أشار «رافي أجراوال»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى تأثير إعادة انتخاب «دونالد ترامب» رئيسًا للولايات المتحدة، وأن ذلك أدى إلى بروز «عالم أكثر براجماتية»، حيث يُتوقع أن تستفيد الدول والشركات ذات النفوذ على حساب الأطراف الأخرى. وأشار «يائير روزنبيرغ»، في مجلة «ذي أتلانتيك» إلى أن البراجماتية مثلت «السلاح السري» للحزب الجمهوري في توحيد التيارات الداخلية، وتوفير «مرونة ملحوظة» في التعامل مع السياسة الخارجية، وخاصة تجاه منافسي واشنطن. في حين تساءل «ستيفن والت»، من «جامعة هارفارد»، عن مدى اقتناع «ترامب» وأنصاره بقدرتهم على «ترهيب العالم بأسره»، لتحقيق مصالحهم ومصالح الولايات المتحدة.
وخلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وفترة الانتقال اللاحقة بين الإدارة الديمقراطية والجمهورية، وجه العديد من التهديدات ضد دول حول العالم -سواء أكانت خصومًا أو حلفاء لواشنطن- من بينها فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول أعضاء مجموعة «البريكس»؛ حال أصدرت عملة دولية منافسة للدولار. وقبيل تنصيبه الثاني في 20 يناير 2025 زاد من تركيزه على التوسع الجغرافي للأراضي الأمريكية، مستهدفًا تعزيز نفوذ واشنطن على جزيرة «جرينلاند»، والسعي لاستعادة السيطرة على حركة الشحن عبر قناة «بنما»، كما أثار الجدل بتصريحه حول إمكانية إجبار كندا على الانضمام إلى الولايات المتحدة كولاية رقم 51.
وبالرغم من رفض هذه الادعاءات من قبل محللي السياسة الخارجية والأكاديميين فإن حقيقة تلميحه باحتمالية استخدام القوة العسكرية للسيطرة على مواقع جيواستراتيجية وجيواقتصادية رئيسية، تحت سيادة الدول المتحالفة؛ تسببت في إثارة قدر كبير من القلق، بشأن نواياه خلال السنوات الأربع المقبلة. ورأى «ستيوارت باتريك»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، في مثل هذه التهديدات أنها «عودة إلى سياسة خارجية أمريكية قديمة مضللة»؛ ستُفضي إلى مآلات «عكسية للسياسة الخارجية الأمريكية والنظام العالمي».
وفي الشرق الأوسط، الذي شهد «تحولات جذرية» خلال السنوات الأربع الماضية، بات المشهد مختلفًا تمامًا عما كان عليه عند مغادرة «ترامب» البيت الأبيض في عام 2021. ووفقًا لـ«معهد الشرق الأوسط» فإن عودة الإدارة الجمهورية، العازمة على استخدام التهديد بالقوة العسكرية لإخضاع خصومها، تزيد من احتمالات اندلاع الصراعات. وتتفاقم هذه المخاطر مع وجود حكومة إسرائيلية متطرفة ومتهورة، تسعى لاستغلال دعم واشنطن القوي لضم الأراضي الفلسطينية وفرض سيطرتها العسكرية الكاملة.
وتعد تطلعات «ترامب» لتوسيع السيطرة الإقليمية المباشرة للولايات المتحدة على أجزاء من أمريكا الشمالية خارج حدودها التقليدية ليست فكرة جديدة، سواء لإدارته المقبلة أو في سياق التاريخ الأمريكي الحديث. وسبق وأعرب لأول مرة عن رغبته في ضم «جزيرة جرينلاند» -الإقليم المستقل التابع لدولة الدنمارك العضو في حلف شمال الأطلسي- في عام 2019. وتأتي هذه الخطوة رغم إشارة «باتريك» إلى سوابق تاريخية رفضت فيها عروضا مماثلة لنقل السيادة على «جرينلاند» إلى واشنطن في عامي 1867 و1946.
وفي تفسيره لدوافع «إدارة ترامب» الثانية للسعي لإغراء السلطات في «كوبنهاغن» بالتفاوض على بيع جزيرة جرينلاند، أشار «باتريك» إلى أن ذلك يمثل «انعكاسًا لعمليات الشراء الإقليمية الأمريكية» لمناطق من القرون السابقة التي تعرضت في وقتها لانتقادات واسعة، لكنها أصبحت لاحقًا «صفقات استراتيجية هائلة»، مثل شراء ولاية «لويزيانا» من فرنسا في 1803، و«ألاسكا» من روسيا في 1867. واستنادًا إلى نهجه التجاري -أكثر من كونه مفاوضًا- فبوسعه الوصول إلى صفقات ليس بمقدور الآخرين نيلها. ورأى «هنري لي»، من «كلية هارفارد كينيدي»، أن هذه الإجراءات تهدف إلى تحسين «موقف ترامب التفاوضي» بشأن حقوق التعدين، وقد انتهج هذا المسار كونه «يُدرك أن تهديداته تأتي بنتائج».
وعند تناول قضية إعادة فرض «الولايات المتحدة» سيطرتها العسكرية على قناة بنما، التي وصفها بأنها تفرض «رسومًا باهظة» على الشحن، وادعى أنها تحت تأثير الصين –من دون تقديم أدلة– إضافة إلى تهديده باستخدام «القوة الاقتصادية»، لدفع كندا للانضمام إلى الولايات المتحدة؛ شدد «باتريك» على أن هذا يعكس «إصرار الجمهوريين على معاملة نصف الكرة الغربي كمجال نفوذ أمريكي»، موضحا أن هذا النهج، عند تحليله من منظور تاريخي للعلاقات الأمريكية مع جيرانها، يبدو «أقل انحرافًا عن التقليد»، وأكثر «عودة إلى القواعد المعتادة»، التي اتبعتها واشنطن في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وفيما يتعلق بتأثير هذه السياسات على النظام الجيوسياسي الدولي أشار «باتريك» إلى المخاطر التي تنجم عن «طبع ترامب المتهور وأسلوبه المتقلب». وبعيدًا عن رغبته في ضم مناطق من أمريكا الشمالية يظل معروفًا بكراهيته للعولمة، والتعددية، والتحالفات المعقدة، بالإضافة إلى رفضه الحروب والصراعات المستمرة، وهي المواقف التي تؤثر على التوازن والنفوذ بين «الدوائر» المتنافسة، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين. ومن ثم حذر الباحث من خطورة تفسير تصريحاته، باعتبارها تعكس «استراتيجية كبرى واضحة أو متماسكة».
وأشارت «راشيل ريزو»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أنه سيرى في فترة رئاسته الثانية «فرصة لإنهاء ما بدأه في المرة الأولى»، وكذلك إعادة الولايات المتحدة إلى «نهج الحكم بالقبضة الحديدية» في السياسة الجيوسياسية. وتهدف هذه السياسة إلى تصعيد التهديدات باستخدام القوة العسكرية ضد الدول الحليفة، بزعم تحسين الوضع الاستراتيجي لواشنطن في مواجهة منافسيها العالميين.
ومع ذلك، أشار «دانيال فريد»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل اتفاقية «تعاون دفاعي شاملة» مع الدنمارك، تشمل قواعد عسكرية وصاروخية أمريكية في «جرينلاند»، وهي اتفاقية تجاهلها ترامب تمامًا. من جانبه، حذر «باتريك» من أن هذه التهديدات ستؤدي إلى «إضفاء الشرعية على جهود الصين، وروسيا، وربما قوى إقليمية أخرى، لتوسيع دوائر نفوذها في مناطقها»، ما قد يؤدي إلى «تقويض ميثاق الأمم المتحدة، وإضعاف الأسس المتآكلة للنظام الدولي».
ومن بين القوى الإقليمية المحتملة التي قد تستفيد من هذا التحول إيران، حيث من المتوقع أن تكون سياسة الولايات المتحدة تجاهها تحت «إدارة ترامب» محور نقاش رئيسيا خلال الأسابيع والأشهر الأولى من ولايته الثانية. وفي هذا السياق، دعا الأكاديميون الغربيون الإدارة الجمهورية القادمة إلى استغلال ما وصفوه بـ«فرصة» ضعف طهران لتحقيق «اختراق» في المفاوضات النووية، وفقًا لما ذكره «ريتشارد هاس» من مجلس العلاقات الخارجية.
من جانبه، أشار «سينا أزودي»، من جامعة «جورج واشنطن»، إلى أن ترامب هو الشخص الوحيد الذي «يمكنه الذهاب إلى طهران» لإبرام صفقة، ورغم أن هناك «مؤيدين لرؤيته»، في دائرة مستشاريه المقربين، بدلاً من «الصقور الأيديولوجيين» –في إشارة إلى وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون- فقد ظل حذرًا في تقديم أي مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، مؤكدًا أن طهران المسلحة نوويًا هي «أكبر تهديد للعالم»، معلقًا أن حكومته «مستعدة للتأكد من أنها لن تمتلك سلاحًا نوويًا».
كما أنه من المتوقع أن تمضي «إدارة ترامب» قُدمًا في دعم توجهات حكومة «بنيامين نتنياهو» اليمينية المتطرفة، ليس فقط فيما يتعلق بالهجمات العسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، بل أيضًا في مساعيها لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو مجال قد يكون فيه الضغط الأمريكي فعالًا. وبالفعل وجه تحذيرًا صريحًا، مفاده أنه سيكون «هناك جحيم يدفع ثمنه» الفلسطينيون في غزة إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن المتبقين قبل تنصيبه.
وأشار «جوناثان بانيكوف»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن هذا التهديد يهدف إلى إقناع حماس بأن إدارة بايدن المنتهية ولايتها قد تقدم صفقة أفضل، مقارنة بما قد تفرضه إدارة ترامب القادمة، ما يدفعها إلى التصرف سريعًا. ومع ذلك، يبقى التساؤل الأساسي من دون إجابة: كيف ستتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين بمجرد تسلم الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في البيت الأبيض؟
وكما أكد «فريد»، فإن تصريحاته بشأن «جرينلاند»، و«قناة بنما»، و«كندا»، التي تحمل إشارات إلى احتمال ضم أراضٍ جديدة إلى الولايات المتحدة، قد تُثبت في النهاية أنها مجرد «ضجيج تكتيكي». ومع ذلك، فإن توجيه الرئيس العائد تهديدات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية لعدة دول حول العالم قبل عودته إلى المكتب البيضاوي، يكشف عن «الجانب المظلم للقوة»، الذي وصفه بأنه «غير لائق بأي رئيس أمريكي»، وهو النهج الذي يجعل الولايات المتحدة تبدو «مجرد متنمر يسعى لفرض سيطرته من خلال القوة والترهيب».
وخلصت «جينيفر سبينس»، من «جامعة هارفارد»، إلى أن «الاستقرار العالمي لن يُحافظ عليه إذا أصبح النظام القائم على القواعد أمرًا اختياريًا». وأشار «باتريك» إلى أن «الاستراتيجية الأمريكية الأكثر عمقًا والمدفوعة بالأمل» قد تتمثل في تكثيف إدارة ترامب الثانية للاهتمام الدبلوماسي والاقتصادي بالنصف الغربي من الكرة الأرضية، مع التخلي في الوقت ذاته عن «فرضية الهيمنة» الضمنية على أمريكا اللاتينية، التي شكلت جوهر مبدأ مونرو.
ومع ذلك، كما أشار «كريستيان فولسغارد»، من «المجلس الأطلسي»؛ فإن دافع ترامب في ممارسة السياسة الخارجية الأمريكية -تمامًا كما في فترته الأولى- يبدو واضحًا وهو «تسوية الحسابات المعلقة». ويتضمن ذلك استعادة حملة «الضغوط القصوى» ضد إيران لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي، إلى جانب تقديم دعم واضح لضم إسرائيل كامل الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك