العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التّعامل الذّكي معَ المواقف السلبية

بقلم: د. سعدالله المحمدي

الأحد ٢٦ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

عفواً،‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬هُنا‭ ‬بكلمة‭ ‬‮«‬المواقف‮»‬‭ ‬مواقف‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬الحافلات،‭ ‬بل‭ ‬أعني‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬النفسية‭ ‬المتنوّعة‭ ‬التي‭ ‬يُواجهها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية،‭ ‬فيقِفُ‭ ‬معها‭ ‬متفكّرًا‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬حدوثها‭ ‬وردّة‭ ‬فِعْلِه‭ ‬تُجاهها‭.‬

فمن‭ ‬المعلوم‭ ‬أنّنا‭ ‬بشرٌ‭ ‬نَمُرّ‭ ‬بمواقفَ‭ ‬عديدةٍ‭ ‬كلّ‭ ‬يوم؛‭ ‬ونواجه‭ ‬أشياءَ‭ ‬جميلةً‭ ‬ورائعةً‭ ‬تترك‭ ‬بصمةً‭ ‬وأثرًا‭ ‬في‭ ‬نفوسنا،‭ ‬كما‭ ‬نقابلُ‭ ‬حالاتٍ‭ ‬سلبيةً‭ ‬وتجاربَ‭ ‬مؤلمةً‭ ‬تعكرّ‭ ‬صفاء‭ ‬سعادتنا،‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬نفوسنا،‭ ‬وهكذا‭ ‬هي‭ ‬الحياة،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭:‬

فَلا‭ ‬حُزْنٌ‭ ‬يدومُ‭ ‬ولا‭ ‬سرورٌ

‭ ‬ولا‭ ‬بؤسٌ‭ ‬عليكَ‭ ‬ولا‭ ‬رَخَاءُ

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭: ‬كيف‭ ‬نتعامل‭ ‬بذكاء‭ ‬ومهارة‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المواقف؟

وقبل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الموضوع،‭ ‬أنقلُ‭ ‬إليكم‭ ‬قصّةً‭ ‬حدثتْ‭ ‬في‭ ‬دولةٍ‭ ‬أوروبيةٍ؛‭ ‬حيثُ‭ ‬طلبَ‭ ‬شخصٌ‭ ‬ما‭ ‬طعاماً‭ ‬مِنْ‭ ‬أحد‭ ‬المطاعم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتسلمه‭ ‬بنفسه،‭ ‬وعند‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬المطعم‭ ‬خرجت‭ ‬إليه‭ ‬موظفة‭ ‬تسليم‭ ‬الطلبات،‭ ‬وَبَعْدَ‭ ‬حِوارٍ‭ ‬مقتضَبٍ‭ ‬دَارَ‭ ‬بينهما،‭ ‬انفعلَ‭ ‬الزّبونُ‭ ‬بشدّة،‭ ‬وقامَ‭ ‬بتوبيخ‭ ‬الموظفة،‭ ‬وَرَشّهَا‭ ‬بكوبٍ‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬ثمّ‭ ‬حرّك‭ ‬سيارته‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية،‭ ‬وبدأ‭ ‬يُسابقُ‭ ‬الريح‭ ‬ليغادر‭ ‬المكان‭.‬

وكانت‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬تنتظر‭ ‬تسلم‭ ‬طلبها‭ ‬كذلك،‭ ‬وشاهدَ‭ ‬صاحبُها‭ ‬المشهد،‭ ‬فسأل‭ ‬الموظفة‭:‬

‭-‬ماذا‭ ‬حدث؟

‭- ‬حدث‭ ‬خير،‭ ‬الأمورُ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُرام‭. ‬أرى‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬هو‭ ‬نعمةٌ‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ولا‭ ‬أسمحُ‭ ‬لأيّ‭ ‬موقفٍ‭ ‬طارئ‭ ‬أن‭ ‬يؤثّر‭ ‬على‭ ‬حياتي‭ ‬ومسار‭ ‬عملي‭.‬

أثنى‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬شجاعتها‭ ‬وتسامُحِهَا‭ ‬وقدّم‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬أوراق‭ ‬المنديل‭ ‬لتمسح‭ ‬بها‭ ‬الماء‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬وملابسها،‭ ‬سائلا‭:‬

‭-‬لماذا‭ ‬حدث‭ ‬الموقف؟

‭- ‬الزبونُ‭ ‬طلبَ‭ ‬الطعام،‭ ‬وعِنْدَ‭ ‬الدفع‭ ‬اكتشفَ‭ ‬أنّ‭ ‬رصيده‭ ‬غير‭ ‬كافٍ‭ ‬لتسلم‭ ‬الطلب،‭ ‬فانفعلَ‭ ‬وصبّ‭ ‬جامَ‭ ‬غضبه‭ ‬عليّ‭ ‬كما‭ ‬رأيت‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تتكرّر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور؟

‭- ‬نعم،‭ ‬تَحْدُثُ؛‭ ‬لأنّ‭ ‬الناس‭ ‬مختلفون‭ ‬في‭ ‬طبائعهم‭ ‬وأذواقهم‭ ‬وردود‭ ‬أفعالهم،‭ ‬فالعالم‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬وتيرة‭ ‬واحدة‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬تصبرين‭ ‬دائماً؟

‭- ‬نعم،‭ ‬بالتأكيد‭. ‬لقد‭ ‬قرّرتُ‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬متسامحةً،‭ ‬وألا‭ ‬أسمح‭ ‬لأيّ‭ ‬إساءة‭ ‬بالتأثير‭ ‬على‭ ‬حياتي،‭ ‬كنتُ‭ ‬يوماً‭ ‬مشرّدةً‭ ‬بلا‭ ‬مأوى،‭ ‬وأعْلَمُ‭ ‬أنّه‭ ‬يجبُ‭ ‬عليّ‭ ‬احترام‭ ‬وظيفتي‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬على‭ ‬قدْرٍ‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬حتّى‭ ‬لو‭ ‬تصَرّفَ‭ ‬بعضُ‭ ‬الناس‭ ‬ضدّي‭ ‬بتسرّعٍ‭ ‬وتهوّر‭. ‬انتهى‭ ‬المشهد‭.‬

أعودُ‭ ‬فأقول‭:‬

إنّ‭ ‬المواقف‭ ‬السلبية‭ ‬كثيرةٌ‭ ‬وقابلةٌ‭ ‬للحدوث‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬وزمان،‭ ‬فرُبّما‭ ‬حَدَثَتْ‭ ‬نتيجة‭ ‬غضبٍ‭ ‬وانفعال‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المثال‭ ‬السابق،‭ ‬وربّما‭ ‬تَحْدُث‭ ‬نتيجة‭ ‬الأنانيّة‭ ‬والمراوغة،‭ ‬أو‭ ‬الحسد‭ ‬والغيرة،‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬والوشاية،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬

وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬للتعامل‭ ‬بذكاء‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المواقف‭ ‬وإدارتها‭ ‬بنجاح،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1-ادفع‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭: ‬احرص‭ ‬على‭ ‬هدوئك،‭ ‬والتزم‭ ‬الحكمة‭ ‬والصبر،‭ ‬وتجنّب‭ ‬التسرّع‭ ‬والانفعال،‭ ‬ومقابلة‭ ‬الإساءة‭ ‬بالإساءة‭ ‬فذلك‭ ‬سبيلُ‭ ‬الفشل‭ ‬وبريدُ‭ ‬الإخفاق‭.‬

إني‭ ‬رأيتُ‭ ‬وفي‭ ‬الأيّام‭ ‬تجرِبة

‭ ‬للصّبرِ‭ ‬عاقبةٌ‭ ‬محمودةُ‭ ‬الأثَرِ

2-عدم‭ ‬التهويل‭: ‬لا‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬المواقف،‭ ‬بل‭ ‬تعامل‭ ‬معها‭ ‬بعقلانية‭ ‬واعتدال‭ ‬ومن‭ ‬دونَ‭ ‬أن‭ ‬ترتبكَ‭ ‬أو‭ ‬تشعُر‭ ‬بالقلق،‭ ‬خُذ‭ ‬الأمور‭ ‬ببساطةٍ‭ ‬حينًا،‭ ‬وَبِرُوحٍ‭ ‬ريَاضيّة‭ ‬حِينا‭ ‬آخر،‭ ‬وبحزمٍ‭ ‬مقرون‭ ‬بالإنصاف‭ ‬حينًا‭ ‬آخر،‭ ‬فلكلّ‭ ‬موقفٍ‭ ‬طريقةُ‭ ‬احتواءٍ‭ ‬مناسبةٍ،‭ ‬ولكلُّ‭ ‬مقامٍ‭ ‬مقال،‭ ‬وإنّ‭ ‬ضبطَ‭ ‬المشاعر‭ ‬عِنْد‭ ‬الغضب‭ ‬مِنْ‭ ‬عاداتِ‭ ‬الأبطال‭ ‬فكنْ‭ ‬واحدًا‭ ‬منهم‭.‬

3-الابتسامة‭: ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬تبتسم،‭ ‬فلها‭ ‬تأثيرها‭ ‬السحري‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬وهي‭ ‬تجعلك‭ ‬وكأنّك‭ ‬غير‭ ‬مهتمٍّ‭ ‬بما‭ ‬قِيْل‭ ‬وَحَدَث،‭ ‬وبذلك‭ ‬تكسب‭ ‬نصف‭ ‬الجولة‭.‬

4-التسامح‭ ‬والعفو‭: ‬كن‭ ‬كريمًا‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال،‭ ‬ولا‭ ‬تُعطِ‭ ‬المواقفَ‭ ‬العابرة‭ ‬حجمًا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمها،‭ ‬فبَعْضُ‭ ‬الأموات‭ ‬لا‭ ‬يستَحِقّون‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬البكاء؛‭ ‬كما‭ ‬يقولُ‭ ‬المثل‭ (‬البشتوني‭).‬

5-التّعلم‭ ‬من‭ ‬التجارب‭: ‬استفدْ‭ ‬مِنْ‭ ‬كلّ‭ ‬موقف‭ ‬تمرّ‭ ‬به؛‭ ‬فالشخصُ‭ ‬الناجح‭ ‬يتعلّم‭ ‬مِنْ‭ ‬مواقفه،‭ ‬والتّجاربُ‭ ‬خير‭ ‬مدارس‭ ‬الحياة،‭ ‬واعلم‭ ‬أنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تمنحك‭ ‬فرصة‭ ‬لتعلّم‭ ‬فنون‭ ‬حُسن‭ ‬التّصرف‭ ‬وسرعة‭ ‬الاستجابة،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاجتماعي‭.‬

6-التأكيد‭ ‬على‭ ‬قوتك‭ ‬بالله‭: ‬ذكّر‭ ‬نفسَك‭ ‬دائمًا‭ ‬أنك‭ ‬قوي‭ ‬بالله،‭ ‬وأنّ‭ ‬مع‭ ‬العُسرِ‭ ‬يُسرا،‭ ‬وأنّ‭ ‬مع‭ ‬الشدّة‭ ‬فَرَجا،‭ ‬وأنّ‭ ‬ما‭ ‬حدَثَ‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬سحابة‭ ‬صَيْفٍ‭ ‬ستَنْقَشع‭ ‬قريبا‭.‬

7-الاحترام‭ ‬في‭ ‬الرد‭: ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ردُّك‭ ‬منطقيًّا‭ ‬وَمُنْصِفًا‭ ‬ومليئًا‭ ‬بالاحترام‭ ‬والودّ،‭ ‬ولا‭ ‬داعٍ‭ ‬للتنازل‭ ‬عن‭ ‬مستواك‭ ‬مقابلَ‭ ‬تَصَرّفٍ‭ ‬طائش‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬جارحة‭.‬

شمعة‭ ‬أخيرة‭: ‬

التّعرّض‭ ‬للمواقف‭ ‬السّلبية‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي،‭ ‬ولن‭ ‬نتمكنّ‭ ‬مِنْ‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬مِنْ‭ ‬حولنا،‭ ‬لكن‭ ‬بتوفيق‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ثم‭ ‬بالكلمة‭ ‬الطيبة،‭ ‬والحكمة‭ ‬والمرونة،‭ ‬والنّية‭ ‬الصالحة‭ ‬والشّجاعة‭ ‬اللازمة‭ ‬يمكننا‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬إيجابية‭ ‬مُثْمرة‭ (‬ادْفَعْ‭ ‬بِالَّتِي‭ ‬هِيَ‭ ‬أَحْسَنُ‭ ‬فَإِذَا‭ ‬الَّذِي‭ ‬بَيْنَكَ‭ ‬وَبَيْنَهُ‭ ‬عَدَاوَةٌ‭ ‬كَأَنَّهُ‭ ‬وَلِيٌّ‭ ‬حَمِيمٌ‭) ‬فصلت‭: ‬34‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا