‬143‭.‬

وعلى‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬فضائل‭ ‬الإسلام،‭ ‬فمثلًا‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬الإسلام‭ ‬خلق‭ ‬التسامح،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬لا‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولَم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬أن‭ ‬تبروهم‭ ‬وتقسطوا‭ ‬إليهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المقسطين‭) (‬الممتحنة‭ ‬8‭) ‬أمَّا‭ ‬الأمم‭ ‬المحاربة‭ ‬للمسلمين،‭ ‬والمقاتلين‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬دينهم،‭ ‬بل‭ ‬المظاهرين‭ ‬على‭ ‬قتالهم،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬للإسلام‭ ‬معهم‭ ‬شأن‭ ‬آخر،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬إنما‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬قاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وأخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬وظاهروا‭ ‬على‭ ‬إخراجكم‭ ‬أن‭ ‬تولوهم‭ ‬ومن‭ ‬يتولهم‭ ‬فأولئك‭ ‬هم‭ ‬الظالمون‭) ‬الممتحنة‭/‬9‭.‬

إذًا،‭ ‬فللأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬المخالفين‭ ‬لهما‭ ‬في‭ ‬الملة‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬الآيتان‭ (‬8،‭ ‬9‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الممتحنة‭.‬

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬بموقف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬أول‭ ‬دستور‭ ‬للدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الوليدة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬نشأتها‭ ‬حين‭ ‬ضمن‭ ‬لأهل‭ ‬الذمة‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وجعل‭ ‬لأتباع‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يدينون‭ ‬بعقائد‭ ‬بشرية‭ ‬حقوقًا‭ ‬مساوية‭ ‬لأهل‭ ‬الذمة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى،‭ ‬وكان‭ ‬حق‭ ‬المواطنة‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تطبيقه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقرره‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وتم‭ ‬تفعيله‭ ‬بشكل‭ ‬منظم‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬الخليفة‭ ‬الثاني‭ ‬حين‭ ‬رأى‭ ‬يهوديًا‭ ‬كفيفًا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الذمة‭ ‬يتكلف‭ ‬الناس،‭ ‬فسأله‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬؟‭ ‬فقال‭: ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أدفع‭ ‬الجزية‭ ‬وأنفق‭ ‬على‭ ‬شؤوني،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬ما‭ ‬أنصفناك،‭ ‬أخذنا‭ ‬منك‭ ‬وأنت‭ ‬قوي‭ ‬قادر،‭ ‬ولما‭ ‬ضعفت‭ ‬تركناك،‭ ‬فأمر‭ ‬خازن‭ ‬بيت‭ ‬المال،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬أنظر‭ ‬هذا‭ ‬وأضرباءه،‭ ‬ثم‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬براتب‭ ‬شهري،‭ ‬وراتب‭ ‬آخر‭ ‬لمن‭ ‬يصحبه‭ ‬ويقوم‭ ‬بشؤونه،‭ ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬راتب‭ ‬تقاعدي‭ ‬توجبه‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬لرعاياها‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الذمة،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭).‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬تجليات‭ ‬قيمه‭ ‬ومبادئه،‭ ‬وسمو‭ ‬تعاليمه‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬رعايته‭ ‬لحقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حكمهم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬شاكلتهم‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سباقًا‭ ‬ورائدا‭ ‬لكل‭ ‬مبدأ‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬جنسه‭ ‬أو‭ ‬ملته‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا