العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأديب السياسي والسياسي الأديب

بقلم: سهيل كيوان {

السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يثار‭ ‬السُّؤال‭ ‬حول‭ ‬أديب‭ ‬ما‭ ‬متورِّط‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬ومدى‭ ‬تأثير‭ ‬السياسة‭ ‬على‭ ‬نوعيّة‭ ‬أدبه‭ ‬ومستواه،‭ ‬وهل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ضرر‭ ‬للعملية‭ ‬الإبداعية،‭ ‬أم‭ ‬أنَّ‭ ‬السّياسة‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬للأديب،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مشتعلة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬فيها‭ ‬الحراكات‭ ‬السياسية،‭ ‬وهو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬يخوض‭ ‬نضالاً‭ ‬تحرّريًا‭! ‬لأنّها‭ ‬جزءٌ‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وحياة‭ ‬مجتمعه‭ ‬وشعبه،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬إزاءها،‭ ‬وإلا‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬معزولا‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬الأديب‭ ‬مبدعًا‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬السّياسة‭ ‬رافدًا‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬أدبه،‭ ‬فيبحث‭ ‬عن‭ ‬جذور‭ ‬الأزمات‭ ‬واشتباك‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتاريخي‭ ‬والنفسي،‭ ‬العام‭ ‬والشخصي،‭ ‬القومي‭ ‬والوطني،‭ ‬والإنساني‭ ‬العام‭ ‬الأممي،‭ ‬فينقل‭ ‬التفاصيل‭ ‬الأشدّ‭ ‬حساسية،‭ ‬والتي‭ ‬يعرفها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للناس،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحيز‭ ‬فئوي‭ ‬أو‭ ‬حزبي،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬التصنيفات‭.‬

أما‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬الأدب‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الشِّعر،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬أكثره‭ ‬شعر‭ ‬مباشر،‭ ‬وهو‭ ‬شعر‭ ‬منبر‭ ‬تحريضي‭ ‬يراعي‭ ‬ما‭ ‬يظنُّه‭ ‬مزاج‭ ‬الجمهور،‭ ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬يكون‭ ‬متخلفًا‭ ‬جدًا‭ ‬عن‭ ‬المزاج‭ ‬الحقيقي‭ ‬للجمهور،‭ ‬فجمهورنا‭ ‬بات‭ ‬متذوّقًا‭ ‬للشِّعر‭ ‬الأعمق،‭ ‬ويميل‭ ‬مزاجه‭ ‬إلى‭ ‬النَّبرة‭ ‬المنخفضة‭ ‬والهدوء‭ ‬والتروّي،‭ ‬وترك‭ ‬مساحة‭ ‬للمتلقي‭ ‬للتأويل،‭ ‬ومنحه‭ ‬فرصة‭ ‬للاجتهاد‭.‬

لعب‭ ‬الشُّعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬المحلّيون‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬الهوية‭ ‬القومية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬النكبة‭ ‬قبلها‭ ‬وخلالها‭ ‬وبعدها،‭ ‬وكانت‭ ‬هنالك‭ ‬ضرورة‭ ‬لتأكيد‭ ‬الهوية‭ ‬والانتماء‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المحو‭ ‬وإنكار‭ ‬وجود‭ ‬شعب‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬أساسه،‭ ‬ولهذا‭ ‬كان‭ ‬شِعرهم‭ ‬قريبًا‭ ‬إلى‭ ‬المباشرة،‭ ‬وأكثره‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬العمودي،‭ ‬أو‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬لإلقائه‭ ‬أمام‭ ‬جمهور،‭ ‬كي‭ ‬يحفظه‭ ‬الجمهور‭ ‬ويردّده‭ ‬بسهولة‭. ‬ولكن‭ ‬أدبنا‭ ‬تخطى‭ ‬مرحلة‭ ‬تأكيد‭ ‬الهوية‭ ‬الأساسي،‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة،‭ ‬تتغلغل‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬والنظرة‭ ‬الشاملة‭.‬

إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬أنجح‭ ‬الأدباء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وأكثرهم‭ ‬رواجًا،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬أدبهم،‭ ‬ولكن‭ ‬القضية‭ ‬لم‭ ‬تصنع‭ ‬شاعرًا‭ ‬ولا‭ ‬أديبًا،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬شاعرًا‭ ‬أو‭ ‬كاتبًا‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬تطرّق‭ ‬في‭ ‬أدبه‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬شعبه،‭ ‬ولكن‭ ‬بجماليّات‭ ‬ميّزته‭ ‬كمبدع،‭ ‬فحظي‭ ‬باعتراف‭ ‬واحترام‭ ‬النقاد‭ ‬والقرّاء،‭ ‬ولو‭ ‬طُلبتْ‭ ‬منه‭ ‬قطعة‭ ‬أدبية‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭ ‬عن‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لأبدع‭ ‬فيها‭ ‬مثلما‭ ‬أبدع‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬قضيته‭ ‬السياسية‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نجد‭ ‬كاتبًا‭ ‬أو‭ ‬شاعرًا‭ ‬عربيًا‭ ‬ذا‭ ‬شأن،‭ ‬إلا‭ ‬وكانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أولويات‭ ‬اهتمامه،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬لم‭ ‬يفصلوها‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬عامة،‭ ‬فهي‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ ‬متداخلة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬أزمة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والجهل‭ ‬والتجهيل‭ ‬والاحتلال‭ ‬والاستعمار؛‭ ‬قوى‭ ‬تكمِّل‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا،‭ ‬ابتليت‭ ‬فيها‭ ‬أمَّتنا‭ ‬مثل‭ ‬أمم‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬العالم‭.‬

يوم‭ ‬السبت‭ ‬الماضي،‭ ‬حضرتُ‭ ‬كضيف‭ ‬مهرجان‭ ‬الشِّعر‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬سخنين،‭ ‬والذي‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬الاتحاد‭ ‬القطري‭ ‬للأدباء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومؤسّسة‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سلاحًا‮»‬،‭ ‬بمشاركة‭ ‬عشرات‭ ‬الشعراء‭ ‬والشاعرات‭ ‬والمثقّفين،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنَّه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬قدّموا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُمتِع‭ ‬ويوصلَ‭ ‬الفكرة،‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬شعرية‭ ‬جميلة‭ ‬ولغة‭ ‬راقية‭ ‬ومرهفة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رأيت‭ ‬فيه‭ ‬سلاحًا‭ ‬بالفعل،‭ ‬لأنّه‭ ‬يصل‭ ‬القلب‭ ‬ويحرِّك‭ ‬المشاعر‭ ‬ويرتقي‭ ‬بالقضية‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬جمالية‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬‮«‬الشعر‮»‬‭ ‬المباشر،‭ ‬أو‭ ‬الشِّعر‭ ‬المنبري‭ ‬الذي‭ ‬تخطّته‭ ‬التجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحلية‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬متقدّمة‭ ‬من‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬جماليات‭ ‬اللغة‭ ‬الشِّعرية‭ ‬والفكرة‭ ‬والسّياسة،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬تجربة‭ ‬الشُّعراء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬هي‭ ‬الأرقى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬الشعر‭ ‬بمستواه‭ ‬الراقي‭ ‬الفني‭ ‬مع‭ ‬الفكرة‭ ‬السّياسية،‭ ‬ولهذا‭ ‬على‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يراوحون‭ ‬هناك‭ ‬أن‭ ‬يستخلصوا‭ ‬العبر،‭ ‬وأن‭ ‬يتحرروا‭ ‬مِن‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬النقاد‭ ‬‮«‬الثقب‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يمتص‭ ‬الطاقة‭ ‬ويخفي‭ ‬النور،‭ ‬لقد‭ ‬ابتعدنا‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬عن‭ ‬مرحلة‭ ‬إثبات‭ ‬الذات‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬‮«‬سجِّل‭ ‬أنا‭ ‬عربي‮»‬‭!‬

من‭ ‬المُثلج‭ ‬للصدر‭ ‬أنني‭ ‬لقيتُ‭ ‬تجاوبًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬مع‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬سابقا،‭ ‬وتناولتُ‭ ‬فيه‭ ‬وجود‭ ‬اتحادَين‭ ‬للكتّاب‭ ‬والشعراء‭ ‬العرب‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬واحد،‭ ‬وقد‭ ‬عبّر‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الشُّعراء‭ ‬والكتاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬عن‭ ‬تأييدهم‭ ‬لما‭ ‬نُشر،‭ ‬وعن‭ ‬رغبةٍ‭ ‬حقيقيةٍ‭ ‬في‭ ‬اتّحاد‭ ‬واحد‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬اتّحادين،‭ ‬وبادر‭ ‬بعض‭ ‬الأخوة‭ ‬للتواصل‭ ‬معي‭ ‬للإعداد‭ ‬لبرنامج‭ ‬عمل‭ ‬جاد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الفكرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نوايا‭ ‬صادقة‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬لتحويل‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭. ‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا