العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

أمة الوسط (4-5)

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

حسن‭ ‬علي‭ ‬البنفلاح

وأمة‭ ‬الوسط‭ ‬هي‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬أسلمت‭ ‬نفسها‭ ‬وروحها‭ ‬لخالقها‭ ‬وأعلنت‭ ‬شهادة‭ ‬التوحيد‭ ‬الخالص‭ ‬لرب‭ ‬العالمين،‭ ‬وما‭ ‬الطواف‭ ‬حول‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬إلا‭ ‬تنفيذا‭ ‬لأمر‭ ‬تعبدي‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬البعض‭ ‬حكمته،‭ ‬ولكن‭ ‬حقائق‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬تقول‭ ‬انه‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬سر‭ ‬عظيم‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬الكون‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬التوحيد‭ ‬الخالص‭ ‬تلبية‭ ‬للنداء‭ ‬الإلهي‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬إبراهيم‭ ‬الخليل‭ ‬أن‭ ‬يؤذن‭ ‬للناس‭ ‬بالحج‭ ‬مصداقا‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَإِذْ‭ ‬بَوَّأْنَا‭ ‬لِإِبْرَاهِيمَ‭ ‬مَكَانَ‭ ‬الْبَيْتِ‭ ‬أَنْ‭ ‬لَا‭ ‬تُشْرِكْ‭ ‬بِي‭ ‬شَيْئًا‭ ‬وَطَهِّرْ‭ ‬بَيْتِيَ‭ ‬لِلطَّائِفِينَ‭ ‬وَالْقَائِمِينَ‭ ‬وَالرُّكَّعِ‭ ‬السُّجُودِ‭ (‬26‭) ‬وَأَذِّنْ‭ ‬فِي‭ ‬النَّاسِ‭ ‬بِالْحَجِّ‭ ‬يَأْتُوكَ‭ ‬رِجَالًا‭ ‬وَعَلَى‭ ‬كُلِّ‭ ‬ضَامِرٍ‭ ‬يَأْتِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬كُلِّ‭ ‬فَجٍّ‭ ‬عَمِيقٍ‭ (‬27‭)‬‮»‬‭ ‬الحج‭.‬

ويختم‭ ‬البحث‭ ‬موضوعه‭ ‬عن‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬ليخبرنا‭ ‬أن‭ ‬الاكتشافات‭ ‬العلمية‭ ‬الصحيحة‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬الباحثون‭ ‬تدل‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬ودينها‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬يقدم‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬الرؤية‭ ‬الصائبة‭ ‬لحقائق‭ ‬الكون‭ ‬والوجود‭ ‬الإلهي‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬نواميس‭ ‬الكون،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬الشهادة‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وأن‭ ‬محمدا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬عقلا‭ ‬قبل‭ ‬نطقها‭ ‬باللسان‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الشامل‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬التوحيدي،‭ ‬إذ‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬العلم‭ ‬حقائق‭ ‬الوجود‭ ‬ويقف‭ ‬بقوة‭ ‬مع‭ ‬دعوة‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬إلى‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ضروب‭ ‬الهوى‭.‬

والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمات‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬مواصفات‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬التي‭ ‬كرمها‭ ‬الله‭ ‬لتكون‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬جميعا‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬شهيدا‭ ‬عليها،‭ ‬فالدين‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬وهو‭ ‬دين‭ ‬واحد‭ ‬موحد‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬غيره‭ ‬منذ‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها،‭ ‬منذ‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬حتى‭ ‬نبينا‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬إنما‭ ‬الفروقات‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬الشرائع‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬الله‭ ‬بواسطة‭ ‬انبياؤه‭ ‬الكرام‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬رسولنا‭ ‬الكريم‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬الإنسان‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬بوحدانية‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬ويؤمن‭ ‬بان‭ ‬هناك‭ ‬يوم‭ ‬آخر‭ ‬للحساب‭ ‬ويعمل‭ ‬في‭ ‬دنياه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬الأعمال‭ ‬الصالحة‭ ‬دخل‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬أوسع‭ ‬أبوابه‭ ‬وعُدّ‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الموحدة‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬الواضح‭ ‬المبجل‭ ‬للدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬عذر‭ ‬يلتمسه‭ ‬أي‭ ‬بني‭ ‬آدم‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬دينا‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬الصريح،‭ ‬وبهذا‭ ‬قال‭ ‬رب‭ ‬العزة‭ ‬والجلالة‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭: ‬‮«‬وَمَنْ‭ ‬يَبْتَغِ‭ ‬غَيْرَ‭ ‬الْإِسْلَامِ‭ ‬دِينًا‭ ‬فَلَنْ‭ ‬يُقْبَلَ‭ ‬مِنْهُ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬فِي‭ ‬الْآَخِرَةِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْخَاسِرِينَ‭ (‬85‭)‬‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭.‬

وأمة‭ ‬الوسط‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬لتكون‭ ‬خير‭ ‬امة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس،‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬مناحي‭ ‬حياتها‭ ‬تأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهى‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬وتؤمن‭ ‬بالله‭ ‬الخالق‭ ‬المعبود،‭ ‬وبوصفها‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مواصفات‭ ‬عدة‭ ‬تؤهلها‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الوسط‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سلوكياتها‭ ‬وتصرفاتها‭ ‬ومعايشاتها‭ ‬وقيمها‭ ‬وأخلاقها‭ ‬وقواعد‭ ‬حياتها‭. ‬ولتكون‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬وخير‭ ‬الأمم‭ ‬بامتياز‭ ‬ويقين‭ ‬أمرها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ألا‭ ‬تأكل‭ ‬الأموال‭ ‬بالباطل،‭ ‬أو‭ ‬تدلي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الحكام‭ ‬لتأكل‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الناس‭ ‬بالإثم‭ ‬وهي‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ذنب‭ ‬وإثم‭.‬

كما‭ ‬تتحلى‭ ‬بالصبر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أقدار،‭ ‬لأنها‭ ‬أمة‭ ‬مؤمنة‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬وتعمل‭ ‬الصالح‭ ‬من‭ ‬الأعمال،‭ ‬وأنها‭ ‬تتبع‭ ‬ملة‭ ‬إبراهيم‭ ‬حنيفا،‭ ‬وتقاتل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬يعتد‭ ‬عليها،‭ ‬وتبتعد‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬عن‭ ‬الفواحش‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬بطن،‭ ‬ولا‭ ‬تشرب‭ ‬الخمر‭ ‬وتلعب‭ ‬الميسر‭ ‬فإن‭ ‬فيهما‭ ‬إثم‭ ‬كبير،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬اسم‭ ‬الجلالة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عرضة‭ ‬لإيمانها،‭ ‬وأن‭ ‬عظمتها‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬مؤمنيها‭ ‬ينفقون‭ ‬أموالهم‭ ‬بالليل‭ ‬والنهار‭ ‬سرا‭ ‬وعلانية‭ ‬فلهم‭ ‬الأجر‭ ‬العظيم‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون‭.‬

وإن‭ ‬المنضوين‭ ‬تحت‭ ‬رايتها‭ ‬هم‭ ‬العالمون‭ ‬علم‭ ‬اليقين،‭ ‬بقيمها‭ ‬مؤمنون‭ ‬بصدق‭ ‬مراميها،‭ ‬لا‭ ‬يتوانون‭ ‬عن‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬السراء‭ ‬والضراء،‭ ‬كاظمون‭ ‬الغيظ،‭ ‬عافون‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬مسارعون‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ ‬الفضل‭ ‬منهم،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬إذا‭ ‬فعلوا‭ ‬فاحشة‭ ‬أو‭ ‬ظلموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأعمال‭ ‬تخالف‭ ‬الدين‭ ‬والشرع‭ ‬ذكروا‭ ‬الله‭ ‬واستغفروه‭ ‬لذنوبهم‭ ‬ولم‭ ‬يصروا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعلوا‭ ‬وهم‭ ‬يعلمون‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا