العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

ليس بأمانيكم

الجمعة ١٢ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

‭(‬ليس‭ ‬بأمانيكم‭ ‬ولا‭ ‬أماني‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬سوءاً‭ ‬يُجز‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الله‭ ‬ولياً‭ ‬ولا‭ ‬نصيراً‭ ‬ومن‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬الصالحات‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭ ‬فأولئك‭ ‬يدخلون‭ ‬الجنة‭ ‬ولا‭ ‬يُظلمون‭ ‬نقيرا‭) ‬124‭ ‬النساء،‭ ‬ويقول‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭: (‬والذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وعملوا‭ ‬الصالحات‭ ‬أولئك‭ ‬أصحاب‭ ‬الجنة‭ ‬هم‭ ‬فيها‭ ‬خالدون‭) ‬وقريب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬45‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭: (‬إن‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬والذين‭ ‬هادوا‭ ‬والنصارى‭ ‬والصابئين‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬وعمل‭ ‬صالحاً‭ ‬فلهم‭ ‬أجرهم‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون‭).‬

انتخبت‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬البينات‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬لما‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬تكامل‭ ‬وتعاضد‭ ‬في‭ ‬الدلالات،‭ ‬وتلك‭ ‬النصوص‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬تبرز‭ ‬معنى‭ ‬واحد‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬كمآل‭ ‬نهائي‭ ‬لمسيرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬هي‭ ‬حكراً‭ ‬لله،‭ ‬ولله‭ ‬فقط،‭ ‬وإنه‭ ‬لأمر‭ ‬ينبغي‭ ‬عدم‭ ‬الخوض‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬التطرق‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬تفسيراً‭ ‬ولا‭ ‬تأويلاً،‭ ‬حيث‭ ‬المعنى‭ ‬يُفسر‭ ‬بعضه‭ ‬بعضاً‭ ‬ويتكامل‭ ‬بين‭ ‬الشواهد‭ ‬الثلاثة‭ ‬المذكورة‭ ‬آنفاً،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬شواهد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬لذكرها‭ ‬هنا‭. ‬

فالنفي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الآية‭ ‬الأولى‭ ‬شمولي‭ ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬أحدا‭ ‬فشمل‭ ‬المؤمنين‭ ‬برسالة‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والسابقين‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬لمتأول‭ ‬أن‭ ‬يتأول،‭ ‬فالجنة‭ ‬أو‭ ‬النار‭ ‬كحصاد‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأماني‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬حتى‭ ‬الحديث‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬مسألة‭ ‬خاصة‭ ‬بمالك‭ ‬يوم‭ ‬الدين،‭ ‬وصاحب‭ ‬العلم‭ ‬المطلق،‭ ‬والعدل‭ ‬المطلق‭.‬

النهي‭ ‬الجازم،‭ ‬والنفي‭ ‬الصارم‭ ‬بأنّ‭ ‬الشأن‭ ‬شأنه‭ ‬على‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬تحديداً‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تخفيف‭ ‬العنت‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الملة‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬الملل‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الملة‭ ‬الواحدة،‭ ‬المنقسمة‭ ‬على‭ ‬ذاتها‭ ‬إلى‭ ‬مذاهب‭ ‬وفرق‭ ‬وطوائف،‭ ‬ولسنا‭ ‬كمؤمنين‭ ‬بدعاً‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬فانقسامنا‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬عين،‭ ‬ولا‭ ‬ينكره‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬اقتدى‭ ‬بالنعامة‭ ‬ويدفن‭ ‬رأسه‭ ‬في‭ ‬الرمال،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يرى‭.‬

سحب‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬بنص‭ ‬صريح‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬ونسبتها‭ ‬إلى‭ ‬ذاته‭ ‬العلية،‭ ‬فيه‭ ‬خير‭ ‬عميم‭ ‬وفير،‭  ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬قلب‭ ‬أو‭ ‬ألقى‭ ‬السمع‭ ‬وهو‭ ‬شهيد،‭ ‬وخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التوجيه‭ ‬الرباني‭- ‬وهو‭ ‬الحاصل‭ ‬فعلاً‭- ‬أشقانا‭ ‬وأضنانا،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬ندور‭ ‬في‭ ‬رحى‭ ‬الدائرة‭ ‬الجهنمية،‭ ‬دائرة‭ ‬التكفير،‭ ‬دائرة‭ ‬الطرد‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله،‭ ‬ودائرة‭ ‬الإنابة‭ ‬الباطلة‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬الأمم‭ ‬والناس،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬واضح‭ ‬وجلي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬اثنان‭.‬

هذه‭ ‬النصوص‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬حكيم‭ ‬خبير،‭ ‬وجاءت‭ ‬لتغطي‭ ‬الزمن‭ ‬كله،‭ ‬ولا‭ ‬تعالج‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬بعينها،‭ ‬جاءت‭ ‬معبأة‭ ‬بالشمولية،‭ ‬فعموميتها‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬قارئ،‭ ‬لكن‭ ‬الهوى‭ ‬والتقول‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬والنيابة‭ ‬الباطلة‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬دعت‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬بالكفر،‭ ‬ويخبره‭ ‬بمقعده‭ ‬في‭ ‬سقر،‭ ‬لمخالفته‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬باجتهاد‭ ‬فرعي،‭ ‬أو‭ ‬مسألة‭ ‬ثانوية‭. ‬

حين‭ ‬استوعب‭ ‬الكتاب‭ ‬الحكيم‭ ‬التاريخ‭ ‬كله،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬شرائع‭ ‬وأحكام‭ ‬وأخلاق‭ ‬وشعائر،‭ ‬وما‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشعائر‭ ‬من‭ ‬تغير،‭ ‬بين‭ ‬الرسل‭ ‬الكرام،‭ ‬وما‭ ‬تراكم‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬بين‭ ‬رسول‭ ‬والرسول‭ ‬الذي‭ ‬يعقبه،‭ ‬وما‭ ‬تخلل‭ ‬الشرائع‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬بحكم‭ ‬التطور‭ ‬البشري‭ ‬الحتمي،‭ ‬حتى‭ ‬خُتمت‭ ‬بسيد‭ ‬المرسلين‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يردعنا‭ ‬أن‭ ‬ننوب‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مآلات‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬جنة‭ ‬أو‭ ‬نار‭. ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مدكر‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا