العدد : ١٧٠٩٠ - الاثنين ٠٦ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٠ - الاثنين ٠٦ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تقرير التصنيع 2024 والوضع الصناعي في الوطن العربي (2-2)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

السبت ٠٤ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

انتهينا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬بالسياسات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يوصي‭ ‬بها‭ ‬تقرير‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‭ ‬2024‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصنيع‭ ‬العربي‭. ‬أبرز‭ ‬التقرير‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬أهمها‭ ‬توجيه‭ ‬الاهتمام‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجالات‭ ‬هي‭ ‬سياسات‭ ‬الابتكار‭ (‬والرقمنة‭) ‬والطاقة‭ ‬النظيفة‭ (‬وإزالة‭ ‬الكربون‭) ‬والعمالة‭ (‬استحداث‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الاستدامة‭ ‬البيئية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬وتنشيط‭ ‬التكامل‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭. ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬وفق‭ ‬التقرير‭ ‬يتطلب‭ ‬حشد‭ ‬الموارد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬وأهمها‭ ‬تطوير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقل‭ ‬والطاقة‭ ‬والاتصالات‭ ‬وتوفير‭ ‬الاستثمارات‭ ‬لتحسينها‭. ‬تحقيق‭ ‬مستويات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬يعطيها‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬التصدير‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية‭. ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الأهم‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬الفني‭ ‬وخصوصا‭ ‬معالجة‭ ‬الفجوة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التصنيع‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬وسد‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬العمالة‭ ‬الفنية‭ ‬الوطنية‭.‬

هناك‭ ‬أمثلة‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬السياسات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مثلا‭ ‬والمغرب‭ ‬والأردن‭ ‬وتونس‭ ‬ومصر‭. ‬تهدف‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الابتكار‭ ‬والاستدامة‭. ‬استمرار‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬يعتمد‭ ‬وفق‭ ‬التقرير‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والشركات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تقاسم‭ ‬المخاطر‭ ‬والمكاسب،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬جماعية‭ ‬للمستقبل‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬المجتمع،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬اعتماد‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭. ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬تعاون‭ ‬في‭ ‬الأبحاث‭ ‬وفي‭ ‬بناء‭ ‬البنى‭ ‬التمكينية‭ ‬للتصنيع‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الشبكات‭ ‬والمنصات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السياسات‭ ‬الصناعية‭.‬

يحدد‭ ‬التقرير‭ ‬ثلاثة‭ ‬شروط‭ ‬للنجاح‭ ‬تشمل‭ ‬توفير‭ ‬التمويل‭ ‬المناسب،‭ ‬أولا‭: ‬بناء‭ ‬القدرات‭ ‬الحكومية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬وخصوصا‭ ‬الشفافية‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والمساءلة‭ ‬المجتمعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقوية‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني؛‭ ‬ثانيا‭: ‬توافق‭ ‬مجتمعي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬يضمن‭ ‬استمرارية‭ ‬السياسة‭ ‬الصناعية‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬المحتملة؛‭ ‬وأخيرا‭: ‬دعم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬للبلدان‭ ‬النامية،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬تقوية‭ ‬جهود‭ ‬التكامل‭ ‬العربي‭ ‬والإسراع‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬صناعية‭. ‬

فمثلا‭ ‬في‭ ‬2014‭ ‬صدر‭ ‬تقرير‭ ‬التكامل‭ ‬العربي‭ (‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الاسكوا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التكامل‭ ‬العربي‭ ‬سبيل‭ ‬لنهضة‭ ‬إنسانية‮»‬‭) ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬ولا‭ ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬تفعيل‭ ‬مشروع‭ ‬التكامل‭ ‬العربي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬لتحرر‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والفقر،‭ ‬وتحرر‭ ‬الأوطان‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬والاستباحة‭ ‬وتمكن‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬استئناف‭ ‬دورها‭ ‬التاريخي‭ ‬ورسالتها‭ ‬الإنسانية‭. ‬سيعمل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬توطيـد‭ ‬العلاقـات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬الكتـل‭ ‬والتجمعـات‭ ‬الأخرى‭ ‬خاصـة‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الإفريقي‭ ‬والآسـيوي‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬مشترك‭. ‬فالتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الأمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬مشترك‭ ‬منسق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ (‬ومجالسها‭ ‬الإقليمية‭ ‬المشرق‭ ‬والمغرب‭ ‬والخليج‭). ‬كذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬المجالس‭ ‬الإقليمية‭ ‬وضع‭ ‬منظومة‭ ‬قياس‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬ومتابعتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والمحلي‭. ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬السياسات‭ ‬الصناعية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬مؤشرات‭ ‬تتابع‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬المهمة،‭ ‬مؤشرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومؤشرات‭ ‬اجتماعية،‭ ‬ومؤشرات‭ ‬حكومية‭ ‬وحوكمة‭ ‬وتأثير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬لمتابعة‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الصناعية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومستويات‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وحجم‭ ‬الصادرات،‭ ‬وحجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وعدد‭ ‬الشركات‭ ‬الجديدة‭. ‬أما‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأهم‭ ‬لمتابعة‭ ‬الابتكار‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬ونسبة‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬منتجات،‭ ‬مستوى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي،‭ ‬ومدى‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬والقطاعات‭ ‬الصناعية‭. ‬والأهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬تتابع‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬بكل‭ ‬مقوماته،‭ ‬وتتابع‭ ‬تأثير‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬للشباب‭ ‬وتقليل‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭.‬

بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬الجديدة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تقطع‭ ‬شوطا‭ ‬طويلا‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬شروط‭ ‬النجاح‭ ‬وامتلاك‭ ‬الأرضية‭ ‬المناسبة‭ ‬للتطور‭ ‬الصناعي‭ ‬والمنافسة‭ ‬العالمية‭ ‬وإنتاج‭ ‬المعرفة‭. ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬مستحيلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعني‭ ‬تحولات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬والمجتمع‭ ‬والدولة‭. ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬فكرا‭ ‬مختلفا‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬فكر‭ ‬يؤمن‭ ‬بالشراكة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬والسلطات‭ ‬المختلفة،‭ ‬إزالة‭ ‬الحاجز‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ودعم‭ ‬الفئات‭ ‬الضعيفة‭. ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الصناعية‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬ومعالجة‭ ‬الاختلافات‭ ‬الفكرية‭ ‬بإقامة‭ ‬مجتمعات‭ ‬تؤمن‭ ‬بقبول‭ ‬الاختلاف‭ ‬ونبذ‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬واحتكار‭ ‬الحقيقة‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الطريق‭ ‬الأفضل‭ ‬هو‭ ‬الانفتاح‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬والمشاركة‭ ‬الفاعلة‭ ‬وبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بمنظمات‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬سليمة‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا