العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

المكانة المقدسة لفلسطين.. أرض الرباط والجهاد

الجمعة ٠١ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يخلق‭ ‬ويختار‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لأحد‭ ‬الخيرة‭ ‬سواه،‭ ‬فالله‭ ‬اختص‭ ‬لنفسه‭ ‬أشياء‭ ‬ونسب‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ ‬أشياء‭ ‬نسبة‭ ‬تشريف‭ ‬وما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬لحكمة‭ ‬أرادها‭ ‬الله،‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: (‬وربك‭ ‬يخلق‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬ويختار‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬الخيرة‭ ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬وتعالى‭ ‬عما‭ ‬يشركون‭) ‬ومما‭ ‬اختص‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬بالتشريف‭ ‬والبركة‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬الواسعة‭ ‬الرقعة‭ ‬الطيبة‭ ‬البقعة‭ ‬واسطة‭ ‬البلاد‭ ‬وسرّتها‭ ‬ووجهتها‭ ‬وغرتها‭ ‬بلاد‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ (‬فلسطين‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قلب‭ ‬مكانة‭ ‬مقدسة،‭ ‬وما‭ ‬ذكرت‭ ‬فلسطين‭ ‬إلا‭ ‬واهتز‭ ‬قلب‭ ‬المسلم‭ ‬الموحد‭ ‬شوقاً‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬وما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬للقداسة‭ ‬التي‭ ‬ربطها‭ ‬الله‭ ‬لهذا‭ ‬المكان‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬وما‭ ‬نطق‭ ‬به‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

فالله‭ ‬تعالى‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الإسراء‭ ‬منزها‭ ‬نفسه‭: (‬سبحان‭ ‬الذي‭ ‬أسرى‭ ‬بعبده‭ ‬ليلاً‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬باركنا‭ ‬حوله‭ ‬لنريه‭ ‬من‭ ‬آياتنا‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬السميع‭ ‬البصير‭) ‬وقوله‭ ‬سبحانه‭: (‬ولسليمان‭ ‬الريح‭ ‬تجري‭ ‬بأمره‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬باركنا‭ ‬فيها‭ ‬وكنا‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬عالمين‭) ‬وقال‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬موسى‭: (‬يا‭ ‬قوم‭ ‬ادخلوا‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة‭ ‬التي‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬لكم‭ ‬ولا‭ ‬ترتدوا‭ ‬على‭ ‬أدباركم‭ ‬فتنقلبوا‭ ‬خاسرين‭). ‬وقال‭ ‬تعالى‭: (‬ونجيناه‭ ‬ولوطا‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬باركنا‭ ‬فيها‭ ‬للعالمين‭).‬

وهناك‭ ‬آيات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام،‭ ‬ليس‭ ‬المقام‭ ‬لذكرها،‭ ‬ويقول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬تلك‭ ‬ملائكة‭ ‬الله‭ ‬باسطو‭ ‬أجنحتها‭ ‬على‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬ويقول‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬وعقر‭ ‬دار‭ ‬المؤمنين‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬ويقول‭ ‬كذلك‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬لازال‭ ‬أهل‭ ‬الغرب‭ (‬أهل‭ ‬الشام‭) ‬ظاهرين‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الساعة‮»‬‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الفضائل‭ ‬التي‭ ‬ذكرنا‭ ‬طرفًا‭ ‬منها‭ ‬لتعمق‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المسلم‭ ‬موعود‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬وأنها‭ ‬الموروث‭ ‬الحقيقي‭ ‬لعباد‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬ولقد‭ ‬كتبنا‭ ‬في‭ ‬الزبور‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الذكر‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬يرثها‭ ‬عبادي‭ ‬الصالحون‭ ‬إنّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬لبلاغا‭ ‬لقوم‭ ‬عابدين‭).‬

‭ ‬فالأرض‭ ‬هي‭ ‬فلسطين‭ ‬ولعله‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬البقاع‭ ‬التي‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الديانات‭.‬

وهي‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬وبالأخص‭ ‬فلسطين‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬ديانة‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الديني‭ ‬والنصوص‭ ‬الدينية‭ ‬ما‭ ‬يشيد‭ ‬بقداسة‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬دلالة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬دفة‭ ‬الصراع‭ ‬التي‭ ‬تحركها‭ ‬الخلفية‭ ‬الدينية‭ ‬وإن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لإقصاء‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬المعركة‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬مضللة‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬فالدين‭ ‬له‭ ‬حضور‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬رحى‭ ‬الصراع‭.‬

والمسلمون‭ ‬عندما‭ ‬يخوضون‭ ‬المعركة‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬يستمدون‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬يبذلون‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬وعندما‭ ‬ترسخ‭ ‬تلك‭ ‬القداسة‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬كأرض‭ ‬رباط‭ ‬وجهاد‭ ‬يزداد‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة‭ ‬وإن‭ ‬استرداد‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬تنفيذاً‭ ‬لأمر‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬توحيده‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬وألا‭ ‬يشرك‭ ‬به‭ ‬شيئاً،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬للتجزئة‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬إقرار‭ ‬للعدو‭ ‬بها‭ ‬أمر‭ ‬مرفوض‭.‬

وللأسف‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬تغييب‭ ‬دور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬اليهود،‭ ‬مع‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬اليهود‭ ‬يستحضرون‭ ‬الدين‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬صراعهم‭ ‬معنا‭ ‬فهم‭ ‬يستخدمون‭ ‬شعارات‭ ‬ومصطلحات‭ ‬مستقاة‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬دينهم‭ ‬مثل‭ (‬أرض‭ ‬الميعاد‭) ‬و‭(‬عاصمة‭ ‬المسيح‭ ‬المنتظر‭) ‬و‭ (‬جبل‭ ‬الهيكل‭) ‬وكذلك‭ (‬نجمة‭ ‬داود‭ ‬السداسية‭) ‬والتي‭ ‬تحمل‭ ‬رسما‭ ‬هندسيا‭ ‬لقاعدة‭ ‬بناء‭ ‬الهيكل‭ ‬الثالث‭ ‬المزعوم‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬الدينية‭ ‬لهذه‭ ‬البلاد‭ ‬ترتبط‭ ‬بها‭ ‬تكاليف‭ ‬شرعية‭ ‬وواجبات‭ ‬دينية‭ ‬تلزم‭ ‬أعناق‭ ‬المسلمين‭ ‬فرادى‭ ‬وجماعات‭ ‬ومجتمعات‭ ‬لنصرة‭ ‬من‭ ‬استنصروهم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬فأوجبوا‭ ‬عليهم‭ ‬تلك‭ ‬النصرة‭ ‬عينياً‭ ‬وكفائياً‭ ‬جهاداً‭ ‬بالنفس‭ ‬والمال،‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬المسلمين‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬النفير‭ ‬خفافاً‭ ‬وثقالاً‭ ‬إذا‭ ‬داهم‭ ‬العدو‭ ‬أي‭ ‬عرض‭ ‬للمسلمين،‭ ‬فما‭ ‬الحال‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬البلاد‭ ‬هي‭ ‬البلاد‭ ‬المقدسة‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬

إن‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لفهم‭ ‬الأهمية‭ ‬الدينية‭ ‬والتاريخية‭ ‬لفلسطين‭ ‬وللقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بهدف‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭  ‬إيجاد‭ ‬الوعي‭ ‬التام‭ ‬لأبعاد‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تندفع‭ ‬العواطف‭ ‬متخلية‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬والفكر‭ ‬الذي‭ ‬يؤصله‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي،‭ ‬وهنا‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المسلم‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يقاتل‭ ‬وتحت‭ ‬أي‭ ‬إرادة‭ ‬يقاتل‭ .‬

ولو‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬عند‭ ‬فورة‭ ‬غضبها‭ ‬للانتهاكات‭ ‬الممارسة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصهاينة‭ ‬لوجدت‭ ‬تلك‭ ‬الغضبة‭ ‬التي‭ ‬يغضبونها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تهمد‭ ‬وما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬لعدم‭ ‬الوعي‭ ‬بقداسة‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬وميزتها‭ ‬التي‭ ‬ميزها‭ ‬الله‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخليصها‭ ‬من‭ ‬رجس‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬بكل‭ ‬الأسباب‭ ‬والطرق‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬ولا‭ ‬ملل،‭ ‬وأن‭ ‬نبني‭ ‬الداخل‭ ‬بناءً‭ ‬محكماً‭ ‬حتى‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬قادرين‭ ‬لأن‭ ‬نتصدى‭ ‬لأي‭ ‬تشققات‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬أسباب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استرداد‭ ‬المقدسات‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا