العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أكراد العراق بين استقلالهم وقواعد اللعبة الأمريكية

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٣١ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

عندما‭ ‬يجري‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬محادثات‭ ‬مع‭ ‬حكومتي‭ ‬بغداد‭ ‬وأربيل‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬تعترف‭ ‬بوجود‭ ‬حكومتين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منهما‭ ‬تُدير‭ ‬شؤون‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭.‬‮ ‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مكاتب‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بالسفارات‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬تقوم‭ ‬بتمثيل‭ ‬الإقليم‭ ‬الكردي‭ ‬دبلوماسيا،‭ ‬وأن‭ ‬ناظم‭ ‬الزهاوي‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬إقالته‭ ‬من‭ ‬منصب‭ ‬رئاسة‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بعدما‭ ‬وُجهت‭ ‬إليه‭ ‬تهمة‭ ‬التهرب‭ ‬الضريبي‭ ‬كوّن‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ ‬من‭ ‬الوساطات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬والزعماء‭ ‬الأكراد‭ ‬بعلم‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬فإن‭ ‬إعلان‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬كردية‭ ‬ليس‭ ‬ضروريا‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬قائمة‭ ‬ومعترفا‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الكبرى‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تعلق‭ ‬عليه‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬اعترضت‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الإقليم‭ ‬الكردي‭ ‬ببيع‭ ‬النفط‭ ‬العراقي‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬وارداته‭ ‬المالية‭.‬‮ ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الأزمات‭ ‬بين‭ ‬بغداد‭ ‬وأربيل‭ ‬تتصاعد‭ ‬وتخفت‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬بحسب‭ ‬حاجة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬الكردي‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬الابتزاز‭ ‬الكردي‭ ‬بما‭ ‬يشكل‭ ‬ضغطاً‭ ‬على‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬دستورية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬حل‭ ‬عقدتها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بما‭ ‬سُمي‭ ‬بالمناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭. ‬عبارة‭ ‬قانونية‭ ‬تشف‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجود‭ ‬دولتين‭.‬

خيرا‭ ‬فعل‭ ‬الأكراد‭ ‬حين‭ ‬أداروا‭ ‬ظهورهم‭ ‬للجحيم‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬انفتحت‭ ‬أبوابه‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬خارج‭ ‬إقليمهم‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬عام‭ ‬2003‭. ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬الأكراد‭ ‬كيف‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يسقطوا‭ ‬في‭ ‬هاويته‭. ‬قبضوا‭ ‬الأرباح‭ ‬وتحاشوا‭ ‬دفع‭ ‬التكلفة‭. ‬تصرفوا‭ ‬بذكاء‭ ‬سياسي‭ ‬لافت‭ ‬حين‭ ‬حضروا‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬النظام‭ ‬باعتبارهم‭ ‬بيضة‭ ‬القبان‭. ‬وقف‭ ‬الحزبان‭ ‬الكرديان‭ ‬‮«‬الحزب‭ ‬الديموقراطي‭ ‬الكردستاني‮»‬‭ ‬و«حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬الكردستاني‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬بعدما‭ ‬حصلا‭ ‬على‭ ‬وعود‭ ‬بتطبيق‭ ‬المادة‭ ‬140‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي‭ ‬الجديد‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬كانت‭ ‬أشبه‭ ‬بلغم،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفجر‭ ‬الدستور‭ ‬كله‭ ‬لو‭ ‬تمت‭ ‬قراءته‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة‭.‬

‭ ‬فالمحتوى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتلك‭ ‬المادة‭ ‬إنما‭ ‬يضع‭ ‬نفط‭ ‬كركوك‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬الإقليم‭ ‬الكردي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لبغداد‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬عليه‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬المليشيا‭ ‬الكردية‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬الحشد‭ ‬الشعبي‮»‬‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬فإن‭ ‬الأكراد‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يعتبرونها‭ ‬مدينة‭ ‬كردية‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬كردية‭ ‬نفطها‭. ‬

وكما‭ ‬يبدو‭ ‬فإن‭ ‬الصراع‭ ‬إنما‭ ‬يقوم‭ ‬بين‭ ‬دولتين،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأكراد‭ ‬لا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تسمم‭  ‬التسميات‭ ‬مجرى‭ ‬المفاوضات‭. ‬فالدولة‭ ‬الكردية‭ ‬المستقلة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬واقع‭ ‬حال‭ ‬والمعترف‭ ‬بها‭ ‬ضمنياً‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬بغداد‭ ‬ينبغي‭ ‬عدم‭ ‬الجهر‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬بغداد‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نظام‭ ‬اتحادي‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬مقر‭ ‬سلطته‭. ‬ذلك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التواطؤ‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬للأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬أن‭ ‬وافقت‭ ‬عليه‭.    ‬

كلما‭ ‬تعرضت‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬لهزة‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬أو‭ ‬تهديد‭ ‬من‭ ‬خارجها‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الكردستاني‮»‬‭ ‬بالذات‭ ‬ليكون‭ ‬سنداً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصومها‭. ‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الأكراد‭ ‬يضغطون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المادة‭ ‬140‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي‭ ‬مع‭ ‬علمهم‭ ‬بأن‭ ‬عمليات‭ ‬تكريد‭ ‬المناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬وبالأخص‭ ‬كركوك‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬شبيهة‭ ‬بعمليات‭ ‬تعريبها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تتعامل‭ ‬بغداد‭ ‬معه‭ ‬بحذر‭ ‬شديد‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬يعتبرها‭ ‬الأكراد‭ ‬قاسية‭ ‬في‭ ‬حقهم‭. ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬الإقليم‭ ‬الكردي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬17‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمول‭ ‬موازنته‭ ‬بإيرادات‭ ‬المعابر‭ ‬الحدودية‭ ‬أو‭ ‬مبيعات‭ ‬نفطه‭. ‬

وهي‭ ‬أموال‭ ‬تعتقد‭ ‬بغداد‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أفراد‭ ‬بعينهم‭. ‬لذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تلجأ‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬المماطلة‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬مخصصات‭ ‬الإقليم‭ ‬المالية‭.‬

‮ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬الأكراد‭ ‬أسباباً‭ ‬مقنعة‭ ‬لعدم‭ ‬الثقة‭ ‬بهم‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬استفتاء‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬الذي‭ ‬أُقيم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬وكانت‭ ‬نتيجته‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الانفصال‭. ‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يطالب‭ ‬بها‭ ‬الأكراد‭ ‬بتفعيل‭ ‬المادة‭ ‬140‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يخفون‭ ‬نزعتهم‭ ‬الانفصالية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُخيف‭ ‬بغداد‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الخرائط‭ ‬سيعزز‭ ‬قوة‭ ‬الإقليم‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬نزاعاته‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الاتحادية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بغداد‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.‬

بعد‭ ‬فشل‭ ‬تجربة‭ ‬استفتاء‭ ‬الانفصال‭ ‬غيّر‭ ‬الزعماء‭ ‬الأكراد‭ ‬تقنيات‭ ‬سلوكهم‭ ‬السياسي‭ ‬رغبة‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬وجودهم‭ ‬ضمن‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬الأمريكيون‭ ‬حين‭ ‬أسسوا‭ ‬العراق‭ ‬الجديد‭. ‬تضمن‭ ‬لهم‭ ‬تلك‭ ‬اللعبة‭ ‬استقلالاً‭ ‬ممولاً‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬بغداد‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلزمهم‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬التمتع‭ ‬بـ«حق‮»‬‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬المعابر‭ ‬الحدودية‭ ‬والنفط‭ ‬المستخرج‭ ‬من‭ ‬الإقليم‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬تعارض‭ ‬تمتعهم‭ ‬بذلك‭ ‬‮«‬الحق‮»‬‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬الأكراد‭ ‬بتصدير‭ ‬نفطهم‭ ‬بدليل‭ ‬ما‭ ‬انكشف‭ ‬من‭ ‬وساطات‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الوزير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقف‭ ‬عائقاً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأكراد‭ ‬وبين‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬أوراقهم‭ ‬بشكل‭ ‬مؤثر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬المحلية‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬حزبيهم‭ ‬الرئيسيين‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تضارب‭ ‬مصالح‭ ‬الزعماء‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬هشاشة‭ ‬بنيتهم‭ ‬السياسية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تستفيد‭ ‬منه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬حين‭ ‬تفرض‭ ‬شروطاً‭ ‬موقتة‭ ‬تتعلق‭ ‬بتصويت‭ ‬النواب‭ ‬الأكراد‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭.‬‮ ‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا