العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

إشراقة شهر رمضان المبارك وواقع المسلمين اليوم

بقلم: د. عدنان علي النحوي

الجمعة ٢٢ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬شَهرُ‭ ‬‌رَمَضَانَ‭ ‬الذِي‭ ‬أنزِلَ‭ ‬فِيهِ‭ ‬القُرءَانُ‭ ‬هُدى‭ ‬لِلناسِ‭ ‬وَبَيِّنَات‭ ‬مِنَ‭ ‬الهُدَى‭ ‬والفُرقانِ‭ ‬فمَن‭ ‬شَهِدَ‭ ‬مِنكُمُ‭ ‬الشَّهرَ‭ ‬فليَصُمهُ‮»‬‭ (‬البقرة‭:‬185‭) . ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬تتلفت‭ ‬قلوب‭ ‬المؤمنين‭ ‬المتقين‭ ‬تنظر‭ ‬إشراقة‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬لتزيح‭ ‬إشراقته‭ ‬الظلام‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بالناس‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬عمت‭ ‬البلوى،‭ ‬وامتد‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج،‭ ‬وكثرت‭ ‬الزلازل‭ ‬والبراكين‭ ‬والفيضانات‭ ‬وماجت‭ ‬دماء‭ ‬المجازر،‭ ‬وهاجت‭ ‬أعاصير‭ ‬الفتن،‭ ‬واستبد‭ ‬الظلم‭ ‬والفساد‭ ‬والعدوان‭.‬

شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬أعظم‭ ‬الشهور،‭ ‬ففيه‭ ‬وقعت‭ ‬أعظم‭ ‬الأحداث‭ ‬وأكثرها‭ ‬خيرًا‭ ‬وبركةً‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬مع‭ ‬توالي‭ ‬الأنبياء‭ ‬والمرسلين‭. ‬وقد‭ ‬أنزل‭ ‬أما‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬العزة‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬الدنيا‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬القدر،‭ ‬ثم‭ ‬أنزل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مفرقًا‭ ‬حسب‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭:‬

‭(‬‌إِنَّا‭ ‬‌أَنزَلناهُ‭ ‬‌فِي‭ ‬‌لَيلَةِ‭ ‬القَدرِ‭)‬،‭ (‬إِنا‭ ‬أنزَلناهُ‭ ‬‌فِي‭ ‬‌لَيلَة‭ ‬‌مبَارَكَةٍ‭ ‬إِنَّا‭ ‬كُنَّا‭ ‬مُنذِرِينَ‭) (‬الدخان‭:‬3‭).‬

وأي‭ ‬خير‭ ‬لدى‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬هدى‭ ‬للناس‭ ‬كافة‭ ‬وآيات‭ ‬بينات‭ ‬من‭ ‬الهدى‭ ‬والفرقان‭. ‬وأي‭ ‬نعمة‭ ‬أعظم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬بآيات‭ ‬بينات،‭ ‬ويخرج‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الظلمات‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬بإذن‭ ‬ربهم‭.‬

وأي‭ ‬ليلة‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭: ‬‮«‬لَيلَةُ‭ ‬القدرِ‭ ‬خير‭ ‬‌مِن‭ ‬ألفِ‭ ‬‌شَهر‭ ‬تَنَزَّلُ‭ ‬المَلَائِكَةُ‭ ‬وَالرُّوحُ‭ ‬فِيهَا‭ ‬بإذن‭ ‬رَبِّهِم‭ ‬مِّن‭ ‬كُلِّ‭ ‬أمر‭ ‬سلام‭ ‬هِيَ‭ ‬حَتَّى‭ ‬مَطلَعِ‭ ‬الفجرِ‮»‬‭ (‬القدر‭:‬3‭-‬5‭).‬

وعن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭ ‬قال‭: ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أتاكم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬شهر‭ ‬مبارك،‭ ‬فرض‭ ‬الله‭ ‬عليكم‭ ‬صيامه،‭ ‬تفتح‭ ‬فيه‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة،‭ ‬وتغلق‭ ‬فيه‭ ‬أبواب‭ ‬الجحيم،‭ ‬وتغل‭ ‬فيه‭ ‬مردة‭ ‬الشياطين،‭ ‬وفيه‭ ‬ليلة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬شهر،‭ ‬من‭ ‬حرم‭ ‬خيرها‭ ‬فقد‭ ‬حرم‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬أحمد‭ ‬والنسائي‭ ‬والبيهقي‭).‬

وعنه‭ ‬أيضًا‭: ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الصوم‭ ‬لي‭ ‬وأنا‭ ‬أجزي‭ ‬به،‭ ‬إن‭ ‬للصائم‭ ‬فرحتين‭. ‬إذا‭ ‬أفطر‭ ‬فرح،‭ ‬وإذا‭ ‬لقي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬فجزاه‭ ‬فرح،‭ ‬والذي‭ ‬نفس‭ ‬محمد‭ ‬بيده‭ ‬لخلوف‭ ‬فم‭ ‬الصائم‭ ‬أطيب‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ريح‭ ‬المسك‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬مسلم‭ ‬وأحمد‭ ‬والنسائي‭).‬

وعنه‭ ‬أيضًا‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬رمضان‭ ‬فتحت‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة،‭ ‬وغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬النار‭ ‬وسلسلت‭ ‬‮«‬صفدت‮»‬‭ ‬الشياطين‮»‬‭ (‬رواه‭ ‬الأربعة‭).‬

والأحاديث‭ ‬الشريفة‭ ‬عن‭ ‬فضل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬كثيرة‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬وخيره‭ ‬وبركته‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬التزمه‭ ‬صيامًا‭ ‬وقيامًا‭ ‬وآدابًا،‭ ‬فيعتق‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬وتغفر‭ ‬ذنوبهم‭.‬

فعن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬من‭ ‬صام‭ ‬رمضان‭ ‬إيمانًا‭ ‬واحتسابًا‭ ‬غفر‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬ذنبه‭ ‬وما‭ ‬تأخر‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬الشيخان‭ ‬وأحمد‭).‬

‮ ‬ولقد‭ ‬وقعت‭ ‬أحداث‭ ‬هامة‭ ‬ومعارك‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭. ‬ففيه‭ ‬كانت‭ ‬غزوة‭ ‬بدر‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الهجرة،‭ ‬وفتح‭ ‬مكة‭ ‬سنة‭ ‬ثمان،‭ ‬وأسلمت‭ ‬ثقيف‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬بعد‭ ‬قدوم‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬من‭ ‬تبوك‭. ‬وكذلك‭ ‬كانت‭ ‬معركة‭ ‬بلاط‭ ‬الشهداء‭ ‬سنة‭ ‬411هـ‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وكان‭ ‬فتح‭ ‬العمورية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬المبارك‭ ‬سنة‭ ‬223هـ‭.‬

والأحداث‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬تنبئ‭ ‬أن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شهر‭ ‬راحة‭ ‬واسترخاء‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬شهرًا‭ ‬جامعًا‭ ‬لأنواع‭ ‬الجهاد‭ ‬الذي‭ ‬شرعه‭ ‬الله‭ ‬لعباده‭ ‬المؤمنين‭. ‬فالصيام‭ ‬جهاد‭ ‬النفس‭ ‬ومجاهدتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬قيام‭ ‬الليل‭. ‬ومجاهدة‭ ‬النفس‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬أبواب‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلم،‭ ‬جهاد‭ ‬يمتد‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬كلها‭ ‬وميادينه‭ ‬كلها،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬حديث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يرويه‭ ‬فضالة‭ ‬بن‭ ‬عبيد‮ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬المجاهد‭ ‬من‭ ‬جاهد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الله‮»‬‭ (‬أخرجه‭ ‬أحمد‭ ‬والترمذي‭ ‬وابن‭ ‬حبان‭).‬

ويمتد‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬ليبلغ‭ ‬بذل‭ ‬المال‭ ‬والنفس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مجاهدة‭ ‬أعداء‭ ‬الله‭. ‬فما‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬معطلًا‭ ‬لطاقة‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬الميادين،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬طاقات‭ ‬المؤمنين‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم‭ ‬بينه‭ ‬الله‭ ‬لهم‭ ‬وفصله،‭ ‬وجعله‭ ‬سبيلاً‭ ‬واحدة‭ ‬وصراطًا‭ ‬مستقيمًا،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يضل‭ ‬عنه‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬الكافرون‭ ‬والمنافقون‭.‬

وكان‭ ‬أداء‭ ‬الشعائر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والوفاء‭ ‬بها،‭ ‬فرائض‭ ‬ونوافل،‭ ‬ليلًا‭ ‬ونهارًا،‭ ‬ينمي‭ ‬طاقات‭ ‬المؤمنين‭ ‬لتنطلق‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬تبلغ‭ ‬دعوة‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة،‭ ‬وتجاهد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬لتوفي‭ ‬بالأمانة‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬الإنسان،‭ ‬والعبادة‭ ‬التي‭ ‬خلق‭ ‬لها،‭ ‬والخلافة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬له،‭ ‬والعمارة‭ ‬التي‭ ‬أمر‭ ‬بها‭ ‬ليعمر‭ ‬الأرض‭ ‬بحضارة‭ ‬الإيمان‭.‬

كان‭ ‬أداء‭ ‬الشعائر‭ ‬أساسًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬الوفاء‭ ‬بهذه‭ ‬المسؤوليات‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬والتكاليف‭ ‬الربانية‭. ‬كان‭ ‬المؤمنون‭ ‬يعون‭ ‬أن‭ ‬تكاليف‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الشعائر،‭ ‬ولكن‭ ‬الشهادتين‭ ‬والشعائر‭ ‬تقيم‭ ‬الأركان‭ ‬التي‭ ‬ينهض‭ ‬عليها‭ ‬الإسلام‭ ‬وتكاليفه‭:‬

فعن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عمر رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬عن‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬بني‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬خمس‭: ‬شهادة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وأن‭ ‬محمدًا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وإقام‭ ‬الصلاة‭ ‬وإيتاء‭ ‬الزكاة‭ ‬وحج‭ ‬البيت‭ ‬وصوم‭ ‬رمضان‮»‬‭ (‬رواه‭ ‬الشيخان‭ ‬وأحمد‭ ‬والترمذي‭ ‬والنسائي‭).‬

كان‭ ‬المؤمنون‭ ‬المتقون‭ ‬الصادقون‭ ‬يعون‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬ويعون‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يخلقوا‭ ‬عبثًا،‭ ‬وأنهم‭ ‬لن‭ ‬يتركوا‭ ‬سدًى،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬خلقهم‭ ‬لأداء‭ ‬مهمة‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ابتلاء‭ ‬وتمحيص‭.‬

وتتوالى‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمة‭ ‬والأحاديث‭ ‬الشريفة‭ ‬لتؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الهامة‭ ‬والقضية‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭. ‬وتأتي‭ ‬الأركان‭ ‬الخمسة‭ ‬الشهادتان‭ ‬والشعائر‭ ‬لتؤكد‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الهامة‭ ‬مع‭ ‬سائر‭ ‬الحقائق‭ ‬الضرورية‭ ‬للمسلمين‭ ‬وللناس‭ ‬كافة‭.‬

وقيام‭ ‬الأمة‭ ‬المسلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬صفًّا‭ ‬واحدًا‭ ‬كالبنيان‭ ‬المرصوص‭ ‬ضرورة‭ ‬أساسية‭ ‬للوفاء‭ ‬بتبليغ‭ ‬رسالة‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة،‭ ‬ودعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬الإيمان‭ ‬والتوحيد‭ ‬وإلى‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬كما‭ ‬أنزل‭ ‬على‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

إن‭ ‬تبليغ‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬العظيمة‭ ‬ودعوة‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬وتعهدهم‭ ‬عليها،‭ ‬أصبح‭ ‬فرضًا‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬المسلمة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مسلم‭ ‬قادر‭ ‬وعلى‭ ‬الأمة‭ ‬كلها،‭ ‬ولا‭ ‬يفلح‭ ‬المسلم‭ ‬ولا‭ ‬الأمة‭ ‬بهذه‭ ‬القضية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬صفًّا‭ ‬كالبنيان‭ ‬المرصوص‭.‬

‮«‬وَلتَكُن‭ ‬‌مِّنكُم‭ ‬‌أُمَّة‭ ‬‌يَدعُونَ‭ ‬إِلَى‭ ‬الخَيرِ‭ ‬وَيَأمُرُونَ‭ ‬بالمَعرُوفِ‭ ‬وَيَنهَونَ‭ ‬عَنِ‭ ‬المُنكَرِ‭ ‬وَأُوْلَـئِكَ‭ ‬هُمُ‭ ‬المُفلِحُونَ‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭:‬104‭).‬

وكذلك‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬‌يُحِبُّ‭ ‬‌الَّذِينَ‭ ‬‌يُقتِلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِه‭ ‬صَفّا‭ ‬كَأَّنهُم‭ ‬بُنيان‭ ‬مَّرصُوص‮»‬‭ (‬الصف‭:‬4‭).‬

إشراقة‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬معاني‭ ‬كثيرة‭ ‬وحقائق‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬الإسلام‭ ‬الكبيرة‭. ‬ونشير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬الموجزة‭ ‬إلى‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬أوجزناها‭:‬

‭-‬الأمة‭ ‬المسلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬صفًّا‭ ‬واحدًا‭ ‬كالبنيان‭ ‬المرصوص‭.‬

‭-‬تبليغ‭ ‬دعوة‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة‭ ‬كما‭ ‬أنزلت‭ ‬على‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

‭-‬إن‭ ‬قيام‭ ‬الأمة‭ ‬المسلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬وتبليغ‭ ‬رسالة‭ ‬الله‭ ‬للناس‭ ‬كافة‭ ‬حاجة‭ ‬بشرية‭ ‬وضرورة‭ ‬لصلاح‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

وهي‭ ‬ضرورة‭ ‬لنجاة‭ ‬المسلم‭ ‬والإنسان‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬فتنة‭ ‬الدنيا‭ ‬وعذاب‭ ‬الآخرة‭.‬

إن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬يذكرنا‭ ‬بهذه‭ ‬الحقائق‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬تذكرنا‭ ‬بها‭ ‬سائر‭ ‬الشعائر‭ ‬والشهادتان‭.‬

نحتفل‭ ‬اليوم‭ ‬بإقبال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬وفلسطين‭ ‬تغيب‭ ‬وراء‭ ‬الأفق،‭ ‬ودماء‭ ‬المسلمين‭ ‬فوارة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬هدير‭ ‬المعتدين‭ ‬الظالمين‭ ‬المجرمين،‭ ‬وأشلاء‭ ‬المسلمين‭ ‬وأعراضهم‭ ‬وحرماتهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬منثورة‭ ‬يتزاحم‭ ‬عليها‭ ‬المجرمون‭.‬

كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬يقضون‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الفضائيات‭ ‬وبرامجها‭ ‬المتفلتة،‭ ‬وآخرون‭ ‬يقضونها‭ ‬في‭ ‬ألوان‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬اللهو‭ ‬والضياع،‭ ‬وآخرون‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يصومون‭ ‬أو‭ ‬يصلون،‭ ‬ويظلون‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭.‬

يقبل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬والمسلمون‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬نهج‭ ‬ولا‭ ‬خطة‭ ‬لمجابهة‭ ‬الواقع‭ ‬الأليم،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬شعارات‭ ‬وأماني‭ ‬وأوهام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفرقة‭ ‬والتمزق‭ ‬والصراع‭.‬

كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬يقبل‭ ‬فيجمع‭ ‬المسلمين‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬المساجد،‭ ‬وفي‭ ‬ميادين‭ ‬الجهاد،‭ ‬وفي‭ ‬البناء‭ ‬والعمل‭ ‬المتواصل،‭ ‬يمضون‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم،‭ ‬يعرفون‭ ‬أهدافهم‭ ‬والدرب‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الأهداف‭. ‬واليوم‭ ‬تشعبت‭ ‬السبل‭ ‬وضاعت‭ ‬الأهداف،‭ ‬وعميت‭ ‬علينا‭ ‬الحقائق‭.‬

‮ ‬لقد‭ ‬تغير‭ ‬واقع‭ ‬المسلمين،‭ ‬فعسى‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬العزائم‭ ‬مع‭ ‬إشراقة‭ ‬رمضان‭ ‬لاستئناف‭ ‬الحياة‭ ‬الصادقة،‭ ‬حياة‭ ‬بناء‭ ‬الأمة‭ ‬الواحدة‭ ‬والصف‭ ‬الواحد،‭ ‬حياة‭ ‬تبليغ‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة‭.‬

*داعية‭ ‬وكاتب‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا