العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لا للسوشي ولو بلّوشي

التقيت‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬ليس‭ ‬ببعيد‭ ‬بصديق‭ ‬عزيز،‭ ‬بعد‭ ‬طويل‭ ‬فراق،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬وقته‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسمح‭ ‬باستضافته‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لائق،‭ ‬فقد‭ ‬توجهت‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬فندق‭ ‬لتناول‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭. ‬ودخلنا‭ ‬المطعم‭ ‬وفوجئت‭ ‬بأن‭ ‬البوفيه‭ ‬مخصص‭ ‬للأكلات‭ ‬البحرية‭. ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬لم‭ ‬انجح‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الكائنات‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬الهامور،‭ ‬ونوعين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬ذات‭ ‬الأشكال‭ ‬المتناسقة‭: ‬رأس‭ ‬وذيل‭ ‬وزعانف‭ ‬على‭ ‬جسم‭ ‬متسق‭. ‬مثل‭ ‬الكنعد‭ ‬والشعري‭. ‬أما‭ ‬العناكب‭ ‬والصراصير‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بمسميات‭ ‬طنانة‭ ‬ورنانة‭ ‬مثل‭ ‬لوبستر،‭ ‬فإن‭ ‬قلبي‭ ‬لا‭ ‬يطاوعني‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مجالسة‭ ‬من‭ ‬يأكلها‭. ‬وهكذا‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أصناف‭ ‬اكتفيت‭ ‬بقطع‭ ‬من‭ ‬الهامور‭ ‬المشوي،‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬وأسمع‭ ‬عن‭ ‬السوشي‭ ‬الياباني،‭ ‬وقبل‭ ‬أشهر‭ ‬كنت‭ ‬مدعوا‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬فخم‭ ‬الاسم‭ ‬وشجعني‭ ‬جرسون‭ ‬‮«‬حشري‮»‬‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬تناوله‭: ‬فيري‭ ‬نايس‭ ‬سوشي‭. ‬يعني‭ ‬روعة‭. ‬فقلت‭: ‬فرصة‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬تتذوق‭ ‬السوشي‭ ‬وتلحق‭ ‬بالقرن‭ ‬العشرين‭ ‬الذي‭ ‬فاتتك‭ ‬فيه‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬مسجلا‭ ‬هدفا‭ ‬على‭ ‬أصدقائك‭ ‬المتخلفين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يذوقوه‭. ‬وغرزت‭ ‬الشوكة‭ ‬في‭ ‬اللفافة‭ ‬وحشرتها‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬بكل‭ ‬رقة،‭ ‬معتزما‭ ‬تحريك‭ ‬اللقمة‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬ببطء‭ ‬كي‭ ‬استمتع‭ ‬بطعمها‭. ‬ثم‭: ‬يا‭ ‬الله‭ ‬إيه‭ ‬القرف‭ ‬ده‭. ‬هل‭ ‬السوشي‭ ‬هو‭ ‬السمك‭ ‬الفطيس؟‭ ‬قلت‭ ‬للجرسون‭ ‬إن‭ ‬قطع‭ ‬السوشي‭ ‬التي‭ ‬عندي‭ ‬‮«‬فاسدة‮»‬،‭ ‬فاضطرب‭ ‬الرجل‭ ‬ونادى‭ ‬كبيرهم‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الشيف‮»‬‭ ‬وأقسم‭ ‬الرجل‭ ‬ان‭ ‬السوشي‭ ‬الذي‭ ‬يقدمونه‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الأنواع،‭ ‬ومن‭ ‬سمك‭ ‬مستورد‭ ‬من‭ ‬اليابان،‭ ‬وان‭ ‬الرز‭ ‬المخلل‭ ‬الذي‭ ‬بداخله‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬الأنواع،‭ ‬وأن‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬يتناولونه‭ ‬ولم‭ ‬يشكوا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬المهم‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬ان‭ ‬يعفيني‭ ‬منه‭ ‬وأن‭ ‬يأتيني‭ ‬ببديل‭ ‬ففعل‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬يحس‭ ‬بالحرج،‭ ‬ولاحظت‭ ‬ان‭ ‬اثنين‭ ‬كانا‭ ‬يشاركاني‭ ‬المائدة‭ ‬اختفيا‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭. ‬وعادا‭ ‬يقهقهان‭. ‬وبعد‭ ‬تنهيدات‭ ‬متقطعة‭ ‬صاح‭ ‬أحدهم‭: ‬بلاش‭ ‬فضائح‭.. ‬أصلا‭ ‬مالك‭ ‬أنت‭ ‬والسوشي‭ ‬وتوابعه‭.. ‬ثم‭ ‬شرحا‭ ‬لي‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الشيء‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سمك‭ ‬نيء‭.. ‬غير‭ ‬مطبوخ‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬رائحته‭ ‬‮«‬زفرة‮»‬‭.. ‬صحت‭ ‬فيهم‭ ‬بدوري‭: ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يجبركم‭ ‬على‭ ‬أكل‭ ‬السمك‭ ‬النيء‭ ‬وأنتم‭ ‬تعرفون‭ ‬أن‭ ‬رائحته‭ ‬زفرة‭. ‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬صاحبي‭ ‬الذي‭ ‬دعوته‭ ‬مؤخرا‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬ملأ‭ ‬صحنه‭ ‬بتشكيلة‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬الملونة‭ ‬والملفلفة‭ ‬بطريقة‭ ‬مريبة،‭ ‬وطفق‭ ‬يأكل‭ ‬بهمة‭. ‬ثم‭ ‬رأيته‭ ‬يحشو‭ ‬فمه‭ ‬بكريات‭ ‬سوداء‭ ‬صغيرة‭ ‬عرفت‭ ‬أنها‭ ‬الكافيار،‭ ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬لي‭ ‬تجربة‭ ‬مع‭ ‬الكافيار‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬السوشي‭ ‬فقد‭ ‬تفاديت‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬صديقي‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أحس‭ ‬بالقرف‭. ‬شخص‭ ‬يأكل‭ ‬بيض‭ ‬السمك‭ ‬نيئا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬طبيعيا‮»‬‭.‬

وفرغنا‭ ‬من‭ ‬الأكل‭ ‬وطلبت‭ ‬فاتورة‭ ‬الحساب‭ ‬وألقيت‭ ‬نظرة‭ ‬عليها‭ ‬وأحسست‭ ‬بأن‭ ‬بطني‭ ‬‮«‬انقلبت‮»‬‭ ‬وستقذف‭ ‬بالسوشي‭ ‬والكافيار‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يدخلها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الضيف‭. ‬وجبتان‭ ‬قيمتهما‭ ‬تكفي‭ ‬لدفع‭ ‬الرسوم‭ ‬الدراسية‭ ‬لـ«سيمستر‮»‬‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬معترف‭ ‬بها‭. ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬خطأ‭. ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬العيب‭ ‬ان‭ ‬تحتج‭ ‬على‭ ‬فاتورة‭ ‬أمام‭ ‬ضيفك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يحسب‭ ‬ان‭ ‬النقود‭ ‬التي‭ ‬معك‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬فيحلف‭ ‬بتطليق‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬زوجاته‭ ‬الثلاث‭ ‬بأنه‭ ‬سيدفع‭ ‬الحساب‭. ‬دفعت‭ ‬المبلغ‭ ‬المطلوب‭ ‬على‭ ‬‮«‬داير‭ ‬المليم‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬واصل‭ ‬قولوني‭ ‬العواء‭ ‬والدمدمة‭.. ‬بس‭ ‬انتقمت‭ ‬منهم‭. ‬ولم‭ ‬أدفع‭ ‬فلسا‭ ‬واحدا‭ ‬كبقشيش‭. ‬والحاضر‭ ‬يبلغ‭ ‬الغائب‭: ‬لن‭ ‬استضيف‭ ‬كائنا‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بموجب‭ ‬وصفة‭ ‬طبية‭ ‬منقذة‭ ‬للحياة‭. ‬والله‭ ‬لست‭ ‬بخيلا‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬غيري،‭ ‬ولكنني‭ ‬لست‭ ‬سفيها‭. ‬لماذا‭ ‬أدفع‭ ‬في‭ ‬وجبة‭ ‬واحدة‭ ‬مبلغا‭ ‬يكفي‭ ‬لشراء‭ ‬لوازم‭ ‬بيتي‭ ‬من‭ ‬لحوم‭ ‬حمراء‭ ‬وبيضاء‭ ‬وفول‭ ‬وعدس‭ ‬ومكرونة‭ ‬ومعجون‭ ‬أسنان‭ ‬وكاكا‭ ‬لأسبوع‭ ‬كامل؟‭ (‬عندما‭ ‬رأيت‭ ‬تلك‭ ‬الثمرة‭ ‬الحمراء‭ ‬الجميلة‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬شرائها‭ ‬ولما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬البائع‭ ‬إنها‭ ‬كاكا‭ ‬لم‭ ‬أضعها‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬قط‭). ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا