العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما أحلى العودة إلى بيتي في دمشق.. «درة الشام»!

بقلم: تمارا الرفاعي {

الأحد ٠٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬آخر‭ ‬مقال‭ ‬أكتبه‭ ‬عن‭ ‬سوريا‭ ‬وأنا‭ ‬بعيدة‭ ‬وشاعرة‭ ‬بالفقدان‭. ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬السنة‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتي‭ ‬على‭ ‬التكرار،‭ ‬وعلى‭ ‬جر‭ ‬القراء‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬الحزن‭ ‬الذي‭ ‬حملته‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬بينما‭ ‬اشتدت‭ ‬الحرب‭ ‬وسفكت‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬بلدي‭. ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬حين‭ ‬شعرت‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لدي‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬بعدي،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أحكي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭. ‬

ها‭ ‬نحن‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬يومنا‭ ‬الجديد‭ ‬نفتح‭ ‬شبابيك‭ ‬بيوتنا‭ ‬وقلوبنا‭ ‬لتدخلها‭ ‬الشمس‭. ‬ننفض‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬أرواحنا‭ ‬ونلملم‭ ‬ما‭ ‬تبعثر‭ ‬من‭ ‬أحاسيسنا‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬استعدادًا‭ ‬للملمة‭ ‬بلدنا‭ ‬وطمأنة‭ ‬سوريا‭ ‬أنها‭ ‬لجميع‭ ‬السوريين‭. ‬نطوي‭ ‬صفحات‭ ‬دامية‭ ‬ونقرر‭ ‬معًا‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نسمح‭ ‬بتكرارها‭ ‬قط‭.‬

سعادتنا‭ ‬جماعية‭ ‬وكذلك‭ ‬قلقنا‭. ‬فرحنا‭ ‬صادق‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬ترقبنا‭ ‬حقيقي‭. ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬ما‭ ‬نكتشفه‭ ‬يوازي‭ ‬فرحنا‭ ‬بما‭ ‬أنجزناه‭. ‬وقد‭ ‬علمتنا‭ ‬سنوات‭ ‬الثورة‭ ‬والحرب‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ممكن،‭ ‬الصداقات‭ ‬الجديدة‭ ‬العابرة‭ ‬للمناطق‭ ‬والأجيال‭ ‬والخلفيات،‭ ‬العداوات‭ ‬التي‭ ‬خسفت‭ ‬بعلاقات‭ ‬ظننا‭ ‬يوما‭ ‬أنها‭ ‬متينة‭. ‬

تعلمنا‭ ‬خلال‭ ‬حربنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬الكرم‭ ‬قد‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬خيمة‭ ‬اللجوء‭ ‬رغم‭ ‬الفقر،‭ ‬إذ‭ ‬قد‭ ‬تعطيك‭ ‬ست‭ ‬البيت،‭ ‬أو‭ ‬ست‭ ‬الخيمة،‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬القهوة،‭ ‬وهي‭ ‬ترحب‭ ‬بك‭ ‬وتعتذر‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مقامك‭. ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬أن‭ ‬دناءة‭ ‬النفس‭ ‬قد‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ظنناهم‭ ‬يوما‭ ‬أكارم،‭ ‬فالبخل‭ ‬ليس‭ ‬بالمال‭ ‬إنما‭ ‬بالنفس‭.‬

أصدقائي‭ ‬ممن‭ ‬تحملتموني،‭ ‬اليوم،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرد‭ ‬الجميل،‭ ‬فقد‭ ‬اتكأت‭ ‬عليكم‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬كمًا‭ ‬هائلًا‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬والدفء‭.‬

أظن‭ ‬أن‭ ‬دفء‭ ‬أصدقائي‭ ‬كان‭ ‬لحاف‭ ‬قلبي‭ ‬حين‭ ‬شعر‭ ‬بالبرد،‭ ‬وكتاباتي‭ ‬كانت‭ ‬ملاذي‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬أحتاج‭ ‬إلى‭ ‬البوح،‭ ‬كما‭ ‬تحول‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي‭ ‬إلى‭ ‬زيارات‭ ‬أخذت‭ ‬فيها‭ ‬الأصدقاء‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬إليها‭ ‬بنفسي‭.‬

ممنونة‭ ‬أنا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬واستمع‭ ‬بصبر‭ ‬إلى‭ ‬قصصي‭ ‬وابتسم‭ ‬دون‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬تعصبي‭ ‬تجاه‭ ‬المطبخ‭ ‬السوري‭ ‬وإصراري‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بعادات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬عشت‭ ‬فيها‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تعنتًا‭ ‬ومحافظة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قررت‭ ‬أنه‭ ‬ثوابت‭ ‬رغم‭ ‬قدمها‭ ‬بسبب‭ ‬البعد‭.‬

اليوم‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أفتح‭ ‬باب‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬لمن‭ ‬فتحوا‭ ‬لي‭ ‬قلوبهم‭ ‬وبيوتهم‭ ‬وسألوني‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬بلدي‭. ‬

اليوم‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬وأصدقائي‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يزوروا‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أو‭ ‬زاروها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أعرفهم‭. ‬أريدكم‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬عائلتي‭ ‬الكبير‭ ‬نعيد‭ ‬إليه‭ ‬الحياة،‭ ‬فتتحرك‭ ‬أمي‭ ‬بين‭ ‬المطبخ‭ ‬وصالة‭ ‬الاستقبال‭ ‬وتنهرنا،‭ ‬أبي‭ ‬وأنا،‭ ‬لأننا‭ ‬منشغلون‭ ‬بغير‭ ‬التحضير‭ ‬لقدوم‭ ‬الضيوف‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬الكراسي‭ ‬قرب‭ ‬شجرة‭ ‬النارنج‭ ‬في‭ ‬الحديقة،‭ ‬أظن‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للخوض‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬هوسي‭ ‬بمربى‭ ‬النارنج‭.. ‬أليس‭ ‬كذلك؟

بيتي‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬كل‭ ‬صديق‭ ‬وصديقة‭ ‬ربت‭ ‬على‭ ‬روحي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬أخرى‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬قلبي‭ ‬يتفتت‭ ‬من‭ ‬شوقي‭ ‬لسوريا‭. ‬

هذه‭ ‬رسالة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬نسجت‭ ‬معه‭ ‬صداقة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬دامت‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭: ‬امتناني‭ ‬عميق‭ ‬إذ‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الدفء‭ ‬الإنساني‭ ‬دواء‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬داء،‭ ‬واليد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمسك‭ ‬بيدي‭ ‬لطالما‭ ‬سحبتني‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬السواد‭.‬

اليوم‭ ‬سوريا‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬ولن‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬سوى‭ ‬لنحلف‭ ‬معا‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نكرر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬

لن‭ ‬نسمح‭ ‬بما‭ ‬يتوقعه‭ ‬البعض،‭ ‬لن‭ ‬نرد‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يبتسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬صفراء‭ ‬محذرًا‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬ننجح‭.‬

الطريق‭ ‬أمامنا‭ ‬طويل‭ ‬وخطر،‭ ‬ونحن‭ ‬لسنا‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬أن‭ ‬نقتنع‭ ‬بأننا‭ ‬سننتقل‭ ‬بسلاسة‭ ‬كاملة‭ ‬تناسب‭ ‬الجميع‭. ‬السياسة‭ ‬حلبة‭ ‬صراع‭ ‬دوما،‭ ‬نريدها‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬دموية‭.‬

سنتعلم‭ ‬معنى‭ ‬التعايش‭ ‬دون‭ ‬رعب،‭ ‬سننبذ‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتمييز،‭ ‬سنلفظ‭ ‬عادات‭ ‬فاسدة‭ ‬نخرت‭ ‬جوهر‭ ‬صناعة‭ ‬الدولة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

الطريق‭ ‬هش‭ ‬وصعب،‭ ‬لكن‭ ‬أظننا‭ ‬نحن‭ ‬السوريين‭ ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬دفعنا‭ ‬سلفًا‭ ‬بدمائنا،‭ ‬ربما‭ ‬كقربان‭ ‬لعهد‭ ‬جديد‭ ‬نجتمع‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬مسلمات‭ ‬لن‭ ‬نتنازل‭ ‬عنها‭. ‬بلد‭ ‬يضمنا‭ ‬ضمن‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الاتفاق،‭ ‬هكذا‭ ‬بواقعية،‭ ‬إذ‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أكبر‭ ‬درس‭ ‬نتعلمه‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬مختلفون‭ ‬ومتعددون‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬حشرنا‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬الزي‭ ‬الموحد‭ ‬والفكر‭ ‬الموحد‭.‬

اليوم‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أرد‭ ‬الدّين‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬لي‭ ‬قلبه‭ ‬وبيته‭ ‬وعقله،‭ ‬وأرحب‭ ‬بأصدقائي‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬الشام،‭ ‬اليوم‭ ‬بيتي‭ ‬هو‭ ‬بيتكم،‭ ‬كما‭ ‬جعلتم‭ ‬من‭ ‬بيوتكم‭ ‬بيتي‭.‬

هلا‭ ‬تجو‭ ‬معي‭ ‬عالشام؟

{ كاتبة‭ ‬سورية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا