العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

أخـلاقـنـا عـبـادة (14) .. الـصـيـام (2)

الجمعة ٢٨ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬د‭. ‬عبدالله‭ ‬الدناصوري

الصوم‭ ‬مدرسة‭ ‬إيمانية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬تجتمع‭ ‬فيها‭ ‬معالم‭ ‬العبودية‭ ‬بشتى‭ ‬أنواع‭ ‬العبادات‭ ‬البدنية‭ ‬والقلبية‭ ‬والمالية‭ ‬والسلوكية‭.‬

وفي‭ ‬رمضان‭ ‬يتجلى‭ ‬خلق‭ ‬التكافل‭ ‬ويتسامى‭ ‬خلق‭ ‬الجود‭ ‬متولدا‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬إيمانية‭ ‬فياضة‭.‬

صنعها‭ ‬الشعور‭ ‬بالجوع‭ ‬والعطش‭ ‬الذي‭ ‬ذكَّر‭ ‬الصائم‭ ‬بالبطون‭ ‬الجائعة‭ ‬للفقراء‭ ‬والمحتاجين‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬المعمورة‭.‬

فقد‭ ‬جاع‭ ‬هؤلاء‭ ‬مكرهين‭ ‬لانعدام‭ ‬ما‭ ‬يسد‭ ‬رمقهم‭ ‬ويطفئ‭ ‬نار‭ ‬جوعهم،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬تتجلى‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬الجود‭ ‬والكرم‭ ‬رغم‭ ‬حاجتهم‭ ‬وعوزهم‭ ‬ما‭ ‬يعجز‭ ‬اللسان‭ ‬عن‭ ‬وصفه‭.‬

فقد‭ ‬يكرمون‭ ‬غيرهم‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬سواه‭ ‬من‭ ‬طعام‭ ‬وشراب‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬غيره‭ ‬لسد‭ ‬جوعهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬يطعمونه‭ ‬غيرهم‭ ‬بطيب‭ ‬نفس‭ ‬وسخاء‭ ‬وكرم‭ ‬ورحابة‭ ‬صدر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصنعه‭ ‬الجوع‭ ‬والظمأ‭ ‬في‭ ‬الصائمين،‭ ‬فعندما‭ ‬يأخذ‭ ‬منهم‭ ‬الجوع‭ ‬مأخذه‭ ‬يبدأ‭ ‬الشعور‭ ‬بالآخرين‭ ‬يتحرك‭ ‬بداخلهم،‭ ‬ويحدث‭ ‬الصائم‭ ‬نفسه‭ ‬معترفا‭ ‬بمدى‭ ‬تقصيره‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬المحتاجين‭ ‬والشعور‭ ‬بمعاناتهم‭ ‬جوعا‭ ‬وعطشا‭ ‬بل‭ ‬ومرضا‭ ‬وألما‭.‬

هنا‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬تبدأ‭ ‬محاسبة‭ ‬النفس‭ ‬المقصرة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬غيرها‭ ‬فنرى‭ ‬مشاهدا‭ ‬من‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬وإطعام‭ ‬الطعام‭ ‬وتفقد‭ ‬الفقراء‭ ‬والمحتاجين‭ ‬بالصدقات‭ ‬وتتعدد‭ ‬وتتنوع‭ ‬موائد‭ ‬إفطار‭ ‬الصائمين‭ ‬تقربا‭ ‬إلى‭ ‬الله‭.‬

ويتسابق‭ ‬الصائمون‭ ‬للبذل‭ ‬والعطاء‭ ‬بشتى‭ ‬أنواع‭ ‬البر‭ ‬والإنفاق‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الخير‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬الصيام‭ ‬لتتزايد‭ ‬تلك‭ ‬الأخلاق‭ ‬ويتسع‭ ‬نطاقها؟

ما‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬فنقلها‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬ومن‭ ‬شعور‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬ومن‭ ‬سلوك‭ ‬إلى‭ ‬سلوك؟

إنها‭ ‬العلاقة‭ ‬التلازمية‭ ‬بين‭ ‬العبادة‭ ‬والأخلاق،‭ ‬بين‭ ‬أداء‭ ‬الفرائض‭ ‬والسلوك،‭ ‬بين‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن،‭ ‬إنه‭ ‬جوهر‭ ‬الإسلام‭ ‬وحقيقته‭ ‬وغاية‭ ‬التعبد‭ ‬ونتيجته،‭ ‬وأثر‭ ‬العبادة‭ ‬وتأثيرها،‭ ‬إنه‭ ‬التجسيد‭ ‬الواقعي‭ ‬للتقوى

لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الصائم‭ ‬أن‭ ‬ينوي‭ ‬بصيامه‭ ‬العبادة‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وأن‭ ‬يعمل‭ ‬جاهدا‭ ‬لكي‭ ‬تتحقق‭ ‬له‭ ‬غايات‭ ‬الصيام‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

وأهم‭ ‬غايات‭ ‬الصيام‭ ‬تحقيق‭ ‬التقوى‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يأتي‭ ‬حسن‭ ‬الخلق‭ ‬كعبادة‭ ‬موازية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬حسن‭ ‬الخلق‭ ‬تجسيد‭ ‬للتقوى‭ ‬وترجمة‭ ‬لجوهرها‭. ‬

إن‭ ‬مدرسة‭ ‬الصيام‭ ‬ودوراته‭ ‬الإيمانية‭ ‬المكثفة‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تحدث‭ ‬أثرا‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الصائم‭ ‬يجعله‭ ‬مختلفا‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬تعاملاته‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬

فليكن‭ ‬الصوم‭ ‬عبادة‭ ‬وأخلاق‭ ‬الصائم‭ ‬عبادة‭ ‬أخرى‭ ‬وكلاهما‭ ‬جناحان‭ ‬لا‭ ‬تحلق‭ ‬العبادة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬القبول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أحدهما‭. ‬

والحرص‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬الصوم‭ ‬بتلك‭ ‬النية‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬الصادق‭ ‬بفرضية‭ ‬الصيام‭.‬

إن‭ ‬إحداث‭ ‬الصوم‭ ‬شعورا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الصائم‭ ‬بالآخرين‭ ‬من‭ ‬المحتاجين‭ ‬دليل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فعل‭ ‬عبادة‭ ‬الصوم‭ ‬إيمانًا‭ ‬واحتسابا‭.‬

وحبه‭ ‬لفعل‭ ‬الخير‭ ‬والبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فهمه‭ ‬مقصد‭ ‬وجوب‭ ‬الصوم‭ ‬في‭ ‬رمضان‭.‬

وبهذا‭ ‬تتحقق‭ ‬قيمة‭ ‬ركنية‭ ‬الصوم‭ ‬كأحد‭ ‬المباني‭ ‬الخمسة‭ ‬العظام‭.‬

وهذا‭ ‬كله‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬صفاء‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬رقة‭ ‬تزيدان‭ ‬من‭ ‬معدل‭ ‬الرحمة‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتأخذ‭ ‬بنفسه‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الإحسان‭ ‬أعلى‭ ‬مراتب‭ ‬العبودية‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا