العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر الخطط الجديدة للاستيطان القومي والديني الإسرائيلي

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٠٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

تتزامن‭ ‬عودة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مع‭ ‬تجدد‭ ‬الدعوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وتثبيت‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ (‬وربما‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬فيه‭). ‬وهذه‭ ‬سياسات‭ ‬‮«‬شجعتها‮»‬‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬حين‭ ‬اعترضت‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬شفويا‮»‬‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬وقفها‭.‬

ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬القومي‭ ‬والديني‭ ‬اليهودي‭ ‬المتطرف،‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬وقرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬متجاهلة‭ ‬دعوات‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لوقف‭ ‬الإجراءات‭ ‬‮«‬الاستيطانية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقوض‭ ‬فرص‭ ‬السلام‭. ‬ورغم‭ ‬الرفض‭ ‬العالمي،‭ ‬ومعه‭ ‬الرفض‭ ‬الفلسطيني‭ ‬القاطع،‭ ‬تواصل‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬ودولة‭ ‬المستوطنين‮»‬‭ ‬مخططاتها‭ ‬لضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬عبر‭ ‬تنامي‭ ‬عمليات‭ ‬مصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬وبناء‭ ‬المستعمرات‭/ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬تشهد‭ ‬‮«‬الضفة‮»‬‭ ‬تصعيداً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬المستعمرون‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مثل‭: ‬الاعتداءات‭ ‬على‭ ‬الممتلكات،‭ ‬حرق‭ ‬المنازل،‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬السيارات،‭ ‬وتدنيس‭ ‬المساجد،‭ ‬والدهس‭.. ‬إلخ،‭ ‬وهي‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬الانتهاكات‭ ‬اليومية‭ ‬الصارخة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وهذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬والمقارفات‭ ‬وغيرها‭ ‬يرافقها‭ ‬تغاض‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ومنظومتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التواطؤ‭ ‬الفاضح‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬و«المستوطنين‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬اليمين‭ ‬‮«‬المهووس‮»‬‭ ‬دينيا‭!‬

أما‭ ‬الخطط‭ ‬‮«‬الاستيطانية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬اليمين‭ ‬القومي‭ ‬والديني‭ ‬فتتسم‭ ‬بوضوح‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬أهدافها،‭ ‬وخططها‭ ‬الاستعمارية؛‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الطرق‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬طريق‭ ‬ألون‮»‬‭ ‬و«الشارع‭ ‬60‮»‬،‭ ‬بهدف‭ ‬تقطيع‭ ‬أوصال‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتعزيز‭ ‬السيطرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عليها‭.‬

وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يتم‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬مستوطنات‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد،‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬الإخلاء‭ ‬بموجب‭ ‬مقترحات‭ ‬السلام‭ ‬السابقة،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬مستوطنات‮»‬‭ ‬غور‭ ‬الأردن‭ ‬والقسم‭ ‬الشمالي‭ ‬الجبلي‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬توسيع‭ ‬‮«‬مستوطنات‮»‬‭ ‬قائمة‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬أريئيل‮»‬،‭ ‬و«عيلي‮»‬،‭ ‬و«شيلو‮»‬،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬لتشديد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شمال‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬وغور‭ ‬الأردن،‭ ‬وإنشاء‭ ‬‮«‬مستوطنات‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭: ‬جبل‭ ‬الخليل‭ ‬وغور‭ ‬الأردن،‭ ‬بهدف‭ ‬خلق‭ ‬تواصل‭ ‬‮«‬استيطاني‮»‬‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مهمة‭ ‬جغرافيًا،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬عزل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬مراكزهم‭ ‬الحضرية‭. ‬

كما‭ ‬يتم‭ ‬تعزيز‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬وقطع‭ ‬الاتصال‭ ‬بين‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬والمدن‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مثل‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬وبيت‭ ‬لحم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تهديداً‭ ‬مباشراً‭ ‬لقدرة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يتم‭ ‬تخصيص‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لتسريع‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬‮«‬الاستيطانية‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بناء‭ ‬الطرق‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬الضرورية‭ ‬لدعم‭ ‬هذه‭ ‬المستعمرات‭.‬

تستمر‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬سموتريتش‭ ‬وبن‭ ‬غفير،‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬عجلة‭ ‬خططها‭ ‬التوسعية‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬‮«‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‮»‬‭ (‬وجميع‭ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭ ‬هي‭ ‬‭ ‬بالطبع‭ ‬‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭!).‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬يجري‭ ‬تشريع‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مستوطنات‭ ‬رسمية‭!‬‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬المالي‭ ‬والتشريعي‭ ‬والعسكري‭/ ‬الأمني‭. ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬الوزارات‭ ‬الحكومية‭ ‬والمجالس‭ ‬المحلية‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬‮«‬الضفة‮»‬‭ ‬يضمن‭ ‬استمرار‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬السياسات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬معارضة‭ ‬‮«‬يسارية‮»‬‭ ‬او‭ ‬‮«‬ليبرالية‮»‬‭ ‬جادة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭. ‬وتظهر‭ ‬أرقام‭ ‬دائرة‭ ‬الإحصاء‭ ‬المركزية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسكان‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬حتى‭ ‬أغسطس‭ ‬2024،‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬القومي‭ ‬والديني‭ ‬يواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬‮«‬الاستيطانية‮»‬‭/ ‬الاستعمارية‭ ‬بسبب‭ ‬التحديات‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬حيث‭ ‬يتباطأ‭ ‬معدل‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬‮«‬المستوطنين‮»‬‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الفلسطينية‭.‬

‮«‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬الطموحات‭ ‬المسيانية‭ ‬واقعاً‭ ‬ديموغرافياً‭ ‬مغايراً‭. ‬إذ‭ ‬تكشف‭ ‬بيانات‭ ‬دائرة‭ ‬الإحصاء‭ ‬المركزية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بسكان‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬أغسطس‭ ‬2024،‭ ‬الإخفاق‭ ‬الكبير‭ ‬لليمين‭ ‬المسياني‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المستوطنين‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬فإن‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬أعدادهم‭ ‬يتباطأ،‭ ‬والواقع‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الرؤية‭ ‬المرسومة‮…»‬

‮«‬الاستيطان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬ليس‭ ‬قدراً‭ ‬محتوماً،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬التصدي‭ ‬له‭ ‬بوسائل‭ ‬مختلفة‭ ‬رغم‭ ‬سياسات‭ ‬التصعيد،‭ ‬ورغم‭ ‬الدفع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المحموم‭ ‬له‭ (‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأفرقاء‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬قوى‭ ‬المعارضة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬الإسرائيلية‭)‬؛‭ ‬فمقاومة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وقواه‭ ‬وحركاته‭ ‬الحيّة‭ (‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬حركة‭ ‬المقاطعة‭ ‬‭ ‬بي،‭ ‬دي،‭ ‬إس‭ ‬عالمية‭ ‬الامتداد‭) ‬تبقى‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬المخططات،‭ ‬دون‭ ‬غمط‭ ‬دور‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أيضا‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬يوفر‭ ‬أدوات‭ ‬قوية‭ ‬لعرقلة‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رقم‭ ‬2334‭ ‬لعام‭ ‬2016‭ ‬وكذلك‭ ‬الحكم‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭ ‬قد‭ ‬أكدا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وطالبا‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاحتلال‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استلهام‭ ‬تجربة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بمقاطعة‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬زيادة‭ ‬أعمال‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬‮«‬المستوطنين‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬تباشير‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬قد‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ (‬المتحالف‭ ‬تاريخياً‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭). ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬مصير‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬يعتمد‭ ‬كلياً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ترسو‭ ‬عليه‭ ‬مراكب‭ ‬الإدارة‭ ‬الجديدة‭. ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬والظروف،‭ ‬لابد‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬استنهاض‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المقاومات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬لحركة‭ ‬‮«‬الاستيطان‮»‬،‭ ‬فتاريخيا‭: ‬لا‭ ‬الظلم‭ ‬يدوم‭ ‬ولا‭ ‬سرقة‭ ‬أراضي‭ ‬الغير‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا