العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هلاك الأمم السابقة.. هل من عظة؟

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٦ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

ربما‭ ‬استكمالاً‭ ‬لموضوع‭ ‬حرائق‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬الذي‭ ‬طرحناه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬خاطري‭ ‬موضوع،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬نابعًا‭ ‬من‭ ‬حديث‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬ربط‭ ‬حريق‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬بأحداث‭ ‬غزة،‭ ‬كان‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬أهلك‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الأمم‭ ‬السابقة،‭ ‬ولماذا؟

وقد‭ ‬يتساءل‭ ‬البعض،‭ ‬لماذا‭ ‬تثير‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الآن،‭ ‬ألم‭ ‬تنطو‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬عليها؟

عندما‭ ‬هممت‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬ظواهر‭ ‬منقضية‭ ‬في‭ ‬حقب‭ ‬زمنية‭ ‬غابرة،‭ ‬أكل‭ ‬عليها‭ ‬الدهر‭ ‬وشرب،‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬ظواهر‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقب‭ ‬الزمنية‭ ‬ومازالت‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬هذا،‭ ‬فمثل‭ ‬تلك‭ ‬الظواهر‭ ‬كانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬زوال‭ ‬وهلاك‭ ‬تلك‭ ‬الأمم،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتكرر‭ ‬الأحداث‭ ‬نفسها‭ ‬إن‭ ‬تكررت‭ ‬تلك‭ ‬الظواهر؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬والحكومات‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تتجنب‭ ‬تلك‭ ‬العقوبة‭ ‬التي‭ ‬أنزلها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأمم،‭ ‬كيف؟‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬نتعظ‭ ‬بالتاريخ،‭ ‬فهل‭ ‬يستعظ‭ ‬بنا‭ ‬التاريخ؟

لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬قراءة‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ونعمل‭ ‬بعض‭ ‬الإسقاطات‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي،‭ ‬لنقرأ‭ ‬الموضوع‭ ‬بحسب‭ ‬التاريخ‭ ‬الزمني‭.‬

أولاً‭: ‬قوم‭ ‬نوح؛‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬فإن‭ ‬قوم‭ ‬سيدنا‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬هم‭ ‬أول‭ ‬الأقوام‭ ‬الذين‭ ‬هلكوا،‭ ‬حيث‭ ‬سكنوا‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬انتشار‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬كلها،‭ ‬وكانوا‭ ‬أقرب‭ ‬الأقوام‭ ‬‭ ‬بحسب‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬‭ ‬لسيدنا‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭. ‬أرسل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬إليهم‭ ‬سيدنا‭ ‬نوحًا‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بعد‭ ‬انحرافهم‭ ‬عن‭ ‬التوحيد‭ ‬إلى‭ ‬الشرك‭ ‬وعبادة‭ ‬الأصنام،‭ ‬فدعاهم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬950‭ ‬سنة‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬بسبب‭ ‬العناد‭ ‬رفضوا‭ ‬الإسلام‭ ‬والتوحيد،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬ازدادوا‭ ‬كفرًا‭ ‬وتكذيبًا‭ ‬كلما‭ ‬طالت‭ ‬الأيام،‭ ‬فأغرقهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بالطوفان‭ ‬العظيم‭. ‬

يمكن‭ ‬الملاحظة‭ ‬أن‭ ‬قوم‭ ‬سيدنا‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أهلكهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬بسببين،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نفهم،‭ ‬وهما‭: ‬رفضهم‭ ‬التوحيد‭ ‬وعبادة‭ ‬الله‭ ‬الواحد‭ ‬الأحد‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬والسبب‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭: ‬العناد،‭ ‬وهذه‭ ‬قضية‭ ‬أخلاقية‭ ‬خطيرة،‭ ‬فالعنيد‭ ‬يقفل‭ ‬عقله‭ ‬بأقسى‭ ‬قفل‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬أدنى‭ ‬استعداد‭ ‬للاستماع‭ ‬إلى‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المختلفة،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬950‭ ‬سنة؟

ثانيًا‭: ‬قوم‭ ‬عاد؛‭ ‬اشتهر‭ ‬قوم‭ ‬سيدنا‭ ‬هود‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بصحة‭ ‬أجسامهم‭ ‬وقوّتها،‭ ‬وبطولهم‭ ‬العظيم‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يبلغ‭ ‬أقصرهم‭ -‬كما‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬المراجع‭-  ‬إلى‭ ‬ستين‭ ‬ذراعًا،‭ ‬أما‭ ‬أطولهم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬طوله‭ ‬مائة‭ ‬ذراع‭ ‬في‭ ‬السماء‭. ‬وكذلك‭ ‬يعرف‭ ‬أنهم‭ ‬سكنوا‭ ‬مدينة‭ (‬إرم‭ ‬ذات‭ ‬العماد‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬المدن‭ ‬وأشدها‭ ‬قوة‭ ‬ومنعة،‭ ‬وعندما‭ ‬دعاهم‭ ‬سيدنا‭ ‬هود‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بدعوة‭ ‬التوحيد،‭ ‬كفروا‭ ‬وكذبوا،‭ ‬وتكبروا‭ ‬وقالوا‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬فصلت‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬11‭ (‬مَنْ‭ ‬أَشَدُّ‭ ‬مِنَّا‭ ‬قُوَّةً‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتقادهم‭ ‬أنهم‭ ‬بتلك‭ ‬الأجسام‭ ‬الضخمة‭ ‬القوية‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يخضعهم‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يناهزهم‭ ‬القوة،‭ ‬ولكن‭ ‬جاءهم‭ ‬الرد‭ ‬السريع‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الآية‭ (‬أَوَلَمْ‭ ‬يَرَوْا‭ ‬أَنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬الَّذِي‭ ‬خَلَقَهُمْ‭ ‬هُوَ‭ ‬أَشَدُّ‭ ‬مِنْهُمْ‭ ‬قُوَّةً‭).‬

ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬التوحيد‭ ‬وعبادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬كانت‭ ‬قضية‭ ‬قوم‭ ‬عاد‭ ‬التي‭ ‬قصمت‭ ‬ظهر‭ ‬البعير،‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬الكبر‭ ‬والتكبر،‭ ‬حيث‭ ‬وجدوا‭ ‬أنهم‭ ‬عمالقة‭ ‬وضخام‭ ‬الأجسام‭ ‬والأبدان،‭ ‬فاعتقدوا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمتهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬هلكوا‭ ‬بريح،‭ ‬فقطع‭ ‬دابرهم‭.‬

ثالثًا‭: ‬قوم‭ ‬ثمود؛‭ ‬برز‭ ‬قوم‭ ‬ثمود‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬قوم‭ ‬عاد،‭ ‬فتمكنوا‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬فوهبهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعال‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬الهندسة‭ ‬والبناء‭ ‬والعمران،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬ينحتون‭ ‬الجبال‭ ‬لعمل‭ ‬المساكن‭ ‬لهم،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬صخور‭ ‬الجبال‭ ‬طوعًا‭ ‬سهلاً‭ ‬في‭ ‬أيديهم‭ ‬وكأنها‭ ‬طين،‭ ‬وبذلك‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجبال‭ ‬وشق‭ ‬الطرق‭ ‬وعمل‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬رافق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬رغد‭ ‬العيش،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المهارات‭ ‬الهندسية‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يبرعون‭ ‬بها،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬جنان‭ ‬وعيون‭ ‬وزروع‭ ‬وحدائق‭ ‬غناء‭. ‬فبعث‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬سيدنا‭ ‬صالح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ليذكرهم‭ ‬بنعم‭ ‬الله‭ ‬ويدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬التوحيد،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬استنكروا‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تزول‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النعم،‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬صالح‭ ‬عليه‭ ‬السلام؟‭ ‬فطالبوه‭ ‬بدليل‭ ‬مادي‭ ‬حتى‭ ‬يؤمنوا،‭ ‬فبعث‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لهم‭ ‬ناقة‭ ‬من‭ ‬الصخور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬أطوع‭ ‬من‭ ‬الطين،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يؤمنوا،‭ ‬وإنما‭ ‬قتلوا‭ ‬الناقة،‭ ‬فجاءهم‭ ‬العذاب‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬رجفة‭ ‬شديدة‭ ‬وزلزال‭ ‬ارتجت‭ ‬لها‭ ‬مبانيهم‭ ‬الجبلية،‭ ‬وصاعقة‭ ‬محرقة‭ ‬وصيحة‭ ‬مفزعة‭ ‬قطعت‭ ‬نياط‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فماتوا‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬قوم‭ ‬صالح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬جحدوا‭ ‬بنعم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬الذي‭ ‬مكنهم‭ ‬من‭ ‬الجبال‭ ‬والزراعة،‭ ‬وكذلك‭ ‬طلبوا‭ ‬معجزة‭ ‬مادية،‭ ‬فجاءتهم‭ ‬الناقة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عصوا‭ ‬أمرًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه،‭ ‬ألا‭ ‬يقتلوا‭ ‬الناقة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬قتلوها،‭ ‬فكان‭ ‬عقابهم‭ ‬الهلاك‭.‬

رابعًا‭: ‬قوم‭ ‬لوط؛‭ ‬نعرف‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬قوم‭ ‬لوط‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ابتدعوا‭ ‬فاحشة‭ ‬لم‭ ‬يسبقهم‭ ‬إليها‭ ‬أحد،‭ ‬واشتهروا‭ ‬بتلك‭ ‬الفاحشة‭ ‬وهي‭ ‬إتيان‭ ‬الرجال‭ ‬شهوة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النساء،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يستترون‭ ‬وإنما‭ ‬كانوا‭ ‬يجاهرون‭ ‬بالفاحشة،‭ ‬فزجرهم‭ ‬لوط‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفاحشة‭ ‬غدت‭ ‬إدمانًا‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬تركها‭. ‬

فبسبب‭ ‬الفاحشة‭ ‬والانغماس‭ ‬في‭ ‬الشهوات‭ ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬الفطرة‭ ‬البشرية،‭ ‬قلب‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قريتهم‭ ‬فجعل‭ ‬عاليها‭ ‬سافلها،‭ ‬ورافق‭ ‬ذلك‭ ‬صيحة‭ ‬عظمية،‭ ‬ومطر‭ ‬بحجارة‭ ‬من‭ ‬سجيل،‭ ‬فتمت‭ ‬إبادتهم‭.   ‬

خامسًا‭: ‬قوم‭ ‬مدين؛‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬قوم‭ ‬مدين‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬التجار‭ ‬الذين‭ ‬يتعاملون‭ ‬بالميزان‭ ‬والمكيال‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الغش‭ ‬التجاري،‭ ‬وذلك‭ ‬بنقص‭ ‬المكيال‭ ‬والميزان،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النقص‭ ‬قليلاً‭ ‬أو‭ ‬كثيرًا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الغش،‭ ‬فمثلاً‭: ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬كيلو‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬الفلاني‭ ‬فإنه‭ ‬يأخذ‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬كيلو،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬سيدنا‭ ‬شعيب‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬لهم‭ ‬ليكون‭ ‬لهم‭ ‬ناصح‭ ‬أمين‭. ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬استنكروا‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬فأصابهم‭ ‬الظلة‭ ‬وهي‭ ‬سحابة‭ ‬أظلتهم‭ ‬فيها‭ ‬شرر‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬ولهب‭ ‬ووهج‭ ‬عظيم،‭ ‬ثم‭ ‬جاءتهم‭ ‬صيحة‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬ورجفة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬أسفل‭ ‬منهم،‭ ‬ففاضت‭ ‬النفوس‭ ‬وخمدت‭ ‬الأجسام‭.‬

مجرد‭ ‬تطفيف‭ ‬المكاييل‭ ‬والميزان،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشرك‭ ‬وعبادة‭ ‬الأوثان‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬هلاك‭ ‬أمة،‭ ‬فقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الجنحة‭ ‬تستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬نقول‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬والبخس‭ ‬والبغي‭ ‬بغير‭ ‬الحق،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬والمستضعفين،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬لهم‭ ‬حق‭ ‬الحياة،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬تجنب‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬للغش‭ ‬التجاري‭.‬

سادسًا‭: ‬قوم‭ ‬فرعون؛‭ ‬تجبر‭ ‬فرعون،‭ ‬فقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والأمهات،‭ ‬واستباح‭ ‬الدماء‭ ‬واستعبد‭ ‬الشعب‭ ‬واستضعفهم،‭ ‬فتجبر‭ ‬وتكبر،‭ ‬وبلغ‭ ‬فيه‭ ‬الغرور‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجاته‭ ‬عندما‭ ‬نادى‭ ‬بالناس‭ ‬أنه‭ ‬الإله‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعبد،‭ ‬وأنه‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يحيي‭ ‬ويميت‭ ‬وأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭. ‬فأرسل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬إليهم‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ليذكرهم‭ ‬بالتوحيد‭ ‬وعدم‭ ‬الاستعلاء‭ ‬وأنه‭ ‬بشر‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬غيره،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يعدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬يسخرهم‭ ‬عبيدًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬رفض‭ ‬وبشدة،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬سخر‭ ‬واستكبر‭ ‬وزاد‭ ‬في‭ ‬بطشه‭ ‬وقسوته‭. ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬الظلم‭ ‬وعبودية‭ ‬الإنسان‭ ‬ذروته،‭ ‬أغرقه‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هو‭ ‬وجنوده‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬خالقه‭.‬

فرعون‭ ‬لم‭ ‬يستعبد‭ ‬أجسام‭ ‬البشر‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬استعبد‭ ‬وسخر‭ ‬عقولهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬وفكرهم،‭ ‬وجعل‭ ‬تلك‭ ‬العقول‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬يريد‭ ‬هو،‭ ‬ورفض‭ ‬أي‭ ‬دعوة‭ ‬تحرر‭ ‬للإنسان‭ ‬وفكره،‭ ‬معتقدًا‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الإله‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬الحياة،‭ ‬وهذه‭ ‬قمة‭ ‬الاستعباد‭ ‬وبلوغ‭ ‬ذروة‭ ‬النكران،‭ ‬وعندما‭ ‬يبلغ‭ ‬الإنسان‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يذكر‭ ‬أنه‭ ‬إنسان‭ ‬فقط،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬قوته‭ ‬وثروة‭ ‬وسلطاته،‭ ‬وعندما‭ ‬يرفض‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عقاب‭.     ‬

ثم‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬قارون،‭ ‬الذي‭ ‬بلغت‭ ‬كنوزه‭ ‬ومفاتيح‭ ‬كنوزه‭ ‬مضرب‭ ‬الأمثال،‭ ‬وأصحاب‭ ‬السبت‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتحايلون‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬الله،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الرس،‭ ‬وقوم‭ ‬تبع،‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬انحرفوا‭ ‬عن‭ ‬المنهج‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الازدهار‭ ‬المادي‭ ‬والعمراني‭ ‬ورغد‭ ‬العيش‭ ‬الذي‭ ‬عاشوه‭. ‬وعندما‭ ‬نقرأ‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ونعيد‭ ‬دراسة‭ ‬تلك‭ ‬الأقوام‭ ‬السابقة‭ ‬نجد‭ ‬أنهم‭ ‬هلكوا‭ ‬بأحد‭ ‬الأسباب‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬التالية‭: ‬

1‭. ‬الجحود‭ ‬بآيات‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وعصيان‭ ‬رسله‭.‬

2‭. ‬اتباع‭ ‬أمر‭ ‬كل‭ ‬جبار‭ ‬عنيد،‭ ‬وإطاعة‭ ‬أمر‭ ‬المسرفين‭ ‬الذين‭ ‬يفسدون‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬يصلحون،‭ ‬كفعل‭ ‬عاد‭ ‬وثمود‭.‬

3‭. ‬الفرح‭ ‬بالعلم‭ ‬المادي،‭ ‬والإعراض‭ ‬عما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الوحي،‭ ‬كالذين‭ ‬حكى‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سورة‭ ‬غافر‭.‬

4‭. ‬الغرور‭ ‬بالقوة‭ ‬المادية‭ ‬والثروة‭ ‬المالية،‭ ‬والغفلة‭ ‬عن‭ ‬بأس‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬كفعل‭ ‬فرعون‭ ‬وقارون‭.‬

5‭. ‬شيوع‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬واستعلان‭ ‬المنكر،‭ ‬وعدم‭ ‬التناهي‭ ‬عنه‭. ‬

6‭. ‬الكفر‭ ‬بأنعم‭ ‬الله‭ ‬وعدم‭ ‬القيام‭ ‬بشكرها،‭ ‬بل‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬معاصي‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

7‭. ‬الترف‭ ‬والبطر‭. ‬

كل‭ ‬تلك‭ ‬الأقوام‭ ‬وغيرهم،‭ ‬سواء‭ ‬الذين‭ ‬ذكروا‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يذكروا،‭ ‬فعلوا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬متكامل،‭ ‬وعندما‭ ‬طال‭ ‬الزمان‭ ‬فيهم‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع،‭ ‬ربما‭ ‬سبب‭ ‬لديهم‭ ‬اعتقادًا‭ ‬أنهم‭ ‬خالدون‭ ‬مخلدون‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطولهم‭ ‬أي‭ ‬تغير‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬للأقوام‭ ‬السابقة،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬بلغ‭ ‬فسادهم‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬ذروته،‭ ‬أهلكهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى؛‭ ‬فكلمة‭ (‬كن‭) ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬تتحرك‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬الجنود‭ ‬والأساطيل‭ ‬والبواخر،‭ ‬ولا‭ ‬نقصد‭ ‬الصواريخ‭ ‬والدبابات‭ ‬والأسلحة‭ ‬النارية،‭ ‬وإنما‭ ‬أمور‭ ‬بسيطة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نفكر‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬الرياح‭ ‬والمياه‭ ‬والنيران‭ ‬والحشرات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.   ‬

وسنن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬ولا‭ ‬تتبدل،‭ ‬فكما‭ ‬أهلكت‭ ‬الأقوام‭ ‬السابقة‭ ‬بسبب‭ ‬فسادها‭     -‬أيًّا‭ ‬كان‭- ‬فإن‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتكرر،‭ ‬وخاصة‭ ‬إن‭ ‬اجتمعت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬الفاسدة‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فهل‭ ‬ندرك‭ ‬ما‭ ‬نفعل؟

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا