العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

تــواطــــؤ الألـــفـــــاظ

الجمعة ٠٤ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

اتساع‭ ‬الدلالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المتواطئ

يفرّق‭ ‬الأصوليون‭ ‬بين‭ ‬المشترك‭ ‬والمتواطئ،‭ ‬وذلك‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬اللفظ‭ ‬المشترك‭ ‬هو‭ ‬اللفظ‭ ‬الواحد‭ ‬الموضوع‭ ‬لعدّة‭ ‬معانٍ‭ ‬وضعًا‭ ‬أوّلًا‭ ‬أمّا‭ ‬المتواطئ‭: ‬فهو‭ ‬لفظ‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬متغايرة‭ ‬ولكنها‭ ‬متّفقة‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬اللفظ‭ ‬له‭ ‬مثل‭ ‬لفظ‭ (‬لون‭)‬،‭ ‬فالسواد‭ ‬لون،‭ ‬والبياض‭ ‬لون،‭ ‬والحمرة‭ ‬لون،‭ ‬ومثل‭ ‬لفظ‭ (‬رجل‭) ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭: ‬زيد‭ ‬وعمرو‭ ‬ومحمد‭ ‬ومثل‭ ‬لفظ‭ (‬جسم‭) ‬فهي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬السماء‭ ‬والأرض،‭ ‬والإنسان،‭ ‬والحيوان،‭ ‬وعلى‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬ثقل‭ ‬ويشغل‭ ‬حيّزًا‮»‬‭.‬

ومِن‭ ‬ثَم‭ ‬تأتي‭ ‬قيمة‭ ‬اللفظ‭ ‬المتواطئ‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬اتساع‭ ‬المعنى؛‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬دلالته‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬جنسه‭ ‬بلفظ‭ ‬واحد؛‭ ‬مما‭ ‬يحقّق‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الإيجاز‭ ‬والشمول‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬باللفظ‭ ‬نفسه،‭ ‬‮ ‬فقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬سَبَّحَ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬مَا‭ ‬فِي‭ ‬السَّمَاوَاتِ‭ ‬وَالْأَرْضِ‭...‬‮»‬‭ ‬الحديد‭/‬1،‮ ‬وردَ‭ ‬فيه‭ ‬لفظ‭ ‬متواطئ‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬وهو‭ ‬لفظ‭ (‬مَا‭) ‬فإنها‭ ‬تعني‭ ‬الإنسان،‭ ‬والملائكة،‭ ‬والحيوان،‭ ‬والجماد‭... ‬فاللفظ‭ ‬المتواطئ‭ ‬من‭ ‬ألفاظ‭ ‬العموم‭.‬

ومِن‭ ‬أمثلة‭ ‬المتواطئ‭ ‬لفظ‭: (‬ظَالِمٌ‭ ‬لِنَفْسِهِ‭) ‬و‭(‬سَابِقٌ‭ ‬بِالْخَيْرَاتِ‭)‬‮ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ثُمَّ‭ ‬أَوْرَثْنَا‭ ‬الْكِتَابَ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬اصْطَفَيْنَا‭ ‬مِنْ‭ ‬عِبَادِنَا‭ ‬فَمِنْهُمْ‭ ‬ظَالِمٌ‭ ‬لِنَفْسِهِ‭ ‬وَمِنْهُمْ‭ ‬مُقْتَصِدٌ‭ ‬وَمِنْهُمْ‭ ‬سَابِقٌ‭ ‬بِالْخَيْرَاتِ‮»‬‭ ‬فاطر‭: ‬32‭.‬

‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬والإعجاز‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الإيجاز‭ ‬بالإجمال‭ ‬المغني‭ ‬عن‭ ‬التفصيل‭ ‬بتعداد‭ ‬أنواع‭ ‬العصاة‭ ‬والستر‭ ‬عليهم‭ ‬وطيّ‭ ‬أحوالهم؛‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬سياق‭ ‬التكريم‭ ‬بالاصطفاء‭ ‬وتوريث‭ ‬الكتاب‭ ‬وحسن‭ ‬الجزاء‭ ‬مع‭ ‬تفصيل‭ ‬أحوال‭ ‬العصاة‭ ‬وتعداد‭ ‬مخازيهم؛‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وقد‭ ‬غفرها‭ ‬اللهُ‭ ‬لهم‭ ‬فكان‭ ‬جزاؤهم‭: ‬‮«‬جَنَّاتُ‭ ‬عَدْنٍ‭ ‬يَدْخُلُونَهَا‭ ‬يُحَلَّوْنَ‭ ‬فِيهَا‭ ‬مِنْ‭ ‬أَسَاوِرَ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَهَبٍ‭ ‬وَلُؤْلُؤًا‭ ‬وَلِبَاسُهُمْ‭ ‬فِيهَا‭ ‬حَرِيرٌ‮»‬‭ ‬فاطر‭: ‬33،‭ ‬فمعلوم‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأقسام‭ ‬يتناول‭ ‬أصنافًا‭ ‬كثيرة،‭ ‬الظّالم‭ ‬لنفسه‭ ‬يتناول‭ ‬المضيّع‭ ‬للواجبات‭ ‬والمنتهك‭ ‬للمحرّمات،‭ ‬والمقتصد‭ ‬يتناول‭ ‬فاعل‭ ‬الواجبات‭ ‬وتارك‭ ‬المحرّمات،‭ ‬والسّابق‭ ‬يدخل‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬سبق‭ ‬فتقرّب‭ ‬بالحسنات‭ ‬مع‭ ‬الواجبات‭.‬

فهذه‭ ‬الألفاظ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬المتواطئ؛‭ ‬لأنّ‭ ‬كلًّا‭ ‬من‭ ‬الظالم‭ ‬لنفسه‭ ‬والسابق‭ ‬بالخيرات‭ - ‬وكذلك‭ ‬المقتصد‭ - ‬يندرج‭ ‬تحته‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬يجمعها‭ ‬ذلك‭ ‬اللفظ‭ ‬الشامل‭ ‬لها،‭ ‬الذي‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬بمثابة‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تندرج‭ ‬تحته‭ ‬أفراده،‭ ‬وترجع‭ ‬قيمته‭ ‬الجمالية‭ - ‬في‭ ‬الغالب‭ - ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬إيجاز‭ ‬بالإجمال‭ ‬المغني‭ ‬عن‭ ‬التفصيل‭ ‬بذكر‭ ‬أفراد‭ ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬لشيوع‭ ‬العلم‭ ‬بها‭.‬

ومن‭ ‬أمثلته‭ ‬أيضًا‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬فَاذْكُرُونِي‭ ‬أَذْكُرْكُمْ‮»‬‭ ‬البقرة‭: ‬152،‭ ‬قد‭ ‬تضمّن‭ ‬الأمر‭ ‬بذكر‭ ‬اللّه‭ ‬تعالى،‭ ‬وذِكرنا‭ ‬إيّاه‭ ‬على‭ ‬وجوه،‭ ‬وقد‭ ‬رُوي‭ ‬فيه‭ ‬أقاويل‭ ‬عن‭ ‬السّلف،‭ ‬قيل‭ ‬فيه‭: (‬اذكروني‭ ‬بطاعتي‭ ‬أذكركم‭ ‬برحمتي‭)‬،‭ ‬وقيل‭ ‬فيه‭: (‬اذكروني‭ ‬بالثّناء‭ ‬بالنّعمة‭ ‬أذكركم‭ ‬بالثّناء‭ ‬بالطّاعة‭)‬،‭ ‬وقيل‭: (‬اذكروني‭ ‬بالشّكر‭ ‬أذكركم‭ ‬بالثّواب‭)‬،‭ ‬وقيل‭ ‬فيه‭: (‬اذكروني‭ ‬بالدعاء‭ ‬أذكركم‭ ‬بالإجابة‭)‬،‭ ‬واللّفظ‭ ‬محتمل‭ ‬لهذه‭ ‬المعاني،‭ ‬وجميعها‭ ‬مرادُ‭ ‬اللّه‭ ‬تعالى‭ ‬لشمول‭ ‬اللّفظ‭ ‬واحتماله‭ ‬إيّاه‭.‬

فإن‭ ‬قيل‭: ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجميع‭ ‬مراد‭ ‬اللّه‭ ‬تعالى‭ ‬بلفظ‭ ‬واحد؛‭ ‬لأنّه‭ ‬لفظ‭ ‬مشترك‭ ‬لمعانٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬قيل‭ ‬له‭: ‬ليس‭ ‬كذلك؛‭ ‬لأنّ‭ ‬جميع‭ ‬وجوه‭ ‬الذِّكْر‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬راجعة‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬فهو‭ ‬كاسم‭ ‬الإنسان‭ ‬يتناول‭ ‬الأنثى‭ ‬والذّكر،‭ ‬والأخوّة‭ ‬تتناول‭ ‬الإخوة‭ ‬المتفرّقين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشركة‭ ‬ونحوها،‭ ‬وإن‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬معانٍ‭ ‬مختلفة‭ ‬فإنّ‭ ‬الوجه‭ ‬الذي‭ ‬سُمّي‭ ‬به‭ ‬الجميع‭ ‬معنى‭ ‬واحد‭.‬

وكذلك‭ ‬ذِكر‭ ‬اللّه‭ ‬تعالى‭ ‬لمّا‭ ‬كان‭ ‬المعنى‭ ‬فيه‭ ‬طاعته،‭ ‬والطّاعة‭ ‬تارة‭ ‬بالذِّكر‭ ‬باللّسان،‭ ‬وتارة‭ ‬بالعمل‭ ‬بالجوارح،‭ ‬وتارة‭ ‬باعتقاد‭ ‬القلب،‭ ‬وتارة‭ ‬بالفكر‭ ‬في‭ ‬دلائله‭ ‬وحججه،‭ ‬وتارة‭ ‬في‭ ‬عظمته،‭ ‬وتارة‭ ‬بدعائه‭ ‬ومسألته،‭ ‬جاز‭ ‬إرادة‭ ‬الجميع‭ ‬بلفظ‭ ‬واحد،‭ ‬كلفظ‭ ‬الطاعة‭ ‬نفسها‭ ‬جاز‭ ‬أن‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬الطاعات‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬إذا‭ ‬وردَ‭ ‬الأمر‭ ‬بها‭ ‬مطلقًا‭ ‬نحو‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أَطِيعُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَأَطِيعُوا‭ ‬الرَّسُولَ‮»‬‭ ‬النساء‭: ‬59،‭ ‬وكالمعصية‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬جميعها‭ ‬لفظ‭ ‬النّهي،‭ ‬فقوله‭: ‬‮«‬فَاذْكُرُونِي‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تضمّن‭ ‬الأمر‭ ‬بسائر‭ ‬وجوه‭ ‬الذِّكْر،‭ ‬ومنها‭ ‬سائر‭ ‬وجوه‭ ‬طاعته‭ ‬وهو‭ ‬أعمّ‭ ‬الذّكْر،‭ ‬ومنها‭ ‬ذكره‭ ‬باللّسان‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التّعظيم‭ ‬والثّناء‭ ‬عليه‭ ‬والذِّكْر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الشُّكر‭ ‬والاعتراف‭ ‬بنعمه‭. ‬ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬لفظ‭ ‬الذِّكْر‭ ‬ونحوه‭ ‬مجملًا‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬تفصيله‭ ‬بالتفكّر‭ ‬والتأمل‭ - ‬ولا‭ ‬يرتاب‭ ‬في‭ ‬معرفته‭ - ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الإيجاز‭ ‬واختصار‭ ‬الكلام‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بأعلى‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬البلاغة‭ ‬والفصاحة،‭ ‬حتى‭ ‬قالوا‭: ‬‮«‬البلاغة‭ ‬الإيجاز‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا