العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

فقه السنن الإلهية في ضوء الحرب العدوانية على غزة

الجمعة ١٧ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬مما‭ ‬يحزِن‭ ‬قلبَ‭ ‬كل‭ ‬مسلم‭ ‬صادق‭ ‬ويشغل‭ ‬ذهنه‭ ‬وتفكيره‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات؛‭ ‬ما‭ ‬يلاقيه‭ ‬أهلنا‭ ‬وإخواننا‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬الصابرة‭ ‬المحاصرة،‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المعتدين‭ ‬الصهاينة،‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬أمريكا‭ ‬الباغية‭.‬

ولقد‭ ‬كتب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدعاة‭ ‬وطلبة‭ ‬العلم‭ ‬والمجاهدين‭ ‬في‭ ‬نصرة‭ ‬إخواننا‭ ‬هناك‭ ‬والتضامن‭ ‬معهم،‭ ‬والدعاء‭ ‬لهم،‭ ‬والوقوف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬محنتهم‭ ‬كلٌّ‭ ‬بحسبه‭ ‬وقدرته،‭ ‬فجزى‭ ‬الله‭ ‬الجميع‭ ‬خيراً،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬مستغرباً‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬التوحيد‭ ‬والإسلام‭ ‬الذين‭ ‬وصفهم‭ ‬الرسول‭ - ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ - ‬بالجسد‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬اشتكى‭ ‬منه‭ ‬عضو‭ ‬تداعى‭ ‬له‭ ‬سائر‭ ‬الجسد‭ ‬بالحمى‭ ‬والسهر‭.  ‬وهنا‭ ‬نرى‭ ‬أموراً‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬وتُلفت‭ ‬أنظار‭ ‬المسلمين‭ ‬إليها‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننتبه‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬وأمثالها،‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

الأمر‭ ‬الأول‭:‬

اليقين‭ ‬الجازم‭ ‬والاعتقاد‭ ‬الراسخ‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬وقتل‭ ‬وهجوم‭ ‬شرس‭ ‬من‭ ‬المعتدين‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬المسلمين؛‭ ‬فإنما‭ ‬هو‭ ‬بعلم‭ ‬الله‭ - ‬تعالى‭ - ‬وإرادته‭. ‬قال‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ -: ‬‮«‬وَلَوْ‭ ‬شَاءَ‭ ‬رَبُّكَ‭ ‬مَا‭ ‬فَعَلُوهُ‭ ‬فَذَرْهُمْ‭ ‬وَمَا‭ ‬يَفْتَرُونَ‮»‬‭ (‬الأنعام‭:‬‮٢١١‬‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬وَلَوْ‭ ‬شَاءَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَا‭ ‬اقْتَتَلُوا‭ ‬وَلَكِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يَفْعَلُ‭ ‬مَا‭ ‬يُرِيدُ‮»‬‭ (‬البقرة‭: ‬‮٣٥٢‬‭).‬

ومشيئته‭ - ‬سبحانه‭ - ‬ليست‭ ‬مجردة‭ ‬عن‭ ‬حكمته،‭ ‬بل‭ ‬له‭ - ‬سبحانه‭ - ‬الحِكَم‭ ‬البالغة‭ ‬في‭ ‬خَلْقه‭ ‬وأمره،‭ ‬والعارفون‭ ‬لربهم‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬يعلمون‭ ‬ذلك،‭ ‬ولذا‭ ‬فهم‭ ‬يحسنون‭ ‬الظن‭ ‬بربهم،‭ ‬ويوقنون‭ ‬أن‭ ‬عاقبة‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬يقــدرها‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬هي‭ ‬خير‭ ‬ومصلحة‭ ‬ولطف‭ ‬بالموحدين،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬بدايتها،‭ ‬ومع‭ ‬أنها‭ ‬موجعة‭ ‬وكريهة؛‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نلمس‭ ‬لطف‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬وحكمته‭ ‬ورحمته‭ ‬في‭ ‬أعطافها‭.‬

الأمر‭ ‬الثاني‭:‬

إن‭ ‬من‭ ‬حِكَم‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬البالغة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬أن‭ ‬يعرِّفنا‭ ‬على‭ ‬سننه‭ - ‬سبحانه‭ - ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتبدل‭ ‬ولا‭ ‬تتحول،‭ ‬وبمعرفة‭ ‬هذه‭ ‬السنن‭ ‬الإلهية‭ ‬يتضح‭ ‬الطريق‭ ‬المستقيم‭ ‬ويهتدي‭ ‬المسلم‭ ‬فيه،‭ ‬ويوفق‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬الحق‭ ‬والمنهج‭ ‬الصائب‭.‬

يقول‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬آمراً‭ ‬لنا‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬سننه‭ ‬المطَّردة‭: ‬‮«‬قَدْ‭ ‬خَلَتْ‭ ‬مِن‭ ‬قَبْلِكُمْ‭ ‬سُنَنٌ‭ ‬فَسِيرُوا‭ ‬فِي‭ ‬الأَرْضِ‭ ‬فَانظُرُوا‭ ‬كَيْفَ‭ ‬كَانَ‭ ‬عَاقِبَةُ‭ ‬الْـمُكَذِّبِينَ‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬‮٧٣١‬‭) ‬وقال‭ - ‬سبحانه‭ -: ‬‮«‬فَهَلْ‭ ‬يَنظُرُونَ‭ ‬إلاَّ‭ ‬سُنَّتَ‭ ‬الأَوَّلِينَ‭ ‬فَلَن‭ ‬تَجِدَ‭ ‬لِسُنَّتِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬تَبْدِيلاً‭ ‬وَلَن‭ ‬تَجِدَ‭ ‬لِسُنَّتِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬تَحْوِيلاً‮»‬‭ (‬فاطر‭: ‬‮٣٤‬‭).‬

لذا‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬عامة‭ ‬وعلى‭ ‬دعاة‭ ‬الحق‭ ‬المجاهدين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬خاصة؛‭ ‬أن‭ ‬يقفوا‭ ‬طويلاً‭ ‬مع‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬وما‭ ‬تضمن‭ ‬من‭ ‬الهدى‭ ‬والنــور؛‭ ‬ومن‭ ‬ذلــك‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬من‭ ‬السنن‭ ‬الربانية‭ ‬المستوحاة‭ ‬مــن‭ ‬دعـــوة‭ ‬الأنبياء،‭ ‬عليهم‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬معرفتها‭ ‬والسير‭ ‬على‭ ‬هداها‭ ‬أخذاً‭ ‬بأسباب‭ ‬النصر‭ ‬والتمكين‭ ‬والفلاح،‭ ‬ونجاةً‭ ‬مما‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬الآخرون‭ ‬من‭ ‬تخبط‭ ‬وعناء،‭ ‬بخلاف‭ ‬من‭ ‬يجهل‭ ‬مصدر‭ ‬الأحداث؛‭ ‬فإن‭ ‬الذي‭ ‬يعلم‭ ‬تكون‭ ‬لديه‭ ‬بصيرة‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬أما‭ ‬الذي‭ ‬يجهل‭ ‬فليس‭ ‬لديه‭ ‬إلا‭ ‬الحيرة‭ ‬والخوف‭ ‬والقلق‭.‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬السنن‭ ‬التي‭ ‬ينبهنا‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬إليها‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ - ‬سُنة‭ ‬المدافعة‭: ‬إن‭ ‬إيماننا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬بعلم‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬وإرادته‭ ‬وحكمته؛‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الاستسلام‭ ‬وترك‭ ‬المدافعة؛‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬كوناً‭ ‬وقدراً؛‭ ‬أراد‭ ‬منا‭ ‬مدافعتها‭ ‬ديناً‭ ‬وشرعاً،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬سُنَّة‭ ‬المدافعة‭. ‬قال‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ -: ‬‮«‬ذَلِكَ‭ ‬وَلَوْ‭ ‬يَشَاءُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لانتَصَرَ‭ ‬مِنْهُمْ‭ ‬وَلَكِن‭ ‬لِّيَبْلُوَ‭ ‬بَعْضَكُم‭ ‬بِبَعْضٍ‮»‬‭ (‬محمد‭: ‬‮٤‬‭). ‬ويقول‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ -: ‬‮«‬وَلَوْلا‭ ‬دَفْعُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬النَّاسَ‭ ‬بَعْضَهُم‭ ‬بِبَعْضٍ‭ ‬لَّهُدِّمَتْ‭ ‬صَوَامِعُ‭ ‬وَبِيَعٌ‭ ‬وَصَلَوَاتٌ‭ ‬وَمَسَاجِدُ‭ ‬يُذْكَرُ‭ ‬فِيهَا‭ ‬اسْمُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬وَلَيَنصُرَنَّ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَن‭ ‬يَنصُرُهُ‭ ‬إنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لَقَوِيٌّ‭ ‬عَزِيزٌ‮»‬‭ (‬الحج‭: ‬‮٠٤‬‭). ‬

والمدافعة‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬تأخذ‭ ‬صوراً‭ ‬متعددة‭: ‬فبيان‭ ‬الحق‭ ‬وإزالة‭ ‬الشُّبَه‭ ‬ورفع‭ ‬اللبس‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬وأهله‭ ‬مدافعة،‭ ‬والأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬مدافعة،‭ ‬ويأتي‭ ‬الجهاد‭ ‬والقتال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬المدافعات‭ ‬وذروتها‭ ‬لكف‭ ‬شر‭ ‬الأعداء‭ ‬وفسادهم‭ ‬عن‭ ‬ديار‭ ‬المسلمين‭ ‬ودينهم‭ ‬وأنفسهم‭ ‬وأعراضهم‭ ‬وأموالهم‭.‬

يقول‭ ‬شيخ‭ ‬الإسلام‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬والجهاد‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬باليد،‭ ‬ومنه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بالقلب‭ ‬والدعوة‭ ‬والحجة‭ ‬والبيان‭ ‬والرأي‭ ‬والتدبير‭ ‬والصناعة؛‭ ‬فيجب‭ ‬بغـــاية‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭) (‬الاختيارات‭ ‬الفقهية‭).‬

وما‭ ‬يحصل‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬المحاصرة‭ ‬عدوان‭ ‬صارخ‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬مدافعته‭ ‬بكل‭ ‬ممكن،‭ ‬وكلٌّ‭ ‬بحسبه،‭ ‬ولا‭ ‬يُعذَر‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬يزول‭ ‬العدوان‭ ‬ويندفع‭ ‬الفساد‭: ‬وعلى‭ ‬علماء‭ ‬الأمة‭ ‬واجب‭ ‬المدافعة‭ ‬بإعلان‭ ‬النصرة‭ ‬لإخواننا‭ ‬هناك،‭ ‬وتوجيههم‭ ‬والتضامن‭ ‬معهم،‭ ‬وحث‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬دعمهم‭ ‬والوقوف‭ ‬معهم‭.‬

وعلى‭ ‬الأغنياء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬واجب‭ ‬المدافعة‭ ‬بدعمهم‭ ‬بالمال‭ ‬الذي‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬معاناتهم‭ ‬ويعينهم‭ ‬على‭ ‬جهاد‭ ‬أعدائهم‭. ‬وعلى‭ ‬أصحاب‭ ‬الأقلام‭ ‬والمنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬النَّفْرة‭ ‬لنصرة‭ ‬إخواننا‭ ‬هناك؛‭ ‬بالتعريف‭ ‬بقضيتهم،‭ ‬وفضح‭ ‬أعدائهم،‭ ‬وإظهار‭ ‬صور‭ ‬الظلم‭ ‬والعدوان‭ ‬التي‭ ‬يواجهونها،‭ ‬ومخاطبة‭ ‬الأمة‭ ‬بالوقوف‭ ‬معهم‭ ‬ونصرتهم‭. ‬وعلى‭ ‬المسلمين‭ ‬عامة‭ ‬واجب‭ ‬المدافعة؛‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بشؤونهم،‭ ‬والحزن‭ ‬لمصابهم،‭ ‬والدعاء‭ ‬لهم،‭ ‬ودعمهم‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭.‬

2‭ - ‬سنة‭ ‬الابتلاء‭ ‬والتمحيص‭:‬

يقول‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ -: ‬‮«‬وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ‭ ‬حَتَّى‭ ‬نَعْلَمَ‭ ‬الْـمُجَاهِدِينَ‭ ‬مِنكُمْ‭ ‬وَالصَّابِرِينَ‭ ‬وَنَبْلُوَ‭ ‬أَخْبَارَكُمْ‮»‬‭ (‬محمد‭: ‬‮١٣‬‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬معقباً‭ ‬على‭ ‬غزوة‭ ‬أحد‭: ‬‮«‬مَا‭ ‬كَانَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬لِيَذَرَ‭ ‬الْـمُؤْمِنِينَ‭ ‬عَلَى‭ ‬مَا‭ ‬أَنتُمْ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يَمِيزَ‭ ‬الْـخَبِيثَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الطَّيِّبِ‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬‮٩٧١‬‭) ‬،‭ ‬وقال‭ - ‬سبحانه‭ - ‬في‭ ‬الحدث‭ ‬نفسه‭: ‬‮«‬وَمَا‭ ‬أَصَابَكُمْ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬الْتَقَى‭ ‬الْـجَمْعَانِ‭ ‬فَبِإذْنِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَلِيَعْلَمَ‭ ‬الْـمُؤْمِنِينَ‭ ‬*‭ ‬وَلِيَعْلَمَ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬نَافَقُوا‭...‬‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬‮٦٦١‬‭ ‬‭ ‬‮٧٦١‬‭).‬

قال‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ - ‬عند‭ ‬الآية‭ ‬الثانية‭: (‬أي‭: ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يعقد‭ ‬سببا‭ ‬من‭ ‬المحنة‭ ‬يظهر‭ ‬فيه‭ ‬وليُّه،‭ ‬ويفتضح‭ ‬فيه‭ ‬عدوُّه،‭ ‬يُعرَف‭ ‬به‭ ‬المؤمن‭ ‬الصابر‭ ‬والمنافق‭ ‬الفاجر‭).‬

وبالنظر‭ ‬لهذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬سنن‭ ‬الابتلاء‭ ‬والتمحيص؛‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬المطردة‭ ‬الثابتة‭ ‬تعمل‭ ‬الآن‭ ‬عملها‭ ‬بإذن‭ ‬ربها‭ - ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ - ‬لتؤتي‭ ‬أُكُلَها‭ ‬الذي‭ ‬أراده‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬ومنه‭ ‬اللطف‭ ‬والرحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬تمحيص‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وخارجها،‭ ‬وتمييز‭ ‬الصفوف‭ ‬حتى‭ ‬تتنقَّى‭ ‬من‭ ‬المنافقين‭ ‬وأصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬المريضة‭ ‬وينكشف‭ ‬أمرهم‭ ‬للناس،‭ ‬وحتى‭ ‬يتعرف‭ ‬المؤمنون‭ ‬أنفسُهم‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الثغرات‭ ‬والعوائق‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬التمكين‭ ‬والنصر،‭ ‬فيتخلصوا‭ ‬منها‭ ‬ويغيروا‭ ‬ما‭ ‬بأنفسهم‭. ‬

3‭ - ‬سُنة‭ ‬التغيير‭:‬

يقول‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ -: ‬‮«‬إنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لا‭ ‬يُغَيِّرُ‭ ‬مَا‭ ‬بِقَوْمٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يُغَيِّرُوا‭ ‬مَا‭ ‬بِأَنفُسِهِمْ‮»‬‭ (‬الرعد‭: ‬‮١١‬‭). ‬ويقول‭ - ‬سبحانه‭ - ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬غزوة‭ ‬أحد‭ ‬المؤلمة‭ ‬للمسلمين‭: ‬‮«‬أَوَ‭ ‬لَـمَّا‭ ‬أَصَابَتْكُم‭ ‬مُّصِيبَةٌ‭ ‬قَدْ‭ ‬أَصَبْتُم‭ ‬مِّثْلَيْهَا‭ ‬قُلْتُمْ‭ ‬أَنَّى‭ ‬هَذَا‭ ‬قُلْ‭ ‬هُوَ‭ ‬مِنْ‭ ‬عِندِ‭ ‬أَنفُسِكُمْ‭ ‬إنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلَى‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬قَدِيرٌ‮»‬‭. (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬‮٥٦١‬‭).‬

ففي‭ ‬هاتين‭ ‬الآيتين‭ ‬تنبيه‭ ‬من‭ ‬الله‭ - ‬عز‭ ‬وجل‭ - ‬لعباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتفقدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬وواقعهم‭ ‬ومواقفهم،‭ ‬ويبدؤوا‭ ‬بالتغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬إلـى‭ ‬ما‭ ‬يحبـه‭ ‬الله‭ ‬ويرضـاه؛‭ ‬لأن‭ ‬أكثـر‭ ‬ما‭ ‬يؤتى‭ ‬المسلمون‭ ‬أفراداً‭ ‬وجماعات‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬أنفسهم‭. ‬لذا؛‭ ‬وجب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬محاسبة‭ ‬النفوس،‭ ‬ومراجعة‭ ‬المواقف،‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يسبب‭ ‬الهزائم‭ ‬وتسليط‭ ‬الأعداء‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬والمعاصي‭ ‬والفرقة‭ ‬والأهواء،‭ ‬فمن‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬التغيير‭ ‬ويبدأ‭ ‬الإصلاح‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا